قلنا بالأمس إننا مقبلون على مستقبل مكفهر.. فالبحريني لا يملك إلا أن ينظر للمجنسين على أنهم من أخذوا عنه (عنه لا منه) بيته ووظيفته ومقعده الدراسي.. والمجنس بدوره لا يقبل أن يُزدرى؛ أو يعامل كدخيل وهو يحمل جنسية لا فرق فعلياً بينها وبين جنسية أعتى شخصيات هذا البلد..
والإنصاف يقتضي منا ألا نلوم أياً منهما؛ فكلاهما ينوء بأكلاف التجنيس السياسي وضريبته الثقيلة.. التجنيس السياسي الذي نُعِدُّه الكبوة الأكبر والأخطر للبحرين في تاريخها الحديث، عندما استجابت لمشورة عمياء من المستشارين الأجانب الذين – نفخوا – بجدارة في هواجس الحكومة إبان الانتخابات لينفذوا أكبر عملية تجنيس في تاريخ البحرين أفضت لتجنيس 38 ألفاً و225 شخصاً(1) – على الأقل – خلال الانتخابات فقط. وهاهي الحكومة الآن قد تورطت خصوصاً لما وجدت أن من جنسوا – عشوائياً وعلى عجل – لم يكونوا بالموثوقية والوداعة التي كان عليها أسلافهم ممن جنسوا بروية وفق القانون..!!
فعلى صعيد أمني؛ تفجرت المشاكل والقضايا والسرقات. إسكانياً؛ تزايد العبء، وأصبح الناس أقل تسامحاً وصبرا فيما يتعلق بتأخر طلباتهم الإسكانية لعلمهم أن مجنساً ما قد حصل على المسكن قبلهم. سياسياً: صارت مسألة التجنيس مشنقة تعلق لذوي القرار كل يوم. وكلها سنوات – واذكروا ما أقول- وسينقلب هؤلاء على المجتمع والبلد الذي اضطهدهم مطالبين بإدخالهم في نظام المحاصصة المعمول به سراً في توزيع المناصب والوظائف العامة.
وإن كنتم تؤمنون – كمحدثتكم – بأن الماضي قد مضى واننا أولاد اليوم.. فسترون أن نهاية هذا النفق لا يجب أن تكون بائسةً كما تشير الطلائع.. إذ مازال بالإمكان معالجة هذا الوضع ومنع استفحاله لو تضافرت القوى لما فيه الخير والصالح..
ومبادرة ذلك يجب أن تنطلق من الحكومة من منطلق ‘اللي شبكنا يخلصنا’؛ بأن تَعِدَ الحكومة سراً أو علانية بوقف التجنيس بعيداً عن سدةّ القانون؛ على أن تتوج هذه المصالحة بتعديل قانون الجنسية لسنة 63 وتوابعه بالعودة لقانون 1955 الذي يسمح – فقط – بتجنيس من أقام باستمرار في البلاد لمدة لا تقل عن 10 سنوات؛ شريطة أن يكون مالكاً لملك غير منقول؛ ولم يرتكب أية جريمة، وأن يحسن التكلم باللغة العربية وأن يملك الأهلية القانونية والمادية والثقافية لكي يكون بحرينياً.
والأهم من ذلك.. أن تفعّل الحكومة البند الثامن من قانون الجنسية الخاص بسحب الجنسية ممن يدان خلال 10 أعوام من تجنسه بأية جريمة تمس الشرف والأمانة؛ وسيكون ذلك كفيلاً بتنقية المجنسين من العناصر الرديئة التي تعتريهم..
من جهتنا.. كعامة وشعب.. علينا أن نجاهد أنفسنا لتخطي و’بلع’ هذا الواقع في حال ما أعطت الحكومة أي مؤشر إيجابي بشأن هذا الملف.. كما وعلينا تجنب اضطهاد المجنسين ما أمكن لئلا يترعرع الناشئة منهم على الحقد – حقداً – يدفعهم لأعمال انتقامية ضد المجتمع والنظام، يتحولون بفضله لبؤر توتر تزيد وضعنا – المعقد أساسا – تعقيداً وتأزماً..
(1) وفقاً للخبير القانوني د.حسين البحارنة، الوقت 9 كانون الثاني 2007
صحيفة الوقت
9 يونيو 2008