المنشور

التجربة البرلمانية ‮ ‬في‮ ‬الكويت‮.. ‬مسألة تقدير

أثناء استضافتي‮ ‬بدولة الكويت للمشاركة في‮ ‬فعاليات مهرجانها المسرحي‮ ‬العاشر،‮ ‬تسنى لي‮ ‬المتابعة لبعض مشاهد ووقائع‮ (‬الحراك‮) ‬الانتخابي ‬للبرلمان القادم وذلك من خلال بعض الأصدقاء الكويتيين الناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬هناك،‮ ‬فبالرغم من الفترة الانتخابية‮ (المضغوطة) ‬جداً،‮ ‬إلا أن التجربة والخبرة المتواصلة والممتدة بعمر مجلس الأمة الكويتي‮ ‬في‮ ‬مجال الإعداد للانتخابات ووضع المجهر المناسب على المرشح المناسب للمقعد المناسب في‮ ‬مجلس الأمة،‮ ‬أكسبتا الشعب الكويتي‮ ‬والناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬التنويرية قدرة هائلة وغريبة على التكيف مع هذه الفترة المضغوطة والضاغطة على الأعصاب والطاقة،‮ ‬فخلال الفترة التي‮ ‬قضيتها هناك لاحظت اهتماماً ‬كبيراً ‬بضرورة اختيار المرشح المتنور والذي‮ ‬يستوعب ويفهم القوانين وبنود الدستور الكويتي‮ ‬ويسعى إلى جعل البرلمان رمزاً ‬للديمقراطية والتعددية المدنية الفاعلة،‮ ‬لا التعددية الطائفية الهدامة،‮ ‬كما لاحظت أيضاً‮ ‬انصرافاً‮ ‬غير عادي‮ ‬لتقدير الأمور وتقييم نوعية المرشحين والمرشحات للبرلمان وما إذا كانوا‮ ‬يتملكون القدرة على تلبية مطالب الشعب الأساسية والملحة أم أن نفسهم الوطني‮ ‬والمطاليبي‮ ‬قصير ولا‮ ‬يمكن لرئته تحمل الغوص في‮ ‬المياه العميقة‮.‬
لاحظت أيضاً‮ ‬إعادة نظر بعض الناشطين المنبريين الديمقراطيين وبعض الناشطين في‮ ‬التحالف،‮ ‬إعادة النظر في‮ ‬إستراتيجية العمل الانتخابي‮ ‬وفي‮ ‬آليات التعاطي‮ ‬مع هموم الشارع الكويتي،‮ ‬والبحث عن سبل أكثر قدرة ومرونة وشفافية على تشكيل وتحقيق برلمان‮ ‬يستوعبه الشعب الكويتي‮ ‬برمته لا طائفة من طوائفه،‮ ‬أو فئة من فئاته،‮ ‬وهذا هو الهدف الأساسي‮ ‬الذي‮ ‬يسعى إلى تحقيقه هؤلاء الناشطون‮.‬
الاستماتة من أجل كويت الوطن،‮ ‬كان شعار الناشطين التنويريين والذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتبناه ويفعله المرشح للبرلمان،‮ ‬لذا لاحظت حواراً‮ ‬بين هؤلاء الأصدقاء وبين رموزهم وفي‮ ‬الديوانيات والمقاهي‮ ‬وفي‮ ‬قاعة مهرجان المسرح لا تنقصه شفافية،‮ ‬خاصة فيما‮ ‬يتعلق بتقدير الأمور،‮ ‬على خلاف جماعات‮ ‘‬الإسلامويين‮’ ‬الذين‮ ‬يحسمون أمور ترشيحهم بالنوايا وبالتفكير في‮ ‬كيفية النيل من ذوي‮ ‬الاتجاهات التنويرية والسعي‮ ‬إلى جعل البرلمان صوتاً‮ ‬واحداً‮ ‬يمثلهم،‮ ‬حتى وإن كان هدف هذا الصوت وأد البرلمان نفسه،‮ ‬ولنا أسوة بتجربة النواب الذين استغلوا البرلمان من أجل تمرير مآربهم وشق الصف الوطني‮ ‬في‮ ‬الكويت وتغليب بعض القضايا الخارجة عن هم الوطن على هم الوطن نفسه،‮ ‬الأول والأولى،‮ ‬والذي‮ ‬بالأحرى بهم أن‮ ‬يتمسكوا به باعتباره أحد دوافع ومحفزات ومسببات نضوج اللحمة الوطنية في‮ ‬المجتمع الكويتي‮. ‬
لنا إذن أن نستفيد من التجربة الكويتية التي‮ ‬أسهمت في‮ ‬توجيه الشارع الكويتي‮ ‬نحو الوطن أولاً،‮ ‬ودعته لأن‮ ‬يعيد النظر فيمن انتخبهم ورشحهم وكانوا وبالاً‮ ‬عليه وعلى وطنه،‮ ‬خاصة إثر التصعيدات الأخيرة التي‮ ‬جعلت السلطة التنفيذية مجبرة في‮ ‬اتخاذ قرار حل المجلس،‮ ‬والذي‮ ‬جعل كثيراً‮ ‬من الناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬ينظر إلى بعض القرارات التي‮ ‬تتخذها الحكومة على أنها أكثر مرونة واستيعاباً‮ ‬من شارع المعارضة النيابية و(المؤسساتية‮) ‬في‮ ‬الكويت‮.‬
النشطاء والشارع في‮ ‬الكويت مقبلون على تجربة برلمانية جديدة،‮ ‬بالرغم من‮ (‬طشار‮) ‬العبث الذي‮ ‬يطال هذه الديوانية أو هذه الجمعية أو تلك المؤسسة،‮ ‬تجربة هي‮ ‬فعلاً‮ ‬أشبه بالعرس الوطني،‮ ‬خاصة وأن القوى الوطنية مقبلة أيضاً‮ ‬على توازن أكثر من ما مضى،‮ ‬الأمر الذي‮ -‬إذا تحقق هذا التوازن‮- ‬سيساعد بلا شك على تقليص نسبة وإن كانت ضئيلة من المتشددين للتيارات‮ ‘‬الإسلاموية‮’ ‬المتطرفة في‮ ‬البلدان المجاورة،‮ ‬جعلها الله دعوة مستجابة وشد من أزر وعضد من سعى إلى الإسهام في‮ ‬تحقيق هذه النسبة في‮ ‬القريب العاجل،‮ ‬في‮ ‬برلماننا أو في‮ ‬برلمان عربي‮ ‬آخر‮. ‬
تقدير الأمور وتقليب الأوراق ومراجعة التجربة ومحاور المرشح ووضعه أمام مسؤولية أن البرلمان‮ ‬يعني‮ ‬سلطة الشعب،‮ ‬هي‮ ‬أمور مهمة،‮ ‬لأنها تتصل بالعقل والوعي‮ ‬وليس بشيء أو أمر آخر،‮ ‬وما أحوجنا إلى هذا العقل الذي‮ ‬مارست عليه جماعات الضغط‮ ‘‬الإسلاموي‮’ ‬شتى صنوف القهر حتى قادت أمره على معاقل التيه والتخلف والجهل‮.‬

صحيفة الوطن
23 ابريل 2008