سمعت عن توجان الفيصل، المرأة السياسية المناضلة التي كانت أول امرأة تنجح في الانتخابات النيابية الأردنية، وكانت المرأة الوحيدة التي تعمل بين الرجال آنذاك. على الرغم من أن الذاكرة لا يمكن أن تغفل عن امرأة عظيمة مثلها، إلا أن ما أتى بها هذا اليوم في مقالي هي الفرصة التي جمعتني بعدد من النساء الأردنيات الناشطات في مجال حقوق المرأة والمهتمات بالشأن العام، ومن بينهن النائبة إنصاف الخوالدة، تلك السيدة التي تملك أيضا قصة عظيمة تجعل كل من يسمعها لا يملك سوى احترام وتقدير هذه التجربة، والتي روتها في لقاء جمعني بها موضحة التحولات الاجتماعية والفكرية داخل المجتمع الأردني، والذي كان من المستحيل أن يقبل وجود «امرأة» تحت قبة البرلمان، خصوصاً من قبل التكتلات القبلية والعشائرية، والتي هي الجزء الأساس لدعم المرشحين في الحملات الانتخابية، تلك التكتلات كانت ترفض وتستنكر القيام بدعم امرأة بدلا من الرجل، إلا أن نظام «الكوتا» الذي ساعد السيدة إنصاف ورفيقاتها الخمس، هو الذي أسهم في بعض التغيير الجزئي في عقلية «الذكر»، وأسهمت في تنازله لمصلحة دعم المرأة.
هذا هو الوتر الذي عزفت عليه السيدة إنصاف لتفوز بدعم قبيلتها وأبناء منطقتها بعدما بينت لهم أن وجودها لن يكون على حساب مقعد «رجل»، بل إنه وتبعاً لنظام الكوتا، فإن من مصلحتهم أن تفوز ابنتهم في الانتخابات بدل أن تفوز بها ابنة قبيلة أخرى.الذي لفتني وأرى أنه من المهم الاستفادة منه ما تحدثت عنه السيدة إنصاف حول الطريقة المثلى للتعامل مع الرجل، الذي يهاب أويخشى أن يكون وجود المرأة هو احتلال لمقعده نتيجة عدم وعيه بأن المرأة كائن مكمل للرجل، وليس كائناً غريباً جاء يلغيه.التجربة السياسية للنائبة «إنصاف»، ينبغي ألا تمر مرور الكرام، بدءاً من قرارها خوض الانتخابات البرلمانية وحتى طريقتها حين تتعامل مع الرجل، وذلك بالإيحاء له بأهميته والتحايل عليه بذكاء المرأة الخارق حتى تصل إلى غايتها.
وهنا لا يمكنني أن أنكر في هذه المسألة ذكاء المرأة وتفوقها، خصوصا في التعامل مع هذه الجزئية الحساسة، والتي بالفعل هي ما تجعل بعض الرجال يرفض وجود المرأة خوفا من أن تحتل مقعده، فتجربة السيدة الخوالدة تؤكد على أن لا مشكلة دينية إذا ما نظرنا إلى تمسك الشعب الأردني بتعاليم الدين الإسلامي، ولا مشكلة قبلية أيضا إذا ما نظرنا إلى تركيبة المجتمع الأردني الاجتماعية، ولنتأكد من قدرتنا على تشخيص مشكلة الرجل مع المرأة، وبالنظر إلى تجربة الخوالدة ورفيقاتها، فأنا على يقين بأن الإشكالية الحقيقية تكمن في خوف الرجل من المرأة، خوفه من استحواذها على مقعده، وأن تكون بديلا له، وأن يجد نفسه في المنزل، ولن يستبعد ذهنه في هذه اللحظة أن يقوم بواجبات المنزل، وطهي الطعام، وغسيل الأطباق، وتربية الأطفال.
أعتقد أن هذا المنحنى الفكري هو ما سيعصف بالرجل، ويجعله يعيش لحظات رعب وخوف، ولا ألومه بعد هذا أن يحارب المرأة بكل ما أوتي من قوة، ويظل معترضا طريقها في الوصول إلى المناصب القيادية.هذا ما جعل ذاكرتي تعود إلى توجان الفيصل، التي بقيت لدورة برلمانية كاملة وحدها بين الرجال، وبعدها لم تنجح في الدورة الانتخابية التالية، ولم تنجح معها أو بعدها أي امرأة.
ما يوحي بأن الرجل لم يكن يقبل المرأة في ذلك المقعد «الندي»، بل إن قبوله لها كان اضطرارا بعد أن أدخلت الحكومة الأردنية نظام «الكوتا» بستة مقاعد وهذا كان في العام 2003 ما جعل الشعور بالأمان يدخل إلى قلوب أربعة وخمسين سيدة، والدخول في الانتخابات بعد أول تجربة كانت في العام 1989 ترشحت فيها اثنتا عشرة امرأة لم تنجح منهن ولا حتى واحدة..!
ثم في الدورة البرلمانية التي تلتها دخلت الانتخابات ثلاث سيدات فقط ونجحت واحدة هي «توجان الفيصل»، وفي العام 1997خاضت الانتخابات سبع عشرة امرأة لم تنجح بينهن ولا واحدة، وعندما تدخلت الإرادة السياسية، صار للنساء ستة مقاعد، وأظن أن المجتمع الأردني كأي مجتمع عربي آخر سيظل بحاجة الدعم الحكومي للمرأة حتى في الدورة القادمة، فالرجل الشرقي مازالت عقليته «هشة»، فيما يخص عمل المرأة بشكل عام، وفي الجانب السياسي بشكل خاصمع هذا وذاك، ومع كل تلك التجارب النسائية الأردنية التي تجعلني أقف أمامها احتراما وتقديرا، تحضّني الذاكرة دوما على تذكر تجربة توجان الفيصل، فهي فريدة من نوعها، وأن ما حصل من حرب في وجه المرأة بعد التجربة الذكورية معها، يؤكد لي كم هي امرأة عظيمة صمدت في وقت لم تكن فيه الطريق ممهدة بل كان المشوار وعراً صعباً.
ولعلي هنا أنقل هذه التجربة لكل نساء العالم العربي، وأخص ابنة بلدي «المرأة السعودية»، التي دخلت إلى مجلس الشورى العام الماضي تحت مسمى «مستشارة»، ولا أريد أن أكون متشائمة مع بدء تجربة لم تنضج بعد، لكنني على يقين بأن هذه التجربة، على الرغم من أنها غير مرضية، ولم نر لها أي نتيجة بعد، إلا أنها ستكون كتمهيد لجلوس المرأة على مقعد مجلس الشورى، جلوسا حقيقيا لا يختص بجانب الشؤون النسائية فقط، بل تكون العضوية كاملة، لها الحق -كما لزميلها- في التطرق للأمور كافة التي تخص الوطن وأبناءه رجالاً ونساءً.
وفي تجربة المرأة الأردنية عظة وعبرة في أن الطريق لن تكون ممهدة بل محفوفة بالأشواك الجارحة والمؤلمة، ولننظر إلى أن الدعم الحكومي الذي آزر المرأة الأردنية وساعدها في الدخول إلى البرلمان، لم يأتِ إلا بعدما لمس جديتها وإصرار تجاوز الأعوام العشرة.قد أجد من يقول كيف ستدخل المرأة السعودية إلى مجلس الشورى، وهو قائم على أساس التعيين، ولا يوجد فيه انتخابات؟ في نظري أن هذا لن يكون عائقا، إن نبعت الإرادة من المرأة نفسها في مطالبة الحكومة بكل الطرق المتاحة، ولن أخلي المستشارات الست من المسؤولية، فالكرة الآن في ملعبهن وهن الأولى في الحصول على مقعد الشورى.
صحيفة أوان