تحتفل الطبقة العاملة العالمية بعد أيام قليلة بعيدها السنوي المجيد، عيد العمال العالمي، وذلك في الأول من مايو، ايار وهو العيد الذي انتزعته هذه الطبقة بفضل نضالاتها وتضحياتها الهائلة والجسيمة على امتداد عقود طويلة، وعلى الاخص منذ اضرابات واحداث شيكاغو التي جرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولقد جاء هذا المكسب العمالي العالمي كنوع من التكريم لهذه الطبقة التي لعبت ومازالت تلعب دوراً محورياً مهماً في الانتاج والتي عانت ايضاً ومازالت تعاني شتى صنوف الظلم والاستعباد حتى على الرغم مما حققته من حقوق ومكاسب كبيرة، ولاسيما الطبقة العاملة في بلدان العالم الثالث بوجه عام وفي البلدان الشمولية والدكتاتورية بوجه خاص حيث يتعاظم فيها ظلم وقهر هذه الطبقة.
واذا كان العالم قد شهد مع مطلع العقد الاخير من القرن الماضي هبوب موجة من التحولات الفكرية والسياسية العالمية المطالبة بنبذ الأنظمة الشمولية بمختلف تلاوين ايديولوجياتها اليسارية واليمينية وذلك بعد انهيار المنظومة الاشتراكية فإن شعارات الطبقة العاملة العالمية السياسية السابقة في زمن تلك المنظومة لم يعد العديد منها صالحا اليوم بل بحاجة الى مراجعة سياسية وتجديد ونعني بها الشعارات التي تطرح قضية اقامة او بناء انظمة اشتراكية كهدف استراتيجي آني باعتبارها السبيل الوحيد لتخليص الطبقة العاملة من الاستغلال، او شعارات التحالف على طول الخط مع أنظمة يسارية لمجرد انها ترفع شعارات اشتراكية وتتبنى سياسة معادية متشددة ضد الولايات المتحدة في حين ان طابع ومحتوى هذه الانظمة مازال شمولياً، فمثل هذه الانظمة على قلتها تضر بنفسها قبل اضرارها بشعبها وهي مهددة بالزوال آجلاً ام عاجلاً. وبالتالي فإن الطبقة العاملة العالمية هي اليوم بحاجة الى تبني سياسة الدفاع عن الديمقراطية والمطالبة ببنائها كشعار استراتيجي في كل البلدان، او المطالبة بتعميق محتواها ان تكن قائمة. وقد اثبتت التجارب التاريخية على نحو قاطع ان حقوق وأوضاع الطبقة العاملة في ظل الانظمة الديمقراطية، على اختلاف تفاوت عمقها، تظل الاكثر ضماناً على المدى البعيد من الانظمة الاشتراكية الشمولية حتى على الرغم مما تعانيه الطبقة العاملة من استغلال بشع في ظل تلك الانظمة الديمقراطية الرأسمالية، وان طريق الوصول الى الاشتراكية لا يمكن ان يتحقق بالقفزات او الانقلابات العسكرية حتى لو تحققت نجاحات هنا ونجاحات هناك بهذه الوسائل، فهي في النهاية تظل مجرد نجاحات مؤقتة وباهظة التكاليف، بل يتحقق ذلك من خلال النضال السلمي الصبور والعنيد في ظل الانظمة الديمقراطية، او من اجل تحقيقها واتخاذها وسيلة للوصول إلى الاشتراكية في اطار نظام سياسي دستوري تعددي دائم وليس تكتيكياً للارتداد عليه. وتحتفل الطبقة العاملة العالمية بعيدها السنوي ليس فقط من اجل التمتع بالاجازة واقامة الحفلات وتبادل التهنئة، بل من اجل التذكير بما حققته من انجازات مضت واسباب نجاحها في انتزاع هذه المكتسبات، جنباً الى جنب مع ابداء تصميمها على مطالبها الآنية الملحة التي لم تتحقق بعد او الظروف النقابية والمعيشية الطارئة الجديدة التي تعانيها. ويمكن القول ان عيد العمال العالمي هذا العام هو اكثر الأعياد تميزاً في شعاراته وفعالياته المختلفة وفي حجم المشاركين فيها منذ عقود طويلة كما هو مرجح، وذلك بالنظر الى الظروف المعيشية غير المسبوقة التي تعيش في ظلها شرائح واسعة من الطبقة العاملة العالمية في كل البلدان ولاسيما ببلدان العالم الثالث وذلك بعد ما شهدته هذه البلدان ومنها بلداننا العربية والخليجية من موجات متعاقبة متسارعة في ارتفاع الاسعار منذ عيد العام الماضي وثبات اجور العمال المتدنية على حالها. هذا بالاضافة الى تحديات مختلفة تواجه الطبقة العاملة في هذه البلدان نقابياً وسياسياً وبيئة عمل ستكون جميعها بكل تأكيد ضمن شعارات وفعاليات عيد اول مايو القادم الوشيك. لقد كان اكبر المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة البحرينية خلال السنوات القليلة الماضية اقرار اول مايو كعيد رسمي واجازة للقطاعين العام والخاص، واقرار كذلك حق التنظيم النقابي، وما كان هذان المكسبان ان يتحققا لولا نضالات وصمود وتضحيات هذه الطبقة وقياداتها النقابية على امتداد نحو نصف قرن، ولولا ايضاً حنكة وبعد نظر قائد البلاد جلالة الملك وتعاون قائد الحكومة سمو رئيس الوزراء معه.
صحيفة اخبار الخليج
28 ابريل 2008