فيما ملحمة علاوة “الخمسين دينارا” تتواصل فصولها الطويلة، وفيما تلد مع اشراقة كل يوم فصولا ومتاهات جديدة لا أول لها ولا آخر، وفيما الاجور على حالها ثابتة لا تتزحزح، وفيما أسعار السلع الغذائية الاساسية تواصل ماراثونها في الصعود الصاروخي.. نقول: فيما كل ذلك يحدث فان عددا من الدول العربية تقدم لنا دروسا جديرة بالاقتداء في مساعيها للتخفيف من حدة الغلاء. ومهما كانت هذه “المساعي” في تلك البلدان شكلية أو محدودة وغير كافية، فانها على الأقل قياسا بما هو جار عندنا تعد أفضل بكثير من حالنا الذي يسير حثيثا من سيئ الى اسوأ. ولنتناول في هذه العجالة لماما بعض جهود مكافحة الغلاء في مصر والسعودية والامارات. ففي مصر، وبعد ان بلغ السيل الزبى في غلاء الاسعار، ولاسيما اسعار الرغيف وشحة المعروض منه تعمل اجهزة رقابية عديدة الآن لسد الثغرات التي تؤدي لظاهرة طوابير افران الخبز. وجرى ضبط العديد من المخابز التي تنتج خبزا غير مطابق للمواصفات، كما ضبطت محلات كثيرة تعمد لتخزين الطحين المدعوم لبيعه في السوق السوداء. وقامت الحكومة بفتح منافذ عديدة للبيع والتوسع في تطبيق آلية فصل انتاج الخبز عن بيعه. رئيس الوزراء أحمد نظيف اطلق دعوة لتأسيس صندوق أهلي تديره المؤسسات الاهلية للإنفاق على الاسر الفقيرة والمحدودة الدخل وتطوير الوحدات الصحية وبناء المستشفيات والجامعات الأهلية. الرئيس مبارك اعلن قبل أيام اعفاء عدد من السلع الغذائية والاساسية المستوردة من بينها الخبز من الرسوم الجمركية بغرض تخفيف أسعارها ولو نسبيا في السوق والرقابة على مدى التزام التجار بذلك. في السعودية فانه بالاضافة الى التدابير الجادة التي اتخذتها الحكومة والتي سبق ان أشرنا اليها، فقد وجه الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض تحذيرا صارما الى التجار من استغلال موجة الاسعار العالمية للمغالاة في رفع اسعار السلع الغذائية. كما دشن موقعا لمؤشر ارتفاع اسعار المواد الغذائية والتموينية. وقد لوحظ دور المؤشر وفعاليته في الحد من ارتفاع بعض أسعار المواد الغذائية. وتنفيذا لأوامر خادم الحرمين شكلت لجنة حكومية لجرد مخزون الأرز توطئة لاتخاذ آلية حاسمة لتخفيض اسعاره من خلال صرف اعانة الأرز. ومن المعروف أن هذه السلعة هي من اهم السلع الغذائية الاساسية لشعوب بلدان الخليج العربي. كما نبه الأمير سلمان أصحاب الشركات والمؤسسات التموينية بضرورة ان تكون أسعارهم مناسبة وأرباحهم معقولة داعيا اياهم إلى تجنب المغالاة في رفع الاسعار. ومن جانبها قامت امانة الرياض بإنشاء غرفة عمليات خاصة لتلقي الشكاوى من المواطنين مباشرة على الاسعار اللافتة المبالغ فيها لاتخاذ الاجراءات الرادعة بحق أصحابها بعد التأكد من ذلك، وتم فتح خط ساخن للمواطنين للاتصال بالغرفة رقم (940). في الامارات، وفي اطار الجهود العديدة التي تبذلها الجهات الرسمية والاهلية لمكافحة الغلاء والتي تناولنا جوانب منها في مناسبة سابقة بهذه الزاوية، أكد فيصل عرشي نائب مدير عام جمعية ابوظبي التعاونية ان الجمعية لن تتراجع عن موقفها ضد الغلاء، ولن تتخلى عن قرارها ببيع السلع والمنتجات الاستهلاكية بسعر الشراء، هذا على الرغم مما تعرضت له الجمعية الآن من عقوبات “تأديبية” على موقفها الوطني هذا، إذ عمد 14 تاجرا وموردا الى وقف التعامل مع جمعية أبوظبي ورفضوا تزويدها بمنتجاتهم.. وتقوم هذه الجمعية الآن مع الجمعيات التعاونية الاخرى بجولات محلية وخارجية لإفشال تلك العقوبات “التأديبية” وذلك من خلال التعاقد مع موردين جدد لتوفير المنتجات التي فرض التجار الاحتكاريون حظر توريدها للجمعية كعقاب لها على عدم التزامها ببيعها للمواطنين بأسعار الغلاء الجديدة. وتم تشكيل تكتل موحد بين الجمعيات التعاونية لرفض الانسياق مع موجات الغلاء بلا ضوابط والاصرار على نهج بيع السلع في الجمعيات بنفس سعر شرائها. وبعد، فمتى تشمر جمعياتنا التعاونية عن سواعدها للانخراط الجاد في معركة مكافحة الغلاء؟ وهل من دور منتظر يعوّل على صناديقنا الخيرية في هذه المعركة بأي سبل كانت ومهما كانت ضئيلة؟ أم هي يا ترى حاضرة دائما وأبدا للمناكفات الطائفية؟!
صحيفة اخبار الخليج
7 ابريل 2008