ان الدعوة التي تبنتها جمعية الصحفيين البحرينية بتدشين وثيقة “صحفيون ضد الطائفية” ووقعها أكثر من “200” من الصحفيين والكتاب والمثقفين، بمناسبة الاحتفال بيوم حرية الصحافة العالمي.. هي دعوة مستنيرة وحضارية جاءت مبعث فخر مؤسسات المجتمع المدني، التنويرية والتقدمية، بقدر ما تظل خطوة وطنية ومبدئية، قبل أن تكون خطوة أدبية وصحفية.. لكونها قد عبرت عن مناهضتها للطائفية وأصحابها الظلاميين الطائفيين والمذهبيين والإثنيين.. وطالما جاءت هذه الدعوة امتدادا لدعوة “هيئة الاتحاد الوطني” في دحرها للطائفية ومحاربتها للطائفيين.. ونضالات أمينها العام آنذاك المناضل عبدالرحمن الباكر ورفاقه بأقلامهم وأفكارهم من خلال جريدتي “صوت البحرين والقافلة” ضد جميع النزعات الطائفية والنعرات المذهبية والعنصرية.
ولعل ما يبعث على الشرف العظيم أن دعوة جمعية الصحفيين بتدشين ميثاق الشرف “صحفيون ضد الطائفية” ما بين الصحف المحلية، وما تحتضن من أقلام حرة وشريفة.. هي دعوة تعكس مواقف الحريصين على تماسك اللحمة الوطنية.. وتجسد أهداف الغيارى بارتقاء المجتمع بوحدته الوطنية ونبذه كل ما يمت إلى الانقسامات الطائفية والمذهبية بصلة.. بقدر ما تقرع هذه الدعوة بمغازيها ودلالاتها، جرس الانذار وجرس المحاذير إلى الطائفيين وإلى المذهبيين، كل في موقعه، وكل بمختلف علاقاته وانتماءاته، وبنشاطاته السياسية والأيديولوجية.. وفعالياته الادبية والثقافية والصحفية. من دلالات دعوة جمعية الصحفيين البحرينية، أنها تدل بالدرجة الأولى على توجيه مضامينها إلى انتماء تيار الإسلام السياسي بشقيه، وبجميع ملله وجميع فرقه الاسلامية وخطاباته ومرجعياته الدينية.. لكون مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطية كافة، وليست جمعية الصحفيين البحرينية وحدها، بل المعارضة السياسية المستنيرة، وضعت في اعتبارها وفي حسبانها وحساباتها أنه ليس ثمة من سعى ويسعى إلى طأفنة الكتابة وطأفنة الكلمة وطأفنة العمل السياسي والشعبي والإداري والمجتمعي، سوى قوى تيار الإسلام السياسي.. كما أن هناك المستفيدين والانتهازيين والمتملقين الذين قد ينشرون أفكارهم الصفراء بأقلامهم المسمومة المتسمة بالنزعات الطائفية والمذهبية، من أجل تحقيق أغراضهم الشخصية المشتبه فيها وغاياتهم الذاتية المسمومة. ومن خلال هذه الأحكام الحاسمة لمؤسسات المجتمع المدني، فانه يمكن القول: إن هذه الأحكام لم تأت عبثا أو من فراغ.. ولم تأت تجنيا أو نكاية او شماتة أو تجريحا أو تشهيرا.. وإنما جاءت مبنية على دعائم الحقائق الملموسة ومرتكزات الوقائع المحسوسة في حيز الواقع والوجود، وهو ما كشفته طبيعة تكوين التشكيلة التنظيمية لجمعيات تيار الإسلام السياسي، والقائمة على ذات البعد الواحد واللون الواحد، وذات الطائفة الواحدة، من دون الطائفة الأخرى والعكس كذلك.. بقدر ما اتخذت هذه الجمعيات الولاء الطائفي والمذهبي والمرجعيات الدينية خطوطا حمراء يحظر المساس بها. من الملاحظ كذلك أن البرلمان المنتخب، وهو الجمعية التشريعية الأخرى التي تجلت بالنزعة الدينية والميتافيزيقية بحسب ما كشف أعضاء هذا البرلمان الإسلاميون، عن اصطفافاتهم الطائفية وانتماءاتهم المذهبية والحزبية، وما تمخض عن التركيبة الهشة الواهنة لهذا البرلمان الاسلامي، من التشظي السياسي والتمثيلي والتشريعي.. أما أهداف الشعب ومطالب الناخبين بين أروقة البرلمان، فأصبحت كالسراب حين يحسبه الظمآن ماء.. بقدر ما أهملت وخمدت وهمشت ملفات القضايا الساخنة والمهمة والمصيرية في أدراج البرلمان.. ومثلما تذهب أماني وأهداف الناخبين هباء أدراج الرياح فان المستفيدين بالمقام الأول من تداعيات هذه الظاهرة المتخلفة، تلك البطانات من الطائفيين والمذهبيين، الذين يمثلون عقبة كأداء في طريق الإصلاحات العامة في مملكة البحرين، حين استماتتهم في الاستئثار بنصيب الأسد من المصالح والمغانم، ولو جاءت على حساب المصلحة الوطنية العليا، وحرق اليابس والأخضر ومحاولة كتم كل أنفاس طالبي الحرية والديمقراطية.. من هذا المنطلق جاءت مبادرة جمعية الصحفيين البحرينية “صحفيون ضد الطائفية” لتضع حدا للطائفية وقطع دابرها ومن ثم دفنها من دون رجعة.. بحسب ما تحارب الطائفيين والمذهبيين، ومناهضتهم بشدة، والحيلولة دون استمرار نهجهم الظلامي سواء من خلال اقلامهم وخطاباتهم الطائفية او عبر جمعياتهم ومؤسساتهم ومنابرهم الدينية والمذهبية على حد سواء.
صحيفة اخبار الخليج
23 مايو 2008