إن مؤتمر الحوار الوطني الثاني، الذي افتتح تحت شعار: (الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية) يوم 29 مارس 2008م بفندق كراون بلازا يستحق الدعم والمساندة.. بقدر ما جاءت مساعي الجمعيات السياسية الحثيثة من أجل إنجاح هذا المؤتمر، وعلى رأسها (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) التي ترأست اللجنة التنسيقية، مبعث فخر واعتزاز الجميع. ولعل ما طرح من المشاركين من مختلف الجمعيات السياسية والحقوقية والمدنية والشخصيات الوطنية من كلمات ومداخلات وورش وتعليقات ووجهات نظر حول تماسك اللحمة الوطنية، ودحر الطائفية، وتجسير الوحدة الوطنية، ومناهضة المذهبية، ومكافحة الاصطفافات الطائفية، قد عكست طموحات الشعب وترجمت أحلامه وأمانيه.. أضف الى ذلك دعوة المشاركين إلى نبذ مظاهر التمييز ومراعاة التعددية الطائفية والاجتماعية في وحدتها وفي ظل روافد الحياة الحرة والعيش المشترك الكريم “بروح التسامح وقيم الديمقراطية” هي دعوة حضارية تجاوزت الصورة النمطية ذات البعد الواحد، بنبلها الانساني وقدسيتها الوطنية.. مثلما طالب المشاركون الدولة بتعزيز مفاهيم المواطنة على كفتي ميزان العدالة في الحقوق والواجبات من دون تفرقة ولا تمييز.. بحسب تأكيداتهم المطالبة برفع سقف الحريات لمؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها (السلطة التشريعية). بادئ ذي بدء يفخر الجميع سواء داخل المؤتمر أو خارجه بما استجلى به واقع مؤتمر الحوار الوطني الثاني من أفكار واراء وطنية للانتماءات التقدمية المستنيرة، واعطائها النتائج الخالصة حول محاور المؤتمر، وما تمخض عن طرح وجهات النظر لاصحابها المناضلين الذين امتلكوا روح الشجاعة الادبية وثوابت المواقف المبدئية.. ولكن أيا كانت النتائج بهذا الشأن، فإن اسئلة عديدة بالغة الاهمية تتماثل للأذهان.. هل خرج المؤتمر الوطني الثاني بنتائج واقعية ملموسة وخاصة ان المؤتمرين أعلنوا تقديم التوصيات فيما بعد؟ وهل ترجمت مختلف الورش والخطابات والكلمات حول الوحدة الوطنية من قبل الجهات الرسمية والجهات الشعبية على حد سواء الى واقع عملي على صعيد الممارسة والتطبيق؟ ما مدى مصداقية الشعارات الرسمية المتمثلة في السلطة التنفيذية، والشعارات الشعبية المتمثلة في المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها السلطة التشريعية حول حق المواطنة المتكافئة في الثواب والعقاب والحقوق والواجبات، وازاء محاربة الاصطفافات الطائفية والنعرات المذهبية والعرقية؟ وما مدى تأكيدات بعض المؤتمرين بقول أحدهم: “ان الطائفية خط أحمر يجب عدم الاقتراب منه”؟.. هذه الاسئلة وغيرها تكمن أجوبتها في واقع الامر في جوهر واقع الجمعيات الدينية، بقدر ما تبرز تداعيات هذه الاجوبة وحقائقها في سياسة السلطة التنفيذية.. وما يتمخض عن تلك الاجوبة بكشفها موطن الخلل والثغرات، ومواطن النواقص والسلبيات. لعل القول يبقى صحيحا بهذا الصدد هو إذا أرادت (الجمعيات الدينية) تطبيق محاور مؤتمر الحوار الوطني الثاني حول “المجتمع المدني والوحدة الوطنية والاعلام والوحدة وتطوير التشريعات والقوانين المناهضة للطائفية ومحور الطائفية والمواطنة”.. فإنه يجب على تيار الاسلام السياسي ان يتخلى وينبذ معايير الانتماء ذي البعد الواحد، وذي الطائفة الواحدة، وذي الاصطفافات المذهبية، وذي صبغة الانتماءات الطائفية.. هذه الابعاد كافة تنصهر معالمها ومفاهيمها وتداعياتها في بوتقة الجمعيات الدينية لقوى تيار الاسلام السياسي (الوفاق والاصالة والمنبر الاسلامي والعمل الاسلامي والتوعية الاسلامية)، التي جميعها اعتمدت الولاء المذهبي على حساب الانتماء الوطني.. والطائفة على حساب الامة.. والمذهبية على حساب المواطنة.. وتبني مفهوم أيديولوجية العقيدة على حساب مبدأ التعددية السياسية.. بحسب ما مزجت هذه القوى الاسلامية السياسة بأجندة خطابها الديني.. وبالتالي أفرزت تلك الاجندة لخطاب تيار الاسلام السياسي برلمانا اسلاميا اتسمت تركيبته بطائلة الاصطفافات الطائفية، واقترنت تشكيلته بالتفتيتات المذهبية.. وبقدر ما تظل تلك الابعاد السالفة الذكر والملازمة لتيار الاسلام السياسي، فإن (تلك الابعاد) تظل بطبيعة الحال نقيضة لمحاور المؤتمر الوطني الثاني. غني عن البيان انه بقدر ما يتعثر تيار الاسلام السياسي بممارساته وبأجندة خطابه الديني نحو العديد من الثغرات والعثرات.. ولعل أهمها الاشكاليات الدستورية، وما يتمخض عن مطالبات الجمعيات السياسية بالتعديلات الدستورية من خلال التوازن ما بين (الجوانب السياسية والجوانب القانونية)، وفي عدم فصل هذين البعدين (السياسي والقانوني) عن بعضهما بعضا.. وكذلك قانون الجمعيات السياسية وقانون التجمعات والمسيرات، ولعل قانون النقابات العمالية في القطاع الحكومي هو الآخر محظور وبعيد عن التطبيق، بقدر غياب قانون الاحوال الشخصية المتقدم والعصري والمستنير. ولعل ثمة بروتوكولا دوليا لم توقعه مملكة البحرين.. صحيح ان مملكة البحرين قد وقعت العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. ولكن يبقى الصحيح أيضا ان السلطة التنفيذية قد تحفظت على التوقيع الاختياري على البروتوكول للعهد الدولي، وبما جاء في (مادته الاولى) التي تقول: “تقر كل دولة طرف في هذه الاتفاقية تصبح طرفا في البروتوكول الحالي باختصاص في تسلم ودراسة تبليغات الافراد الخاضعين لولايتها الذين يدعون انهم ضحايا انتهاك تلك الدولة الطرف لأي من الحقوق المبينة في الاتفاقية”. في نهاية المطاف يمكن القول: ان ما هدف اليه المؤتمرون ويهدفون خلال المؤتمر الوطني الثاني، وخاصة منهم المستنيرين من الانتماءات الوطنية التقدمية والديمقراطية هو وجود ديمقراطية حقيقية، واصلاحات عامة تنسجم وطموحات وأهداف الشعب البحريني بمستوى تضحياته ونضالاته، وحريات سياسية واجتماعية ومدنية تتماشى وحقوق الانسان.. ولعل هذه الديمقراطية الحقيقية بمختلف أبعادها، فإنها تمثل روافد الوحدة الوطنية، وتجسد حق المواطنة، بمكانة المواطن الاعتبارية بمقاييس الحقوق والواجبات، بقدر ما تكافح الطائفية، وتناهض المذهبية، وتحارب الفساد بجميع صوره وأشكاله.. وبحسب ما تمثل هذه الديمقراطية عن مبدأ التعددية الحزبية، وسعيها إلى فصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن الدولة.. مثلما تعكس مفاهيمها وحقائقها النهوض بالتعليم والصحة والاسكان والعدالة الاجتماعية.. والسعي الى تربية الاجيال المتعاقبة واعدادها وتثقيفها من خلال تدريس طلاب وطالبات المدارس والجامعات التربية الوطنية والثقافة الدستورية والقانونية وتاريخ البحرين السياسي والنضالي، وتدريس مادة حقوق الانسان، وما يتمخض عن اشاعة ثقافة ومفاهيم حقوق الانسان في البيئات التعليمية والتربوية والمجتمعية والاعلامية والسياسية من خلال (حق المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات المصيرية كافة).. ليس هذا فحسب ولكن استطاعة هذا الانسان.. هذا الوطن.. التبوؤ بإنجازاته ونتاجاته وابداعاته، والتألق بتضحياته ونضالاته وعطاءاته على الصعد كافة، بمستوى مكتسبات وتضحيات الامم المتطورة على صعيد مختلف الميادين وشتى المجالات.
صحيفة اخبار الخليج
18 ابريل 2008