لكي نصغي برهافةٍ لهواجس وتطلعات وآمال ومشاريع الشباب من الجنسين علينا أن نولي ما يكتبونه في مدوناتهم على الشبكة العنقودية، عناية كبيرة. من يفعل ذلك، ويزور هذه المدونات، ولو بين الحين والآخر، سيجد عالماً حقيقياً يضج بالحياة والتفاعل مع معضلاتها وهمومها، وسنتعرف الى مشاريعهم التي تتخطى “افتراضية” الانترنت ووهميته، لتشتبك مع الواقع في أكثر تجلياته مباشرة وتعقيداً.
أكثر من ذلك فإن هذه المدونات تكاد تكسر الصورة النمطية الراسخة في الأذهان عن كون الانترنت عالماً افتراضياً يُزيف الواقع، بالانعزال عنه وبإقامته لعالمٍ بديلٍ، على نحو ما يذهب كثير من الدراسات في علم الاتصال. عبر مدونات الشباب ومواقعهم الحوارية يغدو الانترنت وسيلة لتشكيل رأيٍ عام حول القضايا الساخنة في المجتمع، لا مجرد شاشة لتبادل الخواطر الوجدانية التي يُنفس من خلالها الشباب عما يتعرضون له من كبيتٍ مُحيط. يمكن سوق كثير من الأمثلة في هذا السياق، بينها مثل قريب منا، هو الدور الذي أدتــه مدونات الشباب من طلاب وطالبات الجامعة في دولة الكويت في الحملة الجماهيرية التي تمحورت منذ سنوات قليلة فقط حول تعديل النظام الانتخابي هناك، وإعادة رسم الدوائر الانتخابية تحت الشعار الذي عمّ الكويت يومها: “نبيها خمسة”، وهو ما تمّ بالفعل حين خُفض عدد الدوائر من خمس وعشرين دائرة إلى خمس دوائر.
يلفت المراقبون للتطورات في البلدان العربية إلى محتوى مُدونات الشباب في بلدان أخرى مثل سوريا ومصر والبحرين والسودان والأراضي الفلسطينية المحتلة، للبرهنة على درجة تفاعل الجيل الجديد مع ما يدور حوله، ولإثبات خطأ القول عن عزوف الشباب عن الشأن العام كما يعتقد البعض الذي يشكو من سلبية ولا مبالاة الشبيبة العربية. في عدد مارس الماضي من “الهلال” الذي كُرس لقضايا المرأة المصرية، مقالة كتبتها إعلامية شابة، هي لبنى عبد المجيد، عن المُدونات المصريات، مُقدمةً أمثلة لافتة مما تكتبه الشابات المصريات على مدوناتهن الالكترونية. حسب المقالة فإن النساء يشكلن أكثر من ٠٥٪ من المدونين في مصر، وقد أمدت هذه الوسيلة النساء بأداة تعبير عن أفكارهن ومشاعرهن بحرية كبيرة، كما أتاحت لهن فرصة التواصل مع بعضهن بعضاً حول ما يثير ضيقهن من أمور تتعلق بوضع المرأة ومكانتها في المجتمع.
تلك نماذج تُظهر الأشكال الجديدة للتعبير للشبان والشابات، وتُرينا أن الحياة تدب في مسارات أخرى غير مألوفة وغير مطروقة بالنسبة لأبناء الأجيال الأكبر. ولأن التعميم عادة منبوذة، فعلينا الإشارة إلى أن التحولات السلبية في المجتمعات العربية تلقي بظلالها الثقيلة أيضاً على ما يُنشر في بعض المدونات وفي المنتديات الالكترونية، حيث نجد بعضها يتحول إلى وسيلة لترويج النزعات الطائفية أو التكفيرية والظلامية، ولكن هذا لا يجب أن يحجب أبصارنا عن رؤية العالم الآخر الذي يضج بالحياة في مدونات شبابية أخرى، جديرة بالمعاينة والدراسة.
صحيفة الايام
22 مايو 2008