سُئل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في جلسة خاصة لماذا كان مصمماً ونفذّ ما كان صمم عليه وهو شن الحرب على العراق واستهداف صدام حسين شخصياً؟
فأجاب قائلاً: ‘لأن الرجل حاول اغتيال والدي’ (الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب بعد حرب تحرير الكويت وزيارته لها).
هذه الواقعة يوردها اليوم أحد الأفلام السينمائية الأمريكية التي تدور حول شخصية الرئيس جورج دبليو بوش والتي قدمها الفيلم باعتبارها شخصية انتقلت من النقيض المتطرف وهو الإدمان على الكحول إلى النقيض المتطرف الآخر وهو الغلواء الكهنوتي الذي يقترب من الوساوس التي تزين لأصحابها ما ليس لهم فيه ولا طاقة لهم عليه.
كنا قبل عدة أشهر كتبنا حول فرص اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ورجحنا يومها عدم توفر مثل هذه الإمكانية لأسباب عدة أوردناها حينها ومنها صعوبة فتح جبهة حرب أمريكية ثالثة مع اتضاح تورط الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وكلفتهما البشرية والمالية الباهظة، واعتماد واشنطن سياسة حافة الهاوية والتلويح بالعصا الغليظة وبأكثر الصور ترهيباً لخدمة سياسة الجزرة التي فوضت حلفاؤها الأوروبيون لإدارة دفتها مع الإيرانيين.
أيضاً أشرنا في ذلك المقال الذي نشر هنا بتاريخ 9 نوفمبر 2008 بأن شن الحرب هو عمل استراتيجي هائل يحتاج إلى تحضيرات هائلة، سياسية ونفسية وإعلامية قد لا تكون كافية زمنياً للإدارة الأمريكية الحالية التي ستنتهي ولايتها في نوفمبر المقبل، لاستيعاب أي تغيير وقائي ودرامي في القيادة الإيرانية، بحسبان البراغمائية الإيرانية، تفادياً لعواقب الحرب.
ولكننا في ذات الوقت أوضحنا بأن هناك خيار شمشون الذي كان لوّح به الرئيس بوش أخيراً وهو إعلان الحرب العالمية الثالثة وضرب إيران بالسلاح الذري كما هيروشيما وناكازاكي.
ولما كان الطبع يغلب التطبع حتى لو رفعت المعرفة الأكاديمية والثقافية العميقة صاحبها إلى أعلى مراتب ممارسة السلطة، فإن الرئيس بوش القادم من الجنوب الأمريكي (ولاية تكساس) المجبول حتى عهد ليس ببعيد على ثقافة الثأر ‘الكاوبوي’، قد يكون مهيأ لمهاجمة إيران للثأر منها على ما فعلته عبواتها الناسفة بجنودها وبآلياتها العسكرية في العراق بحسب الاتهامات المتكررة لإيران من جانب المسؤولين العسكريين الأمريكيين في العراق بأنها تقف وراء تزويد التشكيلات العسكرية العراقية المناوئة للاحتلال الأمريكي بالسلاح وبهذه العبوات تحديداً.
وقد تزايدت هذه الشكوك بشأن احتمال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية لإيران في الآونة الأخيرة على خلفية تجدد معطيات الحرب وهي تتمثل فيما يلي:
.1 الزيارة الماراثونية التي قام بها نائب الرئيس ديك تشيني لبلدان المنطقة والتي امتدت لعدة أيام تنقل خلالها عبر العديد من المحطات التي تشكل مواقع مختارة للعمليات الحربية، بما في ذلك الدول المطلة على خليج هرمز الذي هددت إيران مراراً بإغلاقه وإغراقه بناقلات النفط العابرة له من داخل الخليج باتجاه أسواق استهلاك الطاقة العالمية ومنها السوق الأمريكية والأسواق الأوروبية. وكما هو معروف فإن نائب الرئيس تشيني شخصية مثيرة للارتياب حتى لدى بعض الأوساط الأمريكية، اعتباراً بنزعته الحربية الواضحة.
.2 المناورات التي نفذتها إسرائيل على مدى خمسة أيام من يوم الأحد 6 أبريل الجاري إلى العاشر منه، وهي الأضخم في تاريخ إسرائيل منذ إنشائها، حيث تم فيها إخضاع السكان لتجربة تعرض إسرائيل لهجوم بالأسلحة الكيماوية والهجمات الصاروخية التقليدية. وهي استعدادات لاختبار جاهزية التعامل مع هجمات صاروخية إيرانية وسورية بأسلحة تقليدية وغير تقليدية. وقد سبقتها مناورات حربية على امتداد حدود إسرائيل مع جنوب لبنان لمقابلة احتمال دخول حزب الله الحرب إلى جانب كل من إيران وسوريا.
.3 قرار الرئيس بوش بتأجيل سحب القوات الأمريكية من العراق الذي كان اتُخذ قرار بشأنه لينفذ اعتباراً من يوليو المقبل بواقع 000,20 جندي في المرحلة الأولى ليتقلص العدد من 147 ألف جندي حالياً إلى عدد صغير من الضباط والجنود الذين سيرابطون في قواعد عسكرية دائمة يجري التفاوض بشأنها مع النظام العراقي الحالي. وقد مهدت الإدارة الأمريكية لهذا القرار بالحديث عن هشاشة الوضع الأمني في العراق رغم التحسن الذي طرأ عليه ‘بفضل’ زيادة عدد القوات بحسب المصادر الأمريكية؟ .. واللافت أن الديمقراطيين لم يبذلوا جهداً واضحاً للتصدي لقرار التراجع عن سحب القوات.
.4 العمل الوقائي على سد ‘الثغرة العراقية’ التي من المؤكد أن توظفها طهران في المواجهة المحتملة وذلك من خلال الحرب الوقائية التي تشنها القوات الأمريكية بمعاونة القوات الحكومية العراقية ضد المليشيات الشيعية الموالية لإيران في البصرة وغيرها من المدن العراقية.
.5 إطلاق مزيد من ‘القنابل الصوتية والدخانية’ لتسويق وهم قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية هذا العام عن طريق تكثيف زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين للبلدان العربية والإكثار من ‘تسهيلات الوعود’ المجانية، وذلك في سياق ممارسة المقايضة النفعية المتجذرة في الثقافة السياسية الأمريكية. أما المقابل المتوقع الحصول عليه فهو تأمين نسق تأييد واسع من جانب بلدان المنطقة للعمل الحربي الأمريكي سياسياً ولوجستياً.
تبقى مسألة أخرى في غاية الأهمية وهي توفير الغطاء السياسي الدولي (وإلى حد ما الداخلي) اللازم للعمل العسكري المزمع. فكما هو معروف في علم العلاقات الدولية إن أي عمل عسكري يجب أن يُخفر أو يُسبق بعمل سياسي يجعل الطريق ممهداً ‘لعبور’ العمل العسكري.
ومع أن هذا الطريق محفوف بالعقبات والمصاعب بالنظر للإرث السيئ الذي خلفته مغامرات هذه الإدارة على علاقات الولايات المتحدة بالخارج، بما في ذلك حلفاؤها الغربيون، وهو الأمر الذي تجلى بصورة أوضح في التمنع عن مجاراة واشنطن في مغامرتها الأفغانية – إلا أن الولايات المتحدة مازالت تملك نفوذاً طاغياً سواء داخل أروقة الأمم المتحدة أو داخل المعسكر الغربي تستطيع توظيفه في اللحظة المناسبة.
كما أن الضربات الجوية الخاطفة الماحقة ليست كالحرب المفتوحة وإن قصُر مداها، وبالتالي فإنها لن تحتاج إلى تحضيرات بالغة الدقة يتعين استحضار واحتساب عامل الزمن فيها. وتملك الولايات المتحدة خبرة واسعة في هذا المجال، تشمل في الزمن غير البعيد على الأقل، ليبيا وأفغانستان والسودان والعراق (إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين).
وقد يقول قائل بأن الرئيس بوش صرح بوضوح لا لبس فيه خلال مقابلة أجرتها معه شبكة أيه.بي.سي الإخبارية التلفزيونية في الحادي عشر من أبريل الجاري، وهو اليوم الذي يصادف الذكرى الخامسة لاحتلال بغداد من قبل القوات الأمريكية، قال عندما سئل ‘عما إذا لم يكن لديه أي مشروع عسكري ضد إيران’، بأنه ‘فعلاً ليس لديه مثل هذه النية’، معتبراً ما يساق من تسريبات ومن تحليلات مجرد شائعات تطلق دائماً.
وهذا صحيح، فالإدارة الأمريكية ورئيسها يتعرضان لضغوط إعلامية تبتغي إماطة اللثام عن حقيقة ما يدور في الكواليس الأمريكية الإسرائيلية بشأن كيفية التعامل مع إصرار إيران على السير قدماً في برنامجها النووي المثير للجدل.
ولكن الصحيح أيضاً أن الرئيس بوش لم يفوت الفرصة في تلك المقابلة التلفزيونية، إذ استدرك قائلاً: ‘قلت دائماً إن جميع الخيارات يجب أن تكون مطروحة على الطاولة’.
صحيفة الوطن
19 ابريل 2008