لا يستطيع أي مؤرخ متعاطف مع الإخوان في الفرع البحريني أن يلبسه من جوانبه التاريخية معطفا وطنيا وسياسيا عنوة في زمن الهبات الصغيرة وفي المنعطفات الساخنة الكبرى التي عصفت بالوطن كله ونهض الشعب برمته في مواجهة الانكليز من اجل التحرر والاستقلال، وكانت مرحلة الهيئة الأكثر نهوضا وبروزا لوحدة شعبنا في كل جغرافيته السياسية والوطنية، كما إن الوطنية هنا ليست مصطلحا لجواز سفر بفيزا متعددة السفرات، وإنما مفهوم الوطنية باعتبارها مصطلحا سياسيا مرهونا بمناهضة الأجنبي في الحقبة الاستعمارية، وهي مرحلة تاريخية مضت ولن تعود ولا يمكن الاستعاضة عنها بمفردات الكذب والادعاء، فقد تمت خاتمتها واقفل سجلها التاريخي نهائيا. فأين كان موقع الإخوان حينذاك في المعادلة السياسية؟ هل نضعهم في خانة التنظيم المصلحي والانتهازي يومذاك؟ أم تهمة أقسى تقع في خانة العمالة والتخاذل؟ أم اقل حدة هو المهادنة السياسية وتجنب ضربات الاستعمار البوليسية حيث لم يكن قادة التنظيم على استعداد لتقبلها إما تكتيكا أو خوفا وتراجعا؟ كل الاحتمالات ممكنة ولكن ما هو واقع تحت أيدينا من معطيات شحيحة عن دورهم لا يتعدى إيماءات هنا وهناك تشير اغلبها لدورهم المناهض لحركة الهيئة وإشارة الباكر إلى منشورهم سيئ الصيت الذي لم يهتم الباكر بنشر نسخة منه لكي يتسنى للباحثين تفحص محتواه السياسي بدقة. تبقى مسألة التجربة الملموسة للحياة السياسية اليومية لمرحلة الهيئة والتي امتدت لسنتين، والتي لم تفرز موقفا وطنيا واحدا حتى وهم بمعزل عن حركة الهيئة كتنظيم معاد للمواقف القومية، فعلى الأقل كان بإمكانهم القيام بسلوك ومواقف موازية في الشارع السياسي يدلل على مناهضتهم للانكليز باعتباره نهجا وطنيا بحتا كما ترجمتها مواقف حديثة التكوين في تنظيمات ناشئة كجبهة التحرير التي أطلت برأسها من خلال التظاهرات والتعبيرات العمالية الواضحة بل وحتى صوت نادي العروبة بنفسه الفكري بنفحة بعثية كان حاضرا في فضاء زمن الهيئة كتيار كان يبلور مواقفه ضمن تجمعاته الحلقية الحذرة بينما لم تتضح ملامح الإخوان إلا بأقنعة معادية وليس العكس. فقد وجد إخوان البحرين أنفسهم يصطفون مع إخوان مصر ضد الحركة القومية العربية في البحرين بربطهم الميكانيكي بين حركة الهيئة في تربة بحرينية لها خصوصيتها، وثورة عبدالناصر وهي في أوج صراعها مع الإخوان. هذه العدائية وجدت نفسها مترجمة في حدين الأول بعزل نفسها عن شارع سياسي منشغل بالتحرر الوطني، والحد الثاني تحديد موقف عدائي لقيادة وطنية عبرت عن نفسها مؤيدة لتيار عبدالناصر وثورته؛ فكانت بالنتيجة اصطفاف إخوان البحرين بطريقة واعية أو غير واعية مع خانة الاستعمار القابع على رقاب شعبنا. وخشية من تيار جارف يومها أن يدمرها في وقت تزايد فيها سخط الشعور القومي على إخوان مصر نتيجة مشاعر الكراهية التي اتخذها الإخوان إزاء ثورة عبدالناصر، ودخول محبوبهم عبدالناصر في حرب شعواء ضدهم. فماذا كان على الإخوان في البحرين فعله وهم تيار صغير ومحدود في الشارع السياسي؟ يبدو أن الخيارين يناسبهم الاحتماء بمظلتين وقناعين قناع التقية والاختفاء عن إبراز هوية واضحة، بل وبالإمكان أن تكون هوية ناصرية أيضا في فضاء حماس ناصري وقومي واسع عام. أما القناع والمظلة الأخرى هو الاحتماء بالانكليز الذين كانوا يؤسسون في كل مناطق نفوذهم ومستعمراتهم قوى وتنظيمات جماهيرية تستخدمها كأذرع في الأساس لمواجهة التنظيمات الشيوعية الفتية التي برزت بعد الثورة البلشفية والتنظيمات القومية المناهضة للاستعمار التي بدأت نواتها تظهر بعد الحرب العالمية الأولى وتنمو وتتبلور بعد الحرب الثانية. أما في الإضرابات والتظاهرات التي شهدتها البحرين فيما بين عامي 1938-1948 فان ملامحهم لم تكن بارزة أو ذات حضور فإذا ما كانت تظاهرات عام ٨٤٩١ الاحتجاجية ضد قيام إسرائيل وتقسيم فلسطين لم تشهد هويتهم فان حرق بيوت اليهود في تلك اللحظة ربما فعل اقرب لعمل الاستخبارات البريطانية التي تقاسمت مع الوكالات اليهودية ليس التسهيلات في التدريب والاعتراف الرسمي ووعد بلفور وحسب، بل وأكدت وثائق شبيهة ونهج مماثل في الحرق لمحلات وأماكن اليهود في مصر والعراق والبحرين على أنها مشروع لدفع اليهود بالرحيل خوفا من التصفية الجسدية في وقت كانت الوكالة اليهودية تسعى لنقل يهود العالم للدولة العبرية الجديدة. دون شك تندفع جموع من الغوغاء والبسطاء المسكونين بعاطفة التعاطف مع الفلسطينيين، إن من حملوا الثقاب الأول للحريق قدموا أيضا براميل الاشتعال؛ فدائما المخططون قادرون على انجاز مشروعهم بحنكة. في كل تلك المحطات التاريخية لم يكن للإخوان حضور يستحق الإشادة فلماذا نتعجب اليوم من سلوكيات داخلية ظلت حتى فترة الحياة النيابية الأولى عام ٣٧٩١ ميتة بامتياز ومنشغلة بأجندتها الخاصة، وبكل أنواع الأجندات الممكنة إلا أجندة النضال الوطني فقد كانت غائبة من قاموسها السياسي. نستكمل حلقتنا الثانية فيما بعد حركة الهيئة.
صحيفة الايام
13 ابريل 2008