المنشور

وحدة التيار الديمقراطي.. تداعياتها وحقائقها.. إلى أين؟

إن الدعوة التي جاءت من بعض أعضاء اللجنة المركزية بجمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” والتي يطالبون فيها الأمين العام للجنة المركزية إبراهيم شريف بـ “فك التحالف مع جمعيات تيار الإسلام السياسي وخاصة منها الجمعيات الدينية غير المرخصة” هي دعوة جاءت تداعياتها وحقائقها لتصيب كبد الحقيقة. ولعل ما يؤكد مصداقية هذه الدعوة هو تأكيد أصحابها التقدميين المستنيرين بمناداتهم تعزيز التحالف مع التيار الديمقراطي، وخاصة “جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي”.. ولكن بعض القيادات في اللجنة المركزية لجمعية “وعد” لم يتفاعلوا مع تلك الدعوة الوطنية النبيلة بالشكل المطلوب، ولم يتجاوبوا مع مفاهيمها بالأسلوب المنشود..
بقدر ما أعلنوا بالمقابل “تأييدهم لجميع المواقف التي اتخذها المكتب السياسي وأمينه العام” بادئ ذي بدء نستطيع القول: إن تلك الانتقادات الإيجابية البناءة لمواقف أمين عام جمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” التي جاءت “اليوم” من داخل الجمعية ومن صميم مركزيتها، هي انتقادات عكست حرص أصحابها على وحدة التيار الوطني الديمقراطي، خلال تنظيم اللقاءات وتشكيل التكتلات ما بين الجمعيات الديمقراطية والمستنيرة، بقدر ما هي دعوة وطنية جاءت امتدادا لدعوة جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي بالأمس، وكذلك دعوة الائتلاف الديمقراطي، وما تمخض عن هاتين الدعوتين بهدفهما الأساسي، وهو توحيد صفوف التيار التقدمي ما بين جمعيتي “المنبر الديمقراطي والعمل الوطني”.. إذ إنه في ضوء تلك الدعوات المستمرة فانه فعلا تم اللقاء في بداية يناير عام 2007م ما بين الجمعيتين الذي فرضته حتمية النضالات الوطنية والتاريخية والمبدئية لجبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية طوال عقود من الزمان، وبما أملته الضرورة المجتمعية والشعبية في وقتنا الراهن، وفي أي وقت بل كل الأوقات، وما يترتب على حقائقها برفع لواء مطالب الشعب والذود عن أهدافه وطموحاته وحرياته.
ولعل من الضرورة بمكان القول: كيف أن “المنبر الديمقراطي التقدمي” بذل عظيم مجهوداته الحثيثة ومصداقية مساعيه الوطنية منذ بدايات الإصلاحات العامة عام 2001م، من أجل تشكيل تكتل وطني سياسي ما بين جمعيتي “المنبر الديمقراطي والعمل الوطني” وذلك لما يجمعهما في البوتقة ذاتها، من النهج والفكر والمبدأ والتاريخ والإرث النضالي المشترك.. ولكن تلك المساعي والجهود ما لبثت ان ذهبت هباء أدراج الرياح.. بسبب تحفظ بعض قيادات جمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” على هذا المشروع الوطني: مشروع “التكتل السياسي والفكري” ما بين الجمعيتين.. وانجرار جمعية العمل الوطني بالمقابل وراء تيار الإسلام السياسي، المتمثل في “جمعية الوفاق وجمعية العمل الإسلامي” ضمن التحالف الرباعي.. وبعدهما مؤخرا حركة “حق” التي هي بدورها أي (الجمعيات الإسلامية) قد همشت دور “جمعية العمل الوطني”.. وأوصلتها بالتالي إلى درجة “التابع للمتبوع” وجعلتها المنفذ “المأمور للآمر”.
ويكفي استدلالا استحواذ “جمعية الوفاق الإسلامي” بمواقفها والاستفراد بقراراتها حينما استبدت بالدوائر الانتخابية البرلمانية الأخيرة.. ومن ثم جاءت النتائج الخالصة باستثناء حليفها الاستراتيجي “جمعية العمل الوطني” التي هي بدورها وبدلا من امتعاضها فانها استمرأت تلك الأجندة الدينية لخطاب “جمعية الوفاق” المتمثلة هذه الأجندة في المفارقة الدينية الميتافيزيقية، والمبررات الشرعية والنص والحاكمية والمرجعيات الدينية.. حيث انه بقدر ما اقتربت جمعية العمل الوطني من جمعية الوفاق وحركة حق.. فإنها ابتعدت عن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي. في ضوء هذا الواقع الموجع، فان حقائقه وتداعياته قد أوصلت العديد من القيادات والأعضاء لدى جمعية العمل الوطني الى شيء من القنوط والاستياء، مما دفع بهؤلاء الحريصين على وحدة صفوف التيار الديمقراطي.. الغيارى على التراث النضالي والوطني والمبدئي المشترك ما بين “جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية” إلى أن يطالبوا الأمين العام والمكتب السياسي لجمعية العمل الوطني بـ “فك التحالف مع التيارات الإسلامية في مقابل تعزيز التحالف مع التيار الديمقراطي”.
إنه من الأهمية بمكان القول: إن قوى تيار الانتماءات الوطنية الديمقراطية لا يمكنها النزول إلى مختلف قطاعات وفئات وطبقات الشعب ومحاولة الالتصاق بمعاناتها والتجاوب مع أهدافها، ما لم توحد هذه القوى التقدمية المتمثلة في “المنبر الديمقراطي والعمل الوطني” صفوفها ضمن تكتل سياسي يحمل الحد الأدنى من التفاهم الفكري والمبدئي. كما أنه من الصعوبة بمكان إقامة هذه القوى الديمقراطية التحالفات ضمن القواسم الوطنية المشتركة مع مختلف تلاوين التيارات الأخرى، وهي تعاني التشظي وتشكو من التشرذم.
ويبقى القول صحيحا: إن القوى الوطنية التقدمية، ستترك الساحة الانتخابية والبلدية القادمة والمتعاقبة إلى من هب ودب، ما لم تعد قيادات جمعية العمل الوطني، حساباتها.. وما لم تتجاوب مع مصداقية دعوات العديد من قياداتها، من أجل الاقتراب من المنبر الديمقراطي التقدمي وإقامة التكتل السياسي ما بين الجمعيتين، من أجل تفويت الفرصة على قوى تيار الإسلام السياسي التي تحاول جاهدة ومستميتة تشكيل وبروز برلمان إسلامي أو برلمان موال يخدم أجندة خطابها الديني، بقدر ما يتناقض وطموحات الشعب وأهداف الناخبين.. ولكن بوحدة “المنبر الديمقراطي والعمل الوطني” ضمن برنامج متكامل “سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا” فانه سيتمخض عن هذه الوحدة وجود برلمان في دائرة الضوء وحيز الواقع والوجود تنسجم حقائقه ومفاهيمه في بوتقة أماني وأهداف المجتمع، بقدر ما يلاقي استحسان ورضا ودعم وتأييد الناخبين.. وبحسب ما يظل شموخ هذا البرلمان، بحجم جسامة تضحيات ونضالات القوى التقدمية طوال العقود السابقة والراهنة على حد سواء.
 
صحيفة اخبار الخليج
25 ابريل 2008