بدءا على الارجح من أواسط سبعينيات القرن وتحديدا منذ انحراف الرئيس المصري الراحل انور السادات بزاوية 180 درجة عن مبادئ ثورة يوليو والخط السياسي المعروف للزعيم الوطني العربي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومن ثم تقربه من الولايات المتحدة ورفعه شعار انها تملك 90% من أوراق حل الصراع العربي الاسرائيلي وان حرب اكتوبر هي آخر الحروب، الى آخر شعارات التراجع والتخلي عن كامل مبادئ ثورة يوليو منذاك شاع في الكتابات السياسية ووسائل الاعلام العربي تعبير “عرب أمريكا”، والذي أطلقته القوى والتيارات الوطنية والقومية العربية للدلالة على بروز تيار يميني عربي جديد لا يتوانى عن الاجهار بتفويض أمريكا لرعاية مشاريع سلمية تسووية لا تلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولا الحقوق العربية كافة.
فيما كانت بيانات القمم العربية حتى ذلك الوقت لا تتردد على الاقل من تدبيج الادانات المشددة بلهجة حادة لاسرائيل وجرائمها العدوانية بحق الفلسطينيين واللبنانيين، بل ولا تجد غضاضة أيضا من توجيه لوم خجول للولايات المتحدة لعدم ممارستها الضغوط على اسرائيل للتخلي عن تلك السياسات العدوانية.
في ذلك الزمان من أواسط وأواخر السبعينيات كان لم يمر على نكبة فلسطين سوى نحو ثلاثة عقود وكان التطبيع مع العدو الاسرائيلي والذي مازال يعد حينها من أكبر المحرمات لا يجرؤ أي زعيم أو قائد دولة عربي مجرد التفكير فيه أكثر ما وصل اليه خروج أكبر دولة عربية عن الصف العربي ألا هي مصر بعقد صلح منفرد مع هذا العدو عام 1979 بقيادة انور السادات نفسه عراب هذه السياسة الانحرافية التي ابتهج لها عرب أمريكا فيما بعد رغم ظهورهم بمعارضتها في حينها.
اليوم وقد مرت ثلاثة عقود اضافية على تدشين هذه السياسة وليمر بذلك 60 عاما بالتمام والكمال على النكبة التي خاض حربها ويا للمفارقة التاريخية ثلاثة جيوش دول عربية واقعة تحت تأثير الاستعمار الغربي، بصرف النظر عن هزيمتها في هذه الحرب غير المتكافئة، فما هو المشهد السياسي الرسمي للعلاقات العربية الاسرائيلية عشية وغداة احتفال “اسرائيل” بعيد انتصارها على العرب في هذه النكبة الكارثة؟ لعل القاء نظرة سريعة على صورة واحدة من هذا المشهد ليختزل لنا على نحو مكثف حجم التغيرات المريعة المذهلة التي آلت اليه الاوضاع العربية بعد 60 عاما في ظل سباق التخاذل عن نصرة القضية الفلسطينية والتنكر لابسط مستلزمات الواجب القومي.
فقبيل أيام قليلة من ذكرى النكبة اي قبيل احتفالات اسرائيل بانشائها طارت الارهابية الصهيونية الاسرائيلية الى بعض الدول الخليجية لتصافح بيديها النجستين الملطختين بدماء أبرياء شعبنا العربي الفلسطيني ايدي “عرب” من الذين كانوا حتى السبعينيات يطلق عليهم “عرب امريكا” ولم يجدوا غضاضة اليوم من البوح والتبجح بالتطبيع مع العدو الاسرائيلي والظهور مع قادته الارهابيين في صور استفزازية علنية أمام شعوبهم. ولم تمر سوى أيام قليلة من بدء احتفالات اسرائيل بستينية انشائها حتى فجرت صحيفة “ذي صنداي تايمز” قنبلة من العيار الثقيل للسجل الارهابي لهذه الارهابية المتغطرسة ليفني والمرشحة ان تتولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية لتكون ثاني امرأة صهيونية ارهابية تتولى هذا المنصب بعد الارهابية الراحلة جولدا مائير.
فقد كانت الوزيرة ليفني منخرطة في جهاز الموساد الارهابي الدموي ولعبت دورا رئيسيا في تجنيد عملاء لاغتيال قادة المقاومة المدنيين في أوروبا خلال الثمانينيات. لا بل انها، كما تشير الصحيفة البريطانية، كانت من ضمن فرق الكوماندوز الذين شاركوا في تلك التصفيات الارهابية، ومنها عملية تصفية الشهيد الفلسطيني مأمون مريش في اثينا عام 1983م. وكانت ليفني قبل ضلوعها في هذه الاعمال الارهابية ضابطة في جيش العدوان الاسرائيلي، وقد عملت بعد انخراطها في الموساد الى جانب أكفأ ضباط الاستخبارات الارهابيين من رجال الصاعقة الاسرائيليين لتخطيط وتنفيذ الكثير من العمليات الارهابية التي راح ضحيتها عشرات القادة من منظمة التحرير والمقاومة الفلسطينية.
أكثر من ذلك فقد كانت ليفني ابنة نجيبة لابويها الارهابيين التي عددت “الصنداي تايمز” عمليات كثيرة تورطا في ارتكابها بحق المدنيين ابان الانتداب البريطاني على فلسطين. هذه هي تسيبي ليفني يا عرب، وهذا هو سجلها الارهابي الملطخ المجلل بالعار والملطخ بدماء الابرياء المدنيين وقادة النضال الوطني الفلسطيني المشروع والذي تطلق عليه حكومتها وأمريكا “ارهابا”، فهل ستصافحونها مجددا أم ستحتفظون بذرة من الحياء أمام شعوبكم التي لطالما ظلت كرامتها مستباحة ردحا من الزمن على أيديكم؟!
صحيفة اخبار الخليج
10 يونيو 2008