كتب الأديب الروسي إي. سيروس (مواليد 1948) بأن ‘أفضل طريقة لجعل الشعب يعرف نفسه هو أن يفسح له في المجال لينتخب قادته’. نظريا، يصدق هذا القول على نتائج الانتخابات الديمقراطية الحقة التي تمثل إرادة الناخبين أصدق تمثيل. وحتى عندما تتداخل في العملية الانتخابية عوامل خطيرة وشديدة التأثير كالمال السياسي أو الفزعة القبلية أو النعرات الطائفية أو الولاءات الحكومية، فإنه تبقى لهذا القول درجة معينة من الصدقية، إذ تعكس النتائج قدرة المجتمع على مقاومة تأثير هذه العوامل. إلا أن القوانين والنظم الانتخابية هي التي تحدث أثرها الأكبر على صدقية النتائج.
سعدت مع أصدقاء من بلدان عربية وأجنبية بمتابعة العملية الانتخابية التي جرت في 17 الشهر الجاري في دولة الكويت الشقيقة. وكان من نصيبي أن زرت في النصف الأول من ذلك اليوم خمسة مراكز انتخابية في الدائرة الخامسة ذات الثقل القبلي، وبعد الظهر خمسة أخرى في الدائرة الأولى ذات الثقل الشيعي، وسبعة مقار انتخابية قبل وبعد الانتخابات.
في هذه الانتخابات خطت الكويت خطوات مهمة تعزز مقولة الكاتب سيروس، وأخرى بالعكس. لقد نجح الشعب الكويتي في إلغاء نظام تفتيت الدوائر الانتخابية وتوزعها على 25 دائرة، واستجاب مجلس الأمة (البرلمان) المنحل للمطلب الشعبي الواسع ‘نبيها خمس’ بإقرار نظام الخمس دوائر لتشكل هذه الاستجابة الإنجاز الأكبر، وربما الوحيد لذلك المجلس. وقد ساعد هذا النظام إضافة إلى الرقابة الأكثر تشددا في الحد كثيرا من ظاهرة شراء الأصوات بسبب كلفتها الباهظة بعد أن توسعت الدوائر وبسبب حزم الدولة في مكافحتها. ورغم أن الحكومة قد غضت الطرف عن بعض الانتخابات الفرعية للقبائل، إلا أن صدور قانون يمنعها وبعض الإجراءات الحازمة لمنع بعضها قد حد من هذه الظاهرة. بل إن بعض القبائل الصغيرة المتحالفة حاولت هذه المرة أن تدفع من بينها بمرشحين شباب ذوي كفاءات لينالوا دعم القبائل الحليفة والناخبين في تنافسها مع القبائل الأكبر حجما. أما الخطوة إلى الوراء، فكانت بسن قانون التجمعات الذي نال من الحريات الديمقراطية التي يتمتع بها شعب الكويت في محيط خليجي يفتقدها عموما.
في هذه الظروف المستجدة جاءت النتائج لتستحق التمعن فيها، بما لها من انعكاسات على عمل مجلس الأمة الذي سيعقد جلسته الأولى في الأول من يونيو القادم قبل أن يغط في إجازته الصيفية الطويلة، وعلى احتمالات تطورات الأوضاع بالنسبة للقوى الديمقراطية والمرأة الكويتية. كان المتوقع أن تسفر هذه الانتخابات عن وصول المرأة إلى مقاعد البرلمان لأول مرة في تاريخ الكويت، وأن يحقق ممثلو القوى الديمقراطية مواقع أكثر تقدما. ولم يتحقق الأمران. في عدد من المراكز الانتخابية النسائية شاهدت الناخبات وفرق العمل النسائية وحتى من عرفن أنفسهن بالمفاتيح الانتخابية للمرشحات والمرشحين يتقدن حماسا لدرجة الجرأة الملحوظة في تجاوز شروط الدعاية الانتخابية في يوم الانتخابات. لكنه، ولمرتين متتاليتين في البحرين والكويت، عملت وصوتت المرأة بنشاط ضد نفسها لشديد الأسف. ومع ذلك، ورغم عدم فوزهما أبلت المرشحتان أسيل العوضي ورولا دشتي بلاء حسنا. أسيل العوضي (التحالف الديمقراطي) جاءت مباشرة بعد آخر الفائزين في الدائرة الثالثة، كما حصدت رولا دشتي عددا ليس قليلا من الأصوات. ويشير ذلك إلى ارتفاع حظوظ المرأة بالفوز في الانتخابات القادمة، خصوصا إذا ما عقدت بعد عامين من الآن.
عانى التيار الوطني الديمقراطي من تشتت أصواته بسبب تنافس مرشحيه وتوزعهم بين قائمتي التحالف الوطني الديمقراطي والمنبر الديمقراطي ومرشحين مستقلين. فالتحالف أوصل ثلاثة فقط من مرشحيه الثمانية وفي دائرة واحدة فقط. وكان عدد الأصوات متباعدا بين مرشح وآخر ما يعني تشتتها. وفاز صالح الملا (المنبر الديمقراطي) في الدائرة نفسها بعدد كبير من الأصوات ما كان يعني إمكانية أن تنعكس إيجابا على نتائج الثلاثة لو أن تنسيقا حدث. ولم ينجح كل من الشخصيتين البارزتين أحمد الديين ومحمد عبد القادر في الدائرة الثانية. وقد عانيا من فجوة تباعد عدد الأصوات بينهما. ولا شك أيضا أن تشتتا في الأصوات قد حدث بينهما وكذلك بينهما وزملائهما في قائمتي المنبر والتحالف. وكذلك الحال بالنسبة لرولا دشتي، الرئيسة السابقة لجمعية الاقتصاديين الكويتية. وتستحق هذه الظاهرة دراستها من قبل القوى الديمقراطية في الكويت والبحرين على السواء للاستفادة من دروسها سواء لبناء التحالفات بالنسبة للانتخابات القادمة.
لقد حملت نتائج هذه الانتخابات نتيجتين مهمتين ومتناقضتين بالنسبة للإسلاميين. فمن جهة عاقب الشارع الكويتي الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) بقسوة، فمن بين 14 مرشحا لم يفز لها سوى ثلاثة مقارنة بستة في مجلس .2006 وفي حين تساق لذلك أسباب كثيرة، إلا أن أهمها هو تناقض مواقفها إزاء قضايا الناس، واتهامات الفساد التي انتشرت أدلتها بشكل واسع وتبعيتها للحكومة، إضافة إلى تاريخ ممارساتها بإقدامها (الإخوان المسلمون) العام 1981 على تنظيم الانتخابات الفرعية، بل والطائفية لأول مرة في تاريخ الكويت لحيلولة دون وصول ممثلي الشيعة. لكن الناخبين، من الجهة الأخرى، رفعوا عدد الإسلاميين السلفيين الأكثر تشددا إلى أربعة،. وعموما وصل عدد النواب الإسلاميين السياسيين إلى 18 نائبا. وارتفع عدد النواب الشيعة إلى خمسة.
ومن جديد ناخ الحضور القبلي بكلكله على المجلس بما له ثقل كبير في المجتمع الكويتي. فقبيلتا العوازم والعجمان اللتان تتمتعان بما يزيد عن 18 ألف و 16 ألف صوت لكل منهما على التوالي، إضافة إلى تحالف قبائل المطران والرشايدة وعنيزة وعتيبة وبني هاجر والدبوس الذي يقترب مجموع أصواتها مجتمعة من 19 ألفا. وبنتيجة ذلك بلغ عدد نواب القبائل في المجلس الحالي 25 نائبا. ويلفت النظر تداخل نواب القبائل والإسلاميين، إذ يضم نواب القبائل 9 من الإسلاميين (أي 36%)، بينما يضم الإسلاميون 9 من ممثلي القبائل ويشكلون أكثر من نصف إجمالي عددهم (53%).
وفي حين يصل عدد النواب المستقلين إلى 20 نائبا، من بينهم 4 من الشيعة، فإن المتوقع أن تتشكل المعارضة في مجلس الأمة من 15 نائبا فقط من مختلف الاتجاهات.
بهذه التوزيعة تبدو توازنات مجلس 2008 في الكويت حرجة للغاية. ومع وجود عدد ممن اصطلح على تسميتهم بنواب التأزيم، خصوصا من ممثلي الدائرة الرابعة، فالسؤال المفتوح هو هل سيستطيع المجلس إكمال فترته الانتخابية أم أن على القوى الديمقراطية والمرأة خصوصا أن تستعد منذ الآن لجولة انتخابية مستخلصة الدروس المفيدة من نتائج انتخابات السبت قبل الماضي؟
صحيفة الوقت
27 مايو 2008