التعامل مع الوزارت الحكومية، كلها بلا استثناء، هم ثقيل يتهيب منه المواطن ويمقته. ربما لأنه يعي سلفاً أن أصغر معاملة حكومية ستكلفه يومه بأكمله – هذا في حال ما دعت له أمه صباحاً – أما إن لم تفعل “وقلة من أمهات هذا الزمن يفعلون” فقد تمضي أيام قبل أن تنجز معاملته وقد تـُعرقل بل وقد تضيع ملياً بين الأدراج المغبرة..!!
إذ إن الدوائر الحكومية لا تعاني من البيروقراطية وغياب التنظيم وثقافة العمل فحسب؛ بل وتعاني أيضاً من هيمنة المحاباة وتفشي الرشاوى وشيوع الابتزاز بشكله التقليدي “تعطيل المعاملة لحين الحصول على مبلغ نقدي” أو شكلة المضمر المتمثل في تسهيل المعاملات مقابل خدمات أو تسهيلات متبادلة..
هذا وقد فطن نفر من الموظفين العموميين – الكبار منهم والصغار – الكيفيات التي تمكنهم من الاستفادة من عامل الأولوية ومن هذا الوضع المرتبك.. فصار المهندسون المسؤولون عن التراخيص يعملون تحت مظلة مكتب هندسي.. وموظفو الجوازات يعملون في التخليص، والموثقون يعملون في الدلالة.. ومسؤولون بارزون في القطاع الرياضي يملكون وكالات “تمويل” معدات وألبسة رياضية.. وغيرها من صور تضارب المصالح التي تزكم رائحة فسادها الأنوف؛ ولدينا إن شئتم المزيد!!
وإن كنا سنرجئ هذه الظاهرة لسبب فسيكون التالي: تحلل الوزارت – التام والكامل- من أية التزامات متعلقة بالوقت.. فالمعاملة قد تستغرق يوماً وقد تستغرق ٧ أشهر.. مدّ الخدمة الكهربائية قد يستغرق أسبوعاً وقد يستغرق سنة ونصف السنة.. تخطيط الأراضي الخام قد يستغرق شهرين أو عامين.. استخراج شهادة المسح اللازمة للبناء قد تستغرق ٣ أسابيع أو ٣ أشهر وقد تصل لستة..
إن كان أمر كهذا يضر المواطن العادي مرة فهو يضر المستثمر مرات؛ وهو ما يعيه جيداً ضعاف النفوس الذين يتعمدون تعطيل معاملات الشركات طمعاً في عوائد لتسهيلها.. ولو كانت الحكومة جادة في تقويض المرتشين وغل أيديهم عن الناس فكل ما عليها فعله هو خلق نظام يُمهل الموظف أجلاً واضحاً لإنهاء المعاملات بحيث يكون ملزماً – بإنقضاء هذا الأجل – بتبرير تأخر المعاملة والسبب وراء تعرقل إنجازها..
الى ذلك فنحن لا ندعي أن الفساد هو المرض الوحيد الذي ينخر في عظم فعالية الوزارات.. فهناك التسيب وهدر الوقت الذي لا تجد له سمياً في القطاع الخاص.. فالصلاة التي ينهيها الموظف في بيته في دقيقتين تستغرق نصف ساعة على الأقل في الوزارت.. بل إن بعضهم “يصر” على الخروج من دوامه والصلاة في المسجد!! وإن حسبنا مايضيعه في ارتشاف الشاي وتحية نصف موظفي الوزارة وغيرها فسنجد – واقعاً – أن الموظف يبدد من الوقت أكثر مما ينتج.. ومن يفعل غير ذلك بإيعاز من ضميره يوصم في الوزارات بالسذاجة.. لأن الكل يعلم أن من “يعزي ومن لا يعزي سيأكل من عيش الحسين” فالترقيات تطال الموظف بناء على تراكم سنوات خدمته لا بناء على عطائه وتفانيه.. وهو المقياس العقيم الذي تطبقه الحكومة والذي نلومه على كثير من اخفاقاتها وجمودها.
وبين غياب الرادع وغياب المحفز لابد لسير العمل أن يختل.. ولكم أن ترصدوا اتساع الهوة بين مهنية القطاعين الخاص والعام لتقفوا على سبب ازدهار الأول وتراجع الثاني..
صحيفة الايام
22 ابريل 2008