في يونيو/ حزيران 2007 عقد في البحرين مؤتمر بعنوان «الإعلام في عالم متغير.. بين رؤيتي الخليج والناتو». بعدها تكثف النشاط الإعلامي في منطقة الخليج. في 24 يناير/ كانون الثاني ألقى أمين عام الناتو في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية محاضرة عن «مبادرة إسطنبول للتعاون». وفي 28 يناير/ كانون الثاني عقد في الدوحة مؤتمر عن «دور الناتو في ضمان الاستقرار والسلم». كما نظمت زيارات لإعلاميين خليجيين إلى مقر قيادة حلف الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل.
والآن وعلى إثر انتهاء مؤتمر الناتو الذي عقد في الأسبوع الأول من هذا الشهر سيعقد في 26 و27 أبريل/ نيسان الجاري في المنامة مؤتمر يضم 26 سفيراً من حلف الناتو، إضافة إلى أمينه العام ياب دي هوب شيفر وعدد كبير من المسؤولين من دول مبادرة إسطنبول للتعاون. وستكون الموضوعات أكثر تحديداً هذه المرة: الأوضاع في منطقة الخليج والتهديدات المحتملة والوضع المتدهور في أفغانستان، وتعاون الناتو ودول الخليج بشأن هذه القضايا.
هل أدى النشاط الإعلامي البريء دوره لتدخل أعلام الناتو وتركز بشكل رسمي في منطقة الخليج؟
خلق الناتو قبل قرابة ستين عاماً في منطقة ولأهداف لا تتعلق بمنطقة الخليج. منظمة معاهدة شمال الأطلسي (الناتو)، أو: (North Atlantic Treaty Organization – NATO) نشأت كاتحاد سياسي عسكري في مواجهة الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية بمبادرة أميركية استناداً إلى معاهدة شمال الأطلسي التي وقعت في 4 أبريل/ نيسان 1949 في واشنطن. بعد تفكك حلف معاهدة وارسو وانهيار الاتحاد السوفييتي لم يتغير دور الناتو بشكل جوهري. وبعد انتهاء «الحرب الباردة» ظل الناتو مستمراً في التوسع. وقبيل حرب الناتو على يوغسلافيا العام 1999 جرى توسع الحلقة في أوروبا الشرقية.
بعدها لم يتجه الناتو إلى توسيع عضويته فقط، بل ووظائفه و«صلاحياته» أيضاً. وقد اتخذ نموذجه النهائي بالتحول إلى قوة عسكرية كونية، وغدت مهمته ضمان «أمن الطاقة» بالنسبة إلى أعضائه. وهذا يعني عسكرة جميع المناطق التي تشكل موارد الطاقة العالمية وكذلك طرق الإمدادات وممرات النقل البحري لناقلات النفط والمياه المحايدة. وهنا بيت القصيد في اهتمام الناتو المتزايد بالخليج.
الإعلان عن التواجد الرسمي للناتو بدأ مع إعلان «معاهدة الأمن» بين الكويت والناتو أثناء انعقاد مؤتمر الناتو – مجلس التعاون الخليجي في الفترة 11 – 12 ديسمبر/ كانون الأول .2006 وعلى إثر ذلك بدأ الناتو التحرك على اتفاقيات مماثلة وبشكل منفرد مع كل من قطر والإمارات والبحرين (ستوقع بعد مؤتمر البحرين). وتستحث قيادة الناتو السعودية وعمان لتحذو حذو شقيقاتهما. وكما أشار موقع «غلوبل ريسيرتش» الكندي، يهدف هذا التحرك إلى ضمان وجود رسمي في منطقة الخليج وإبرام معاهدة أمنية جديدة موجهة ضد إيران، وليشكل هذا التحالف جزءاً من التحالف الأوسع في منطقة الشرق الأوسط المرتبط بالناتو. وفي هذه الاستراتيجية تشكل تركيا وإسرائيل طليعة الناتو في هذه المنطقة[1]. كحليفة للولايات المتحدة، دخلت قوات دول الناتو المنطقة للمرة الأولى في حرب أفغانستان تحت تبرير «الحرب العالمية على الإرهاب»، ثم في الحرب على العراق العام .2003 أما الآن فاليافطة الرئيسة هي حماية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ضد أخطار الصواريخ البالستية الإيرانية. حيث شكل «درء المخاطر المشتركة» عنوان مؤتمر الناتو – دول التعاون الماضي. وقد سبقت هذا المؤتمر تدريبات عسكرية مشتركة بين بلدان «التعاون» وأميركا، بريطانيا، فرنسا وأستراليا في منطقة الخليج. التحول الخليجي من الاعتماد المباشر على الولايات وبريطانيا فقط أعطى دلالة واضحة على أن التعاون بين فرعي الناتو العسكري: التحالف الفرانكو- ألماني والتحالف الأنجلو- أميركي قد بدأ إطلاقه قبل مؤتمر الناتو التاريخي الذي عقد في العاصمة اللاتفية ريجا العام .22006 وبذلك، فإن الاتفاقات بين «م.ت.خ» والناتو تؤشر بوضوح على أنه أصبح من الممكن موضوعياً الحديث عن اقتسام منطقة الخليج بين جناحي الأطلسي الفرانكو-ألماني والأنجلو- أميركي[3]. ويعلمنا التاريخ أنه عندما تطرح مسألة اقتسام مناطق النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى على الطاولة، فإن رائحة الحرب تبدأ في الفوحان. وهذا بالضبط ما نشهده الآن في رقصة الحرب على إيران. هذا، بالطبع، يبدد ما يعدنا به الناتو من حياة أفضل بعد دخوله الجديد إلى الخليج. ولدى شعوب الخليج كل العبر من دخوله السابق في حرب «عاصفة الصحراء» والحرب على العراق، والذي لم يجلب سوى الويلات. ولكي لا ننسى نعيد إلى الأذهان معلومات من تقرير نشر على موقع وزارة الدفاع الروسية يبين أن «عاصفة الصحراء» شكلت أسطع مثال على الكوارث البيئية التي تخلفها الحروب، عدا زهق الأرواح وتشويه البشر. أثناءها حقق طيران الناتو 110 آلاف طلعة جوية ألقت 5,88 ألف طن من القنابل. وسددت الصواريخ «الذكية» ضربات كثيرة إلى أهداف عراقية نفطية وكيماوية وبيولوجية. ونتيجة تسرب النفط الخام من المخازن المصابة، غطت بحيرة من النفط 10 آلاف كلم مربع من أراضي الكويت، وتشكلت في مياه الخليج بقعة نفطية غطت مساحة 140 X 140 كلم. وقد هدد الوضع معامل تحلية المياه في السعودية. وبعد أن تدفق إلى مياه الخليج ما مقداره 11 مليون برميل من النفط اتفق علماء البيئة من مختلف البلدان على أن الخليج قد نكب بمأساة بيئية يصعب التنبؤ بآثارها على المنطقة. وتعرضت شواطئ شمال مدينة «الجبيل» السعودية إلى أخطار بيئية دمرت الحياة النباتية والأحياء البحرية والبرية والموسمية. وبدورها عندما انسحبت القوات العراقية من الكويت فجرت غالبية آبار النفط الـ ,1250 واستمرت الحرائق في 700 منها لستة أشهر مسممة الوسط المحيط بالغازات ورذاذ الكربون. ولفظ في الغلاف الجوي قرابة 70 مليون متر مكعب من الغازات التي احتوت على 50 ألف طن من ديوكسين الكبريت (المكون الرئيس للأمطار الحمضية)، وما يصل إلى 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون[4].
هذا غيض من فيض الحقائق العلمية التي أوردها التقرير ويقشعر لها بدن القارئ. فهل نحن على موعد بما يشبه ذلك أو يزيد نتيجة إعادة اقتسام كبار العالم لأغنى منطقة بموارد الطاقة في العالم؟
صحيفة الوقت
21 ابريل 2008