دهشتنا اليوم أمام الانترنت وثورة المعلومات تذكر بدهشة أسلافنا أمام الثورة الصناعية والتقدم الذي فاجأهم في الغرب. ولكن الفارق الجوهري هو أن الصدمة الحضارية أصابت أفراداً أتيح لهم السفر إلى أوروبا كما هي حال الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي سافر ضمن أول بعثة مصرية للتعلم في فرنسا فهاله ما رأى، وعقد العزم أن يكرس ما بقي من حياته في سبيل أن يتحقق لمصر وللعرب ما تحقق لسواهم. لكن ثورة المعلومات والاتصالات لا تنتظر أن نذهب إليها وإنما تجيء هي نفسها إلينا، وهي تطالنا كجماعات لا كأفراد فقط، وتدخل في تفاصيل حياتنا، وتستحوذ على أبنائنا قبل أن تستحوذ علينا، وهي، شئنا أم أبينا، تُكيّف حياتنا وأوقاتنا وسلوكنا وفق مقتضياتها. إن ثورة التكنولوجيا والاتصال توفر مجالاً أوسع لنشر المعرفة والمعلومات، وتتيح للفرد كما للمجتمع عامة فرصاً واسعة للاختيار، مما يطرح على أجهزة الإعلام الوطنية مهمات مزدوجة الطابع، فهي إذ تبدو مطالبة بالتجويد المستمر لما تقدمه لمشاهدها المحلي في أطباقٍ جذابة؛ فإنها معنية كذلك بتأكيد مصداقيتها أمام هذه المشاهد. لكن دراسة قديمة بعض الشيء لمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية تقدم رقماً مخيباً للآمال، حين تؤكد أن ٥٧٪ من أفراد مجموعة أجريت عليها الدراسة، قالوا إنهم إذا أرادوا معرفة الأخبار فإنهم يذهبون إلى الشبكات العالمية، حتى لو كان الحدث وقع في بلدهم. دلالة ذلك سلبية، خاصة حين نعلم أن ثقافة المجتمع ما بعد الصناعي، أو مجتمع ما بعد الحداثة “الغربي” تتقدم إلى العالم عبر الصورة الخاطفة، وهي حين تبث عبر الفضاء، الذي أصبح مفتوحاً ومن دون رجعة، إلى بلداننا النامية حيث ما زالت الحداثة نفسها تتعثر، فإنها تتجنب تقديم الواقع نفسه، وتقدم رديفه المفبرك، أي الصورة. لذ؛ فالذي نشاهده على هذه الشاشات ليست الحروب الحقيقية التي نلمس بعد حين مرارة نتائجها، وإنما هي صور للتسلية، نتلقاها ونحن في كامل استرخائنا على مقاعد غرف الجلوس، أو حتى على أسرة النوم. ولا غرابة أن يصدر في الغرب بعد حرب الخليج عام ١٩٩١ مباشرة كتاب يحمل العنوان المثير “حرب الخليج لم تقع” في إشارة إلى زيف ما قدمه الإعلام، الذي كان يعلن ولادة نظام جديد يتقدم بالصورة، لا بالمدفع وحده.
صحيفة الايام
23 ابريل 2008