من يتابع تصريحات وزراء المال والاقتصاد ومحافظي المصارف المركزية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تطالعنا بها الصحافة من حين لآخر، توازيًا مع احتدام الجدل بشأن جدوى استمرار ارتباط العملات الخليجية، فيما عدا الدينار الكويتي، بالدولار الأمريكي، في ظل انهيار العملة الأمريكية، لابد وأن تتملكه الحيرة من اضطراب وعدم تناسق هذه التصريحات. حتى أن هذا التضارب في التصريحات راح ينسحب على الوزراء أنفسهم الذين يصرّحون بالشيء وبضده في آنٍ معًا مع اختلاف بسيط في الفارق الزمني بين التصريحين. إذ في حين يثير أحد التصريحين الانطباع بوجود توجه لإعادة النظر في الارتباط بالدولار، فإن التصريح التالي لا يترك مجالاً للتأويل بشأن استمرار عملية الربط بالدولار. حتى أصبح موضوع ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، مادة دسمة لتأويلات وتكهنات الصحافة والمحللين الاقتصاديين والماليين والمشتغلين في الحقل الاقتصادي العالمي. فمن قائل بأن دول مجلس التعاون مقدمة لا محالة على إعادة النظر في سعر الصرف الثابت الذي يربط عملاتها بالدولار الأمريكي، بما يشمل ذلك فك الارتباط كليًّا بالعملة الأمريكية، ومن قائل إن التفكير يتجه لتقليص حصة العلاقة بين هذه العملات والعملة الأمريكية بتوزيع سعر صرف الربط على أكثر من عملة عالمية بينها الدولار .. وهكذا. وكما هو معلوم فإن مثل هذه التكهنات تغذي الشائعات التي يطلقها المضاربون في أسواق القطع الأجنبي عن عمد للاستفـادة مـن فروقـات السـوق الصاعـد BULL MARKET والســــوق المتراجع (PIG MARKET)، ما يؤدي إلى تعريض العملة محل المضاربة إلى التقلبات السعرية غير المستقرة، وهو ما ليس في صالح الاقتصاد على صعيديه الكلي والجزئي. ولذلك لابد من الشفافية والوضوح في هذا المجال من جانب السلطات النقدية الخليجية. فهنالك ظرف غير طبيعي يتعرض له الدولار الأمريكي، وهو ليس ظرفًا طارِئًا كما تدلّل على ذلك الوقائع وكما تعكسها تقارير وتصريحات بعض مراكز الأبحاث والأكاديميات والاقتصاديين الأمريكيين، وانما هو حالة اختلال هيكلي في الاقتصاد الأمريكي سوف تحتاج لبعض الوقت (بضع سنوات كما تقدر ذلك بعض الأوساط الأمريكية) لإصلاحه أعطالها. وقد رأينا كيف ارتفعت أسعار عملات دول التعاون في المعاملات الآجلة تحت تأثير رهانات المستثمرين والمضاربين على ان ضعف الدولار والمخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود ستدفع دول التعاون إلى تغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار، فذهبت توقعات هؤلاء إلى ان الدرهم الإماراتي والريال القطري سيرتفعان بنسبة 3,3٪ و 7,4٪ على التوالي خلال هذا العام واستقرار سعر صرف الريال السعودي في التعاملات الفورية عند أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر وهو 63,3 ريال للدولار. وهذه هي النتيجة على أية حال. تقول الاقتصادية في ‘دويتشة بنك’ كارولين جرادي ‘إن انخفاض الدولار بدرجة أكبر من شأنه زيادة الضغوط التضخمية في دول مجلس التعاون وإلقاء الضوء على عدم ملاءمة السياسة النقدية التي تقودها الولايات المتحدة’. حيث وصل التضخم في دول التعاون إلى مستويات غير مسبوقة منذ 27 عاما، إذ بلغ 7٪ في السعودية و74,3٪ في قطر. هذه التطورات التي رفعت من سقف الاجتهادات بأن تعمد دول التعاون إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذا الارتفاع لأسعار صرف عملاتها مـع الدولار (تصحيحًا للمعادلة السعرية التي تؤكّد أن العملات الخليجية مقومة بأقل من قيمتها بما يتراوح بين 20 – 30٪) لاحتواء التضخم الجارف، هي التي دفعت أوساط القطاع المالي للاعتقاد بأن دول التعاون التي تسعى للحصول على تمويل هذا العام قد تحجم عن الاقتراض بالدولار الأمريكي لتجنب تكاليف الاقتراض الإضافية في حال رفعت حكوماتها قيمة عملاتها. ومع ذلك، ورغم تزايد الضغوط التضخمية التي اضطرت على سبيل المثال قطر للتدخل وفرض ضوابط (REGULATIONS) على أسعار العقار، ورغم توصيات عديد الخبراء ومؤسسات المال الدولية مثل ألن جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ومجموعة ميريل لينتش المالية، الا ان الوضع لازال على ما هو عليه، ولازال نزف التضخم يفعل فعله في الاقتصادات الخليجية. حتى خيار رفع قيمة العملات APPRECIATION مقابل الدولار، إذا لم يكن بالإمكان فك الارتباط به، لازال قيد التداول الإعلامي وحسب.
صحيفة الوطن
6 ابريل 2008