تحركت عجلة العمل الحقوقي في البحرين بين مرحلتين مختلفتين، وان كانت الأولى تكملة للمرحلة الثانية، فهما حلقتان في سلسلة عمل واحد،غير أن المرحلة الأولى بدت ظروفها ومكوناتها وطريقة عملها مختلفة بسبب ان منظمة حقوق الإنسان ولدت في الخارج قبل مرحلة الانفتاح وتولي الملك سدة الحكم وإعلانه عن مشروعه الإصلاحي. لهذا بدت العملية مختلفة من جوانب عدة، ولكن المنخرطين في الآلية لم يكتشفوا أنهم ما زالوا أسرى العملية السياسية الحزبية السابقة، وبأنهم مرتهنون لعواطف سياسية مشحونة بالماضي المتوتر، أكثر من رؤية جديدة تتطلبها المرحلة الثانية بمكوناتها الجديدة ومعطياتها المختلفة، والتي كانت بحاجة إلى معالجة مختلفة بالرغم من صعوبتها ومخالبها ومزالقها وشعابها الصعبة.
ربما المرحلة الأولى كانت أسهل بكثير لدى معارضة تحمل مشروع العداء لسلطة تضطهدها وتحاربها، وان كانت فاقدة للشرعية من بعض الجوانب، إذ لم تكن المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان تقبل في عضويتها بكل سهولة منظمات لحقوق الإنسان تعيش خارج بلدها، ولكن يبدو أن التنازل النسبي للمنظمات الدولية وتواطؤها جعلها تقبل بتجاوز أطرها الداخلية، فوجدت نفسها في مأزق كيف بالإمكان تأسيس منظمات حقوقية في بلدان استبدادية، ترفض بالمطلق قبول هذا النوع من المنظمات؟
وتجاوزًا للظروف انخرطت التنظيمات السياسية مع دول لديها اوراق خاصة واجندة خفية ومن جانب آخر تحويل المشروع العالمي المتعلق بحقوق الانسان الذي احتل صدارة الأنشطة بشكل واضح بعد انهيار في المعسكر الاشتراكي، وتم الإعلان عن تفعيل مسألة حقوق الإنسان كيافطة أساسية وفي المعسكر المنهار وفي الدول والمنظمات الدولية، بل وانتعش بعض من أنشطة الأمم المتحدة في هذا الجانب إلى درجة شكلت فيها لجان حيوية من جديد إلى جانب عملها السياسي، بل وتداخل إلى حد وجدت فيها المنظمات السياسية أكثر استغراقا في هذا النوع من العمل، لكونه صار أكثر قبولا وحضورا في المحافل الدولية، بل وصارت المنظمات والدول تتعاطف مع هذا النوع من المنظمات والأنشطة، كونها اكثر قبولا وبالإمكان توظيفها من جانبين، الأول استخدامها في الضغط على دول بدأت تخرج من طاعة الدول الغربية، ففتحت لها نوافذ، وروجت لأصوات لم تكن تعبر عن تنظيمات سياسية ولا اتجاهات فكرية، بقدر ما كانت عناصر مثقفة لديها أجندتها الخاصة مع دولها، فكانت الدول الغربية حضنا دافئا لها باسم حقوق الإنسان.
هذه الظاهرة وجدناها منتعشة حتى لدى الأحزاب الوطنية والتقدمية واليسارية، على الرغم من كونها سابقا تشك في طبيعة منظمات من هذا القبيل كمنظمة العفو الدولية وتصنيفها في خانة الجاسوسية والتضليل والخداع، فكانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في مقدمة تلك الدول مهتمة بالجانب الإعلامي والسياسي، بينما اهتمت الدول الاسكندينافية وغيرها من الدول الغربية بتقديم كل التسهيلات القانونية والحقوقية للاجئين السياسيين القادمين من دول استبدادية وحروب طاحنة، فلم نجد هناك عناصر وأصواتا تلعلع إعلاميا، لكونها تدرك ان ذلك الباب مغلقا ولا يجوز إدخال الدول والمصالح في مسائل معقدة تضر بالطرفين . بينما واصلت الدول الاستعمارية لعبتها، مستخدمة ورقة حقوق الإنسان في مجالات متعددة بدت غريبة الملامح.
وقد برعت بريطانيا تاريخيا في تحريك المياه في الاتجاه الذي تراه يناسبها حتى لحظة تفجير مترو لندن، فكان عليها أن تغلق منافذ هؤلاء، الذين منحتهم اللجوء والتسهيلات السياسية والإعلامية، فبرعوا في ترويج خطاب جديد اسمه حقوق الإنسان في دولهم، بينما صمتوا صمتا معيبا حول حقوق الإنسان في دول صديقة لهم، يرونها ممولا ماليا في حركتهم السياسية والإعلامية، فأصبحوا فاقدين للمصداقية لكونهم يحملون أقنعة مزدوجة، فلم يكتشفوا أو تعمدوا أن يروا عملة حقوق الإنسان من وجه واحد لا غير، فكان الوجه السياسي وحده هو الأكثر طغيانا، ومن يقيد عجلته هم ساسة معارضون سابقا وما زال غالبيتهم كذلك، والبقية حاولت تحرير نفسها من الانحياز الأعمى لمنظمة من صلب طبيعتها الموضوعية والحياد والدقة في استقاء المعلومات من الأطراف المتنازعة أو التي وقع بها الانتهاك والتعدي أو التمييز والاضطهاد.
صحيفة الايام
17 ابريل 2008