منذ نحو عقدين تنبهت إحدى الدول الخليجية الشقيقة إلى أن مناهج التربية والتعليم التي تُدرس في مدارسها قد أخذت تكتسب جُرعة سياسية تناسب هوى أحد تيارات الإسلام السياسي المعروفة. كما إن إدارات بعض المدارس والمناطق التعليمية في هذه الدولة الشقيقة، وتحت تأثير توجهات المسؤولين في وزارة التربية وميول بعض المدرسين الوافدين من دول عربية أخرى من المنتسبين أو المتعاطفين مع التيار السياسي ذاته قد منعت دروس الموسيقى في المدارس، وأوشكت أيضاً أن تمنع دروس الرسم.
بتوجيهات من رئيس تلك الدولة الخليجية الشقيقة جرى تغيير وزير التربية، وبعض طاقم الوزارة من كبار المسؤولين، وأُخضعت مناهج التربية إلى مراجعة شاملة، في سبيل تحريرها من جرعة التسييس التي شبعوها بها، وأعيد الاعتبار للمواد والمقررات الدراسية التي جرى استبعادها من قبل المسؤولين السابقين في الوزارة. تذكرت ذلك، وأنا أطالع التقرير المنشور في صفحة البرلمان من عدد الأمس من “الأيام” عن ازدياد وتيرة التدخل السياسي في العمل الإداري لمجلس النواب، وخلص التقرير إلى أن الأمانة العامة في المجلس ما هي إلا إحدى المؤسسات التي تتكالب تيارات الإسلام السياسي للسيطرة عليها، فهناك مؤسسات رسمية أخرى تشهد هذا التكالب.
ولا يمكن تجاهل المعطيات المتداولة عن تمكن ممثلي هذه الاتجاهات من الإمساك بمفاصل مهمة في عددٍ من وزارات وإدارات الدولة، للدرجة التي جعلت سمو رئيس الوزراء يدعو مؤخراً إلى فصل العمل الديني عن العمل الحكومي. نحن لا ندعو لاستبعاد أي مواطن بسبب انتمائه السياسي عن وظيفته؛ ففي دولة تنشد الديمقراطية من حق جميع المواطنين أن يختاروا الفكر أو الاتجاه الذي ينسجم مع قناعاتهم وميولهم، دون أن يؤثر ذلك على حياتهم الوظيفية والمهنية.
ولكننا نقف ضد أن تُستبعد معايير الكفاءة والتكافؤ في الفرص، وتُغلب عليها توجهات التمكين السياسي والإداري لفريقٍ سياسي بعينه، ليمارس من مواقع التمكين هذه، سياسة الإقصاء لغيره وفق معايير حزبية تارةً ومذهبية تارةً أخرى. وليس مصدر دعوتنا هذه، باعتبارنا ناشطين سياسيين، هو الدعوة لإحلال تيار سياسي آخر محل من يجري تمكينهم الآن، وإنما إحلال الكفاءات من أبناء وبنات هذا الوطن، وهم في جلهم غير منتمين سياسياً، ولا حتى متعاطفين مع هذا الاتجاه أو ذاك.
لا نحسب أن دولة تفكر ببُعد نظر يخفى عليها ما الذي يعينه أن تجد مفاصل ذات تأثير في أجهزتها الإدارية في أيدي اتجاهٍ سياسيٍ بعينه في المستقبل المنظور وغير المنظور حين يسعى هذا الاتجاه لفرض رؤاه وتصوراته وحتى أجدنته السياسية والفكرية على الأجهزة التي يمسك بمواقع القرار فيها، وما الذي سيتركه ذلك من تأثيرات على توجهات الحكومة التي يُفترض فيها أن تكون على مسافةٍ متساويةٍ من كافة مواطنيها وقواهم الاجتماعية. وهذا ما ندعو دولتنا للتبصر فيه.
صحيفة الايام
12 يونيو 2008