لا نرمي إلى أن نلتمس لمجلس التعاون الخليجي عذراً أو أعذاراً في قصور أدائه، وإنما لنقرر حقيقة أن هذا المجلس عمل وسط ظروف إقليمية معقدة، ربما لم تشهد منطقة أخرى في العالم العربي مثيلاً لها على مدار ربع القرن الماضي. لكن تقرير هذه الحقيقة لا يمكن أن يُعفي المجلس من مسؤوليات ما يؤخذ عليه من تقصيرات، تجد تعبيراتها في أن طموحات شعوب المنطقة وتطلعاتها تجاه المجلس أكبر بكثير من الذي أنجزه حتى الآن طوال الفترة التي انقضت منذ قيامه، وفي أن المسافة بين اتخاذ القرارات وتنفيذها ما زالت مسافة طويلة.
فالمجلس لا يسير بالوتيرة المفترضة منه في اتجاه أن يكون وحدة اقتصادية إقليمية وسوقاً مشتركة وأن يكرس مفهوم المواطنة الخليجية بما تعنيه من حرية التنقل من دون جوازات أو معابر حدودية ومن مساواة في الحقوق والواجبات، ومن توحيد لأنظمة التعليم والثقافة والخدمات وسواها، فضلاً عن إقامة الهياكل السياسية الموحدة التي تتمتع بمقدار من الاستقلالية عن سيطرة حكومات المنطقة. الإقليم الخليجي منظوراً إليه من زاوية الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون يبدو منظومة بشرية وجغرافية محدودة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن دولنا محاطة بثلاث دول مفصلية ذات عمق بشري واستراتيجي وتاريخي وجغرافي واقتصادي أيضاً.
فهناك إيران التي يتراوح عدد سكانها اليوم بين ٥٧ و٠٨ مليون نسمة، في حين يبلغ عدد سكان اليمن نحو عشرين مليون نسمة، ويتوقع المراقبون أنه خلال عشر سنوات سيكون عدد سكان هذه الدول المحاذية قرابة مائة وسبعين مليون نسمة، فيما لن يتجاوز عدد سكان دول مجلس التعاون أربعين مليوناً أو خمسة وأربعين مليوناً خلال هذه الفترة. وليس المراد من إيراد هذه الحقائق رسم صورة متشائمة أو سوداوية لمستقبل هذا الإقليم، لأن بوسع دوله أن تحول دون ذلك إن هي تبصرت في شؤون المستقبل بجدية وبُعد نظر، والتفتت إلى الشأن التنموي والسياسي وفق هذه الرؤية. ليس لدينا هامش كبير من الوقت نؤجل فيه اتخاذ القرارات الصعبة باتباع سياسات جديدة وجريئة، والذهاب نحو تنفيذها بجسارة، عبر معالجة ديناميكية تأخذ في الاعتبار الجديد في نظم الإدارة والتعليم والتمثيل السياسي والمشاركة الشعبية. علينا أن نفعل ذلك الآن، فغداً سيفوت الأوان.
صحيفة الايام
11 يونيو 2008