عبر البريد الإلكتروني تلقيت رسالة من الصديق العزيز الدكتور عبدالله المدني، الباحث في الشؤون الآسيوية، تتضمن مجموعة من الصور عن الحياة في إيران اليوم. تظهر هذه الصور حياة أخرى تناقض تلك الصرامة التي تفرضها أو ترمي إليها الجمهورية الإسلامية، في نمط الحياة وأشكال السلوك الاجتماعي اليومي ولباس النساء.. الخ.
تلك الصور عن الحياة في إيران لا تظهر تبرجاً أو خروجا عن المرعي من العادات والتقاليد، ولكنها، بالمقابل، تكشف عن شكل من التمرد على صرامة القواعد التي تفرضها المؤسسة الدينية المسيطرة على مفاصل السلطة في البلد. لا يبدو حجاب الصبايا مُحكماً كما يشتهي الملالي، وثمة صور لفتيات يلعبن كرة الطائرة في حدائق عامة، وصور أخرى لأخريات يصوبن العصا بدقة تجاه كرة البلياردو، وقد انزاح غطاء الرأس عن خصلات الشعر، وصور أخرى تذهب في الوجهة ذاتها. بيني وبين نفسي تساءلت: هل يحدث ذلك بغض طرفٍ مقصود من السلطات، أم انه يتم بعيداً عن أعين رجالها؟ وبيني وبين نفسي، أيضاً، رجحت الاحتمال الأول، لا لأن المؤسسة الدينية راضية بالضرورة عن أشكال التمرد هذه،وإنما لأنها رغم كل العقود التي انقضت على الثورة الخمينية، عجزت عن ترويض مجتمع عُرف بانفتاحه، خاصة وانه سليل حضارةٍ موغلةٍ في القدم معروفة برقيها في الآداب والفنون، يبدو مستحيلاً تطويع مكوناتها لحكم ثيوقراطي يظل محدوداً قياساً لثراء الإرث الحضاري الفارسي، الذي تكرس في عقود الحكم الإمبراطوري.
يمكن القول إن في إيران المعاصرة مجتمعين لا مجتمع واحد، الأول هو ذاك الذي يتطور بقوة الدفع الموضوعية التي تجعل صعباً، لا بل مستحيلاً، على إيران أن تكون منغلقة على نفسها في عالم مفتوح، والثاني هو ذاك الذي تريد المؤسسة الدينية الحاكمة فرضه وتعميم شكل السلوك الذي تراه مناسباً من خلاله. وعلى خلاف مجتمعات عربية وإسلامية أخرى لا يزال نظام الحكم الذي تعد به الحركات الإسلامية مجرد مشروع تسعى لتحقيقه، ويصعب على الناس تخيل كيف سيكون، فان أجيالا من الإيرانيين خبرت هذا النظام، أو فلنقل شكلاً من أشكاله، ووجدت أن المسافة بين الحلم الذي تعد به الحركات والثورات دائماً وبين الواقع شاسعة.
من هذه الزاوية علينا أن نقرأ الصور موضوع هذا الحديث، لنجد أن الحراك الاجتماعي في إيران المعاصرة يدفع بالأمور في اتجاه مخالف تماماً لذلك الذي يريده الملالي الذين يُحكمون القبضة على الأمور في البلاد. إن كل قسرٍ خارجٍ على الفطرة السوية، الوسطية والمعتدلة، مآله الإخفاق الذريع، ومهما كانت صرامة التدابير فان الحياة، ومُحبيها، يشقون لأنفسهم لا سبل العيش كما اتفق وحدها، وإنما سبل العيش التي يرغبون في أن يحيوا بها.
صحيفة الايام
26 مايو 2008