مهما قيل عن ميل الناس إلى أن يتخذوا القرارات المهمة في حياتهم باستقلالية ووفق ما يرونه ملائماً ومنسجماً مع رغباتهم، فإن الناس أميل إلى التشاور، إلى سماع النصيحة من آخرين، من محيط قد يضيق وقد يتسع من الأصدقاء والمعارف وذوي الخبرة قبل الإقدام على الخطوات التي يريدونها.
وغالباً ما يكون طلب المشورة هو أشبه بتفكير بصوت عالٍ، لأنك حين تتحدث إلى صديق عن مشكلة تواجهك وتقوم بالتعبير عنها في كلمات وفي جمل، تكون كمن يضع المشكلة في إطارها.
والتفكير المسموع، التفكير بالكلمات، هو غير التفكير الصامت، لأن هذا الأخير أقرب إلى المنولوج الداخلي، بينما الأول أقرب إلى الحوار، كأنك حين تصيغ المشكلة في كلمات تكون قد اخترت ما تظنه التوصيف الأقرب إليها.
في رواية “الآن .. هنا” يقول الروائي عبدالرحمن منيف ما معناه إن أكثر الناس خبرة ودراية في الحياة يحتاجون في لحظات إلى من يشاورونه، إلى من يستمعون إلى وجهة نظره..
وهذا صحيح، لأن المرء الحائر إزاء قرار ما من القرارات التي ينوي اتخاذها غالباً ما يكون في تلك اللحظة خاضعاً لضغط ظرف معين، لضغط حدث آني أو حاجة فورية، وهو بذلك غير قادر على تلمس الجوانب المختلفة للمشكلة التي هو بصدد التعامل معها.
موضوع النصائح لا يخلو من المفارقات، بينها أننا أحيانا نطلب النصح من الآخرين في الوقت الذي نكون، في ذواتنا، قد عقدنا العزم على أن ننفذ ما قررناه في أذهاننا سلفاً، بل ونحن نطلب المشورة نقوم بتقديم تلك العناصر التي تجعل من يستمع إلينا يصل إلى ذات النتيجة التي وصلنا إليها، نفعل ذلك بإلغاء أو إخفاء أو التقليل من أهمية العناصر التي يمكن أن تغلب رأياً آخر نقيضاً للذي نشتهيه.
ومن نطلب منهم المشورة أناسا مختلفين ولكلٍ طريقته في التفكير وفي رؤية الأمور، وبالتالي تتعدد النصائح بتعدد الأشخاص، ومن النادر أن يتفق الناس على رأي واحد، فتجد نفسك إزاء كمٍ من الآراء لا تدري أيها الأنسب.
وهناك بعض البشر الذين يجدون أن من واجبهم إسداء النصح للآخرين، هؤلاء متبرعون دائماً ليقولوا لسواهم ما الذي عليهم فعله، وما الذي عليهم عدم فعله، وغالباً ما يكون في سلوكهم هذا شيء من “الحشرية” والتطفل على الحياة الخاصة للآخرين، وغالباً أيضاً ما يكون هؤلاء هم أنفسهم أحوج ما يكونون لاتباع النصائح التي يسدونها.
وبعيداً عن كل هذا يوجد في حياة كل واحد منا ثمة دائماً شخص عزيز أليف إلى النفس قريب من الروح والقلب، هو مستودع أسرارنا، وهو الواحة التي نلجأ إليها كلما شعرنا بالتعب، فنجد لديه الأمان وطمأنينة البال.
الأيام 14 يونيو 2008