تصدر القرارات كالعادة بصورة غير مكتملة في أوضاع تبدو مهمة كحياة المواطنين، خاصة الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة ويضغطون على حياتهم ويصمتون كالعادة، ويحملون معهم التذمر على تلك القرارات إزاء مواطنين هم أكثر إلحاحا وحاجة إلى تلك العلاوة. ولا اعرف من الذي صمم تلك التخريجة بفرز المواطنين بتلك الصورة ووضع سقف أعلى للدخل، وحدد فئات مجتمعية، من حقها أن تنال تلك العلاوة، ونسي بكل سهولة شريحة واسعة من السكان هم المواطنون البحرينيون العزاب الذين بالفعل دخولهم لا تتجاوز الألف والخمسمائة دينار بحريني.
كان الأجدر بقسم الإحصاء والمعلومات أن يفرز تلك الشريحة، ويقدر حجمها بين السكان، وان يرى عددها حتى وان بلغت بحجم النملة أو بحجم سكان الصين؛ فهم في النهاية مواطنون يستهلكون مثل غيرهم، ويقفون في الطوابير الطويلة، ويدفعون الفواتير حالهم حال خلق الله. بل ولا نراهم يحملون بطاقات خاصة معفية عن دفع تكاليف البنزين الذي يدفعونه لسياراتهم البسيطة التي معنية بتنقلهم اليومي في مدينة ومجتمع اعتاد على حياة الاستهلاك والمواصلات الخاصة.
وقد صار الخبز والحليب وكل المستلزمات مرتفعة إذ ليس بإمكان هؤلاء العزاب أن يتحاشوا تلك البضائع، ولن يجدوا رفوفا في المخازن مكتوبا عليها عبارة أسعار مخفضة خاصة للعزاب، ولن يجدوا مطاعم تستضيفهم ببطاقات كتب عليها أهلا وسهلا بإخوتنا العزاب تفضلوا في مطاعمنا فإنها تعاونيات خاصة بكم، وإنما سيدخلون حالهم حال غيرهم جحيم الأسعار، وعليهم أن يتحسسوا جيوبهم ومحافظهم التي تنضب من ثلث الشهر؛ فبعضهم راتب تقاعده شحيح لم يعد كافيا لمصاريف كامل الشهر. هذا إذا كان الأعزب يعيش بمفرده، وقادرا على تقبل المعاناة بصمته وكرامته، ولكن ماذا يفعل ذلك الأعزب المعني بمسؤولية عائلة صغيرة في مجتمع كمجتمعنا تصبح للتقاليد قيمة أخلاقية في عدم التخلي عن الأم والإخوة؛ فعادة هناك أفراد تركهم الإخوة والأخوات خلفهم فباتوا في عنق ذلك “الأعزب” بسبب روابط عائلية.. فهو بهذه الحالة ليس أرملا ولا هم يحزنون، وأيضا الأطفال هم ورثة تركها الأخ أو الأخت خلفهما؛ فكيف تتم معالجة وضع ذلك الأعزب المثقل بمصاريف حالة عائلية بل حالات عائلية متنوعة بحاجة إلى قسم للمراجعة والحوار مع كل الحالات المتنوعة لمناقشة ظروفها الصعبة ثم البحث عن حلول مرضية.
ولكن يبقى الأعزب في كل الحالات مواطنا مستهلكا سواء دخل مرحلة التقاعد أو لم يدخل، ووضعه وحاله من حال كل مواطن، إذ لا يوجد فرد في المجتمع لا يمسه الغلاء بهذه الدرجة أو تلك. وإذا ما كان غلاء المعيشة في بلدان كثيرة ينالها كل مواطن دون استثناء كونهم دافعي ضريبة، ولا يمكن استبعادهم، وإنما يتم تنظيم تلك العلاقة والعلاوة وفق المؤسسات ومستوى أرباحها وإدارتها وحوارات النقابات مع تلك الإدارات، وتدخلها في أوضاع تلك الزيادة “العلاوة”. ولأننا مجتمع لا يدفع ضرائب على دخله؛ فإن تقسيم المجتمع يتم على أسس ومعايير غريبة أهمها الاهتمام بأوضاع الفئات الدنيا والدخول المتدنية، بل وتوزع تلك العلاوات بوسائل لا يفهمها المواطن على الرغم من ضغوطات الحياة المعيشية، ومضطر للتعامل معها كونها حقا اجتماعيا ضمن العديد من حقوقه المنتقصة.
ما نراه في مقالتنا يستدعي إعادة البت في المسألة والتدقيق في أوضاع شريحة واسعة من العزاب الذين يعتبرون مواطنين لهم كامل الحقوق ولكن وضعوا على “هامش الحياة!!” فتم إخراجهم من المعادلة وكأنهم طارئون على وطنهم وعلى أوضاع السوق والبضائع المتزايد سعرها يوميا، في وقت لا يجد الأعزب نفسه إلا مضطراً على الدفع من رصيد راتبه المتدني أو راتبه التقاعدي “المنكوب”، فهو ليس إلا مجرد دنانير فقدت قوتها الشرائية في سوق لا تعرف الرحمة، وقد زاد عدم الرحمة أولئك الذين صمموا القرار بطريقة استثنت هذه الشريحة التي مهما صغر حجمها السكاني أو تعاظم فهم في النهاية مواطنون لهم حقوق مثلما عليهم واجبات، يلاحقهم القانون في فعلها لو امتنعوا عن دفع الفواتير، وكل المستلزمات الضاغطة كالماء والكهرباء فلا يوجد أعزب عاقل بإمكانه أن يعاند نفسه في ذلك الصيف القاتل، ويكابر ويضرب عن دفع الفواتير. يبدو أن جمعية العزاب جمعية تستحق أن تجتمع وتناقش أوضاعها في ظل ظروف جديدة فلا احد يسمع صوت “الشرائح الصامتة” إلا عندما يم التعبير عنها على الطريقة البوذية!
صحيفة الايام
8 يونيو 2008