لا يمكن لأحدٍ التكهن بمستقبل الدول الخليجية في ظل الازدياد المطرد في أعداد العمالة الوافدة في هذه المنطقة للحد الذي أصبح فيه المواطنون هم الأقلية في أوطانهم والعمالة الوافدة هي المسيطرة على سوق العمل وعلى التركيبة السكّانية, ورغم تحذيرات المختصين من مخاطر الخلل السكّاني في الدول الخليجية إلا أنّ جميع هذه الدول تسير على خطى الإمارات العربية المتحدة التي أصبح فيها نسبة المواطنين لا تزيد كثيراً على 10 في المئة من مجمل السكّان.
فجميع الدول الخليجية تعاني من هذه المشكلة بنسب مختلفة إذ بلغت نسبة المواطنين في قطر أقل من 16 في المئة وفي البحرين تقارب عدد المواطنين مع عدد السكّان الأجانب.
وفي حين لا ننكر ما لهذه العمالة من فضل في تطوير البنى التحتية إلاّ أنها في المقابل قد استنزفت العديد من الثروات الطبيعية التي كانت ستغطي الاحتياجات الطبيعية للمجتمع وفق الزيادة المعقولة في عدد السكّان فهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى المياه والكهرباء والسكن, ما يعني نضوب المصادر الطبيعية للمياه نتيجة الاستنزاف الجائر و تحويل وبناء المزيد من محطات توليد الكهرباء وتحويل المناطق الخضراء والمزارع إلى مناطق سكنية لاستيعاب العدد المتزايد من السكّان, وذلك فضلا عن اختفاء الأحياء الشعبية وازدياد معدلات الجريمة واضمحلال الهوية الوطنية للشعوب الخليجية.
المختصون يرون أنّ المنطقة تواجه أكثر من خطر في المستقبل إنْ لم يتم تغيير نمط التنمية فيها وبالتالي تغيير اتجاه العمالة من القطاع العقاري إلى القطاعات الصناعية والإنتاجية, فمن المعروف أنّ القطاع العقاري يحتاج الى أعداد كبيرة من العمالة التي تكون في غالبيتها غير ماهرة وغير مدرّبة في حين تحتاج القطاعات الصناعية وخصوصاً الصناعات التقنية الى عمالة أقل تكون مدرّبة تدريباً جيّداً للتعامل مع الآلات الحديثة .
الباحث الاقتصادي جعفر الصائغ وجّه في إحدى الندوات تحذيراً خطيراً الى الدول الخليجية حين قال:” إنّ دول المنطقة ستظل في أمان متى ما ظلت العمالة الأجنبية مسلوبة الحقوق, ومتى ما وعت العمالة الأجنبية لحقوقها فإنّ الدول الخليجية ستتعرض الى كارثة خطيرة”.
إنّ المنظمات الحقوقية والعمالية والدول المصدرة للعمالة تضغط الآنَ على الدول الخليجية من أجل تقديم المزيد من الحقوق لهذه العمالة كحرية التعبير وتشكيل النقابات العمّالية وحرية الإضراب ورفع الأجور وتحسين السكن, وكل ذلك سيتحقق إنْ عاجلا أو آجلا وسواء شئنا أم أبينا.
الوسط 6 يونيو 2008