لم يبق من اللغة العربية خارج التدهور الذي يشهده حالها منذ عقود سوى تراث وفنون خطها العريق، وحتى هذا التراث بدا أن عشاقه من شعوب العالم الأخرى غير العربية أكثر اهتماماً وولعاً به من العرب أنفسهم. والأهم من ذلك فإن الخط العربي خطاً وفناً وتراثاً يشهد تراجعاً وتدهوراً غير مسبوق في تاريخه المديد منذ ولادة كتابة اللغة العربية، اللهم استثناءات ونماذج محدودة في العالم العربي. ولعل من هذه الاستثناءات المهمة الجديرة بالاعجاب، والآخذة نحو الترسخ كتقليد فني وثقافي ثابت، الفعالية التي أرستها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية تحت اسم “ملتقى الشارقة لفن الخط العربي” والذي عقد خلال هذا العام دورته الثالثة. وتتجلى أهمية هذا الملتقى العربي الدولي بالنظر للعدد الكبير المشارك فيه من فناني الخط العربي العرب والأجانب. ففي الدورة الأخيرة شارك أكثر من 200 فنان ينتمون لبلدان عديدة من العالم، وساهموا جميعاً بألف ومائتي عمل فني. ولعل من أبرز هذه الأعمال اللافتة مشاركة سبع يابانيات في عمل فني بديع تحت عنوان: “اليابانيات شمس الحرف”، وتتجلى عظمة إبداعهن ليس في كون أعمارهن تتفاوت ما بين نهاية العقد السادس ومنتصف العقد الرابع فحسب، بل لكونهن لم يتعلمن العربية قط بينما اكتسبن مهارة الخط والزخرفة من التحاقهن بدورة تدريبية في الخط والزخرفة بمركز الشارقة للخط والزخرفة. كما يتجلى ابداعهن فيما قدمنه من أفكار رائعة بمزاوجة الحرف العربي في نسيج الفن الياباني سواء في الجرافيك والإعلان أم من خلال أعمال خطية بديعة تتنوع بين الثلث والديواني والرقعة وغيرها من الخطوط موشحة بالرقش والتذهيب. وثمة تجربة إبداعية أخرى لأربعة فنانين إيرانيين تميزوا باحتراف الخط التقليدي وصولاً إلى المنمنمات التي اشتهر الإيرانيون بالبراعة في رسمها ونقشها والقدرة على المزج بين الزخرفة والرسوم الإيرانية الكلاسيكية. هذا إلى جانب مهارة الأربعة في التجويد والإلمام بقواعد الخط وما يرتبط به من نقش وزخرفة فضلاً عن أعمال الجرافيك. كما عرضت في الملتقى الأخير تجربة خطية إبداعية اندونيسية لـ “ايني ارحماني” في الحروف الاندونيسية، هذا بالإضافة إلى تجارب الخط التقنية الحديثة للحروف الطباعية والحاسوب. وإلى جانب هذه الأعمال الإبداعية في الخط العربي في ملتقى الشارقة للخط العربي عقد العديد من المحاضرات والبحوث القيمة حول جماليات الخط العربي وفنونه. ومن بين هذه المحاضرات محاضرة عن “علاقة الخط العربي بالأدب والموسيقى”. والحال ان ملتقى الشارقة للخط العربي غدا اليوم من أهم الملتقيات والمعارض الفنية للخط العربي ليس على مستوى العالم العربي فحسب بل على المستوى العالمي، وذلك لتمكنه السريع من ترسيخ مكانته وقدرته على إبراز فعالياته الفنية المتنوعة والجميلة التي تعكس الجهود الابداعية نحو الارتقاء بفن الخط العربي إلى فضاء عالمي أرحب وعدم اقتصاره على الفضاء العربي الضيق، على الرغم من تراجع الاهتمام بهذا الفن حتى في نطاق هذا الحيز، ومن ثم الانفتاح على مختلف التجارب الانسانية العالمية ذات الاهتمام بفن الخط والتي ينبغي أن تكون محط ليس افتخارنا كعرب فحسب بل تشجيعنا وتواصلنا المستمر والفعال معها على مختلف المستويات وذلك على اعتبار ان هذا الفن اضحى فناً عالمياً قائماً بذاته بعد تزايد عشاقه ومحترفيه من مختلف الثقافات وبعد ان غدا فن الخط يمتزج ويتداخل مع فنون عديدة. ومن المؤسف حقاً انه في الوقت الذي يتعاظم فيه الاهتمام عالميا بالخط العربي وتراثه، فإن هذا الاهتمام يتراجع حثيثاً في بيئته الأصلية في العالم العربي، سواء على الصعيد الرسمي من قبل المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، أم على الصعيد الشعبي من قبل مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات الأهلية الثقافية والتعليمية والإعلامية المعنية. ولعله من المؤسف أيضاً ألا يحظى هذا الملتقى الفني الثقافي الإبداعي باهتمام كافٍ من قبل دول مجلس التعاون على الرغم من انه يعقد في دولة خليجية عربية، ويتجلى ذلك ليس فقط في غياب مشاركة فنانين كبار خليجيين وبحرينيين بوجه خاص حيث البحرين معروفة بعراقتها في هذا الفن بل في غياب الإعلام الخليجي المرئي والمسموع والمقروء عن تغطية وإبراز هذه الفعالية الإبداعية الحضارية العربية العالمية المهمة اللهم إعلام الدولة المنظمة للملتقى.
صحيفة اخبار الخليج
12 ابريل 2008