ربما في تقليب أوراق وصفحات الماضي تسهل علينا قرءاة كل الحقائق التاريخية، ولكن التاريخ عملية متحركة ومتناقضة ومؤلمة أحيانا ولا يجدي الاستعانة بها من اجل بناء دولة عصرية تسعى لإرساء لبنة مستقبل أفضل. وطالما التاريخ مؤلم يرثنا البكاء والتحسر فلماذا نستعين بجذوره ومواجعه ونقف أمام جثته نستجدي ؟ فكل تاريخ الشعوب قام على الصراع والتجاذبات القبلية والطائفية والعرقية، ولسنا وحدنا نتميز بتلك الظاهرة السلبية ما أخطأنا كشعب ونظام إننا لم نجتث مخاطر الطائفية ونسينا أن حقيقة الطائفة مسألة تاريخية لا يجوز تخطيها ولا يمكن فعل ذلك غير أن الطائفية نزعة ونعرة سياسية وبين التاريخ والسياسة بون شاسع، ولكن ممتد ومتداخل لشعوب وأنظمة تركت في جسدها جروح تنكأ، وتتواصل روح الطائفية دون وعي بمكامنها العميقة، حيث تمَوّج تاريخنا بمحطات سياسية امتصت مظاهر التاريخ الطائفي إلى الوراء دون إلغائه وتركته في العمق يمرر كيفما يشاء وينفجر ويستيقظ كلما تذكر انه يعيش هامشية الواقع الاجتماعي. كان لدى الدولة المستقلة الحديثة فرصتها التاريخية بوضع برامج في اتجاه هذا العدو الداخلي ”الطائفية” ولكن انشغال الدولة بفلسفتها عمق وعزز من الظاهرة لهذا وجد المشروع الإصلاحي نفسه أمام معركة عميقة وقد ساهم في فترة استقلالنا ولادة وتعزز ظاهرتين هما الطائفية والطائفية المضادة فازداد واقعنا بالسموم والكراهية الأولى كانت من الضفة الإيرانية مع انتصار الثورة؛ فوجدت الطائفة نفسها وبلا وعي تشعر بنوع من الطمأنينة الداخلية بانتصار المذهب على كل شيء وفي عالميته متجاوزا جغرافية الوطن والولاء حيث كان الوطن منقسما والولاء غائبا. بدت تلك الحقيقة واضحة في سنواتها الأولى خاصة مع فكرة تصدير الثورة وان وجدناها تلبست بأقنعة أخرى فيما بعد عن طريق تزاوج فكرة دبلوماسية الدولة ومواصلة فكرة الاستنفار الثوري المتروك شأنه للحرس الثوري أما الظاهرة الثانية فقد تعززت حيث وجدت نفسها مستنفرة كعالم سني أمام قوتين جديدتين في المنطقة هما الغزو السوفياتي والغزو الإيراني الجديد فكان الأب الروحي حاضرا في تحويل المخاوف وأولية الصراع ضد الخطر الشيوعي مستنفرا العالم الإسلامي دون تمييز، بينما في العمق كان ذلك التناقض ظاهرا فتم استنزاف إيران بحرب جانبية مع العراق وتذكيرها في الوقت نفسه ان انتصار الدبابات السوفياتية في أفغانستان يعني قضمها بالكامل، وهي في نضارة ثورتها حيث منابع النفط في الخليج كانت هي الهدف و٠٠٨ كيلومتر من كابل وتلك المنابع لا تعني شيئا في العمليات العسكرية الاستراتيجية مما دفع إيران للمساهمة مع اللواء الإسلامي في الحرب ضمن الأربع عشرة دولة التي جندت في مواجهة الاتحاد السوفياتي وليس المجاهدين الأفغان والمسلمين العزل وحدهم؛ فمن دون حرب طويلة لا يسندها المال والسلاح وكل التسهيلات الأخرى لسفر المقاتلين وإعلام موجه لم تكن العملية سهلة أبدا. ومع انسحاب السوفيات ٥٨٩١ وانتهاء الحرب الإيرانية العراقية ٨٨٩١ رأينا كل المشاهد الطائفية كيف خرجت من مكامنها وعاد الشيطان الأمريكي وحلفاؤه يلعب بأوراقه العرقية والطائفية، ووجدت الأنظمة نفسها مثل حطب الشطرنج بعد انهيار نظام صدام مهددة من كابوس الطائفية المدعومة بوجهين إيراني وأمريكي وعربي، غير أن الطائفة الواعية أدركت أنها تحل مشكلتها الداخلية وحدها دون تهميشها وطنيا وهي ترفض الانصياع خلف الأجنبي. ذلك الولاء الحقيقي للوطن ينبغي أن يتعزز بالولاء لنظام الحكم وشرعيته الدستورية ولكنه الولاء يبقى مشروطا بالحقوق والشراكة في مواطنة حقيقية وحياة أفضل. فكيف ننجح في الانتقال في عهد الإصلاح من تجذر شعور الغبن لماض طويل إلى شعور الاستقرار في وطن يقدم عدلا لكل أبنائه لكي تصبح المواطنة لها معنى حيا يفعّل مواد الميثاق ودستورنا. ]هل لدينا أعداء خارجيون؟ لا يجوز دفن رؤوسنا بنهج نعامة دبلوماسية ونجيب نفيا، لا يوجد ذلك العدو الخارجي المحتمل، وقد كان تقلبات ومزاج صدام العقائدي درسا قوميا مؤلما فهل يستقر شعور الأمان في بلدان مجلس التعاون من تزايد التسلح الإيراني، وتلويحه عبر قنوات أخرى تمثل واجهته بالتهديد مستخدما المنطق القديم / الجديد في حقوقه التاريخية. هذا الخوف الكامن يجد له مرتعا لدى من تملكتهم نعرة الطائفية في الداخل، وتعززت لدى مجموعات أخرى كلما شعرت بالتمييز المستمر دون معنى. فكيف ننجح في قطع الجسور الداخلية مع حالة المخاوف الخارجية من وجود عدو خارجي؟ قصائد الولاء المستباحة لحظتها غير مجدية ولا أقنعة المسرح تصبح ذات معنى؛ ففي لحظات الحرب والغزو تتكشف المرجعيات وتنهار قيم الولاء بل وتصبح لحظتها نمطاً من الصراع بين ولاء حقيقي وولاء مصطنع.
صحيفة الايام
6 ابريل 2008