­

المنشور

الأنظمة العربية والتنظيمات الإسلامية والديمقراطية

تطرقنا في مقالة سابقة إلى الديكتاتورية المخملية والديمقراطية المستأنسة في الوطن العربي، وما يتمخض عنهما من سعي هذا النظام العربي أو الآخر إلى اقناع الرأي العام المحلي والرأيين العربي والعالمي بشرعية ديمقراطيته وحقيقة تداعياتها، وجدية مفاهيمها. ولكن هذه الديمقراطية بمختلف أبعادها ما لبثت ان كشفت عن عيوبها ونواقصها وهشاشتها وتهميشها، بقدر ما بدت تلك الإصلاحات جلية بصورها الشكلية والترقيعية.. وبالتالي تظل ديمقراطية معظم هذه الانظمة العربية شكلية ومستأنسة اتسمت بالتجميل السياسي.. ويبقى القول صحيحا بهذا الصدد: إنه حينما سعت الانظمة العربية الى تهميش الديمقراطية لشعوبها ومجتمعاتها، فان ثمة جهة أخرى قد أساءت الى هذه الديمقراطية.. التي نحن بصدد تناول أساليبها وسياساتها في سياق مقالتنا هذه، التي هي تكملة لمقالتنا السابقة.. هذه الجهة هي قوى تيار الاسلام السياسي، التي نحن بصددها، توضح الحقائق التاريخية، وما تكشفه الوقائع المجتمعية، أنها من خلق وصنيعة الانظمة العربية والخليجية أصلا.. منذ بداية لجوء هذه القوى الاسلامية وخاصة قوى تنظيم الإخوان المسلمين في مصر الى مختلف الدول الخليجية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. وتأتي فترة حكم أنور السادات في جمهورية مصر العربية في عقد السبعينيات لترسخ وجودهم.. بحيث ان السادات فتح أمام هذه القوى الاسلامية الابواب على مصاريعها، والاعتراف بأحزابها وتنظيماتها الاسلامية المحظورة في عهد الزعيم جمال عبدالناصر.. ومن ثم اعطاؤها مساحات كبيرة من الحريات العامة.. ولعل تحالف نظام السادات مع هذه التنظيمات الاسلامية جاء من أجل ضرب قوى التحرر المستنيرة من الانتماءات اليسارية والماركسية، التي أدخل السادات قياداتها السجون والمعتقلات وفي مقدمتها نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر (علي صبري). إن مبادرة الانظمة العربية إلى دعم قوى التيارات السلفية وتجييشها للذهاب إلى أفغانستان في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي لمحاربة الاتحاد السوفيتي هناك، جاءت لتعبر عن تكامل السياسة الرسمية للأنظمة العربية في دعم تيار الاسلام السياسي بمختلف المراحل التاريخية للمجتمعات العربية.. غني عن البيان ان مساندة الانظمة العربية لأحزاب وتنظيمات تيار الاسلام السياسي (سياسيا وماديا ومعنويا واعلاميا) قد أدت بهذه القوى الاسلامية سواء في جمهورية مصر العربية أو سائر الدول العربية والخليجية في نهاية المطاف إلى ان تستحوذ على بعض المؤسسات والوزارات الرسمية.. وتبوأت هذه القوى الاسلامية أعلى المناصب، وبالاخص وزارات التربية والتعليم والمؤسسات التربوية والاعلامية، ليس هذا فحسب ولكن أيضا حصول هذه القوى من تيار الاسلام السياسي على كامل الدعم المادي من الحكومات العربية والخليجية، التي خصصت لأحزابها وتنظيماتها تلك الميزانيات، لعملية الانتخابات البرلمانية والبلدية ومختلف الانتخابات المحلية.. حتى استطاعت هذه القوى الاسلامية بالمال السياسي الوصول الى مجالس البلديات والبرلمانات.. وبالتالي هيمنتها الكبيرة بأصواتها الغالبة لمختلف قضايا المساءلة والتشريع والمحاسبة، والقضايا المتعلقة بالحلال والحرام والاختلاط والحشمة وفصل الجنسين واغلاق المحال في يوم الجمعة. ولكن لسان حال الانظمة العربية قد ينطق اليوم بالقول أسفا وندما.. لدعم ومساندة قوى تيار الاسلام السياسي بالامس.. حيث إن هذا الاسف لا يشفع لأخطاء هذه الحكومات.. وان ذاك الندم قد لا يصلح ما أفسدته الانظمة العربية.. وعلى بالرغم من حدوث المناوشات والصدامات الظاهرة على السطح ما بين الحكومات العربية وما بين المعارضة الاسلامية، وصراع السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية التي يهيمن عليها معظم الاسلاميين.. فإن ثمة اجراء صفقات ووضع خطط واستراتيجيات ما بين الطرفين، قد يجرى تنظيمها من تحت الطاولات وما بين الكواليس وأروقة المجالس الخاصة، بحيث توظف لصالح الطرفين وتخدم الطرفين.. طالما ان الطرفين يلتقيان في بوتقة الانماط الفكرية والتقاليد والاعراف البطريركية المشتركة. من هذا المنطلق نستطيع القول: انه بقدر ما همشت الحكومات العربية (الديمقراطية).. فان تيار الاسلام السياسي قد شوه هذه الديمقراطية، وأساء الى مفاهيمها.. ويكفي القول بهذا الشأن: إنه حينما سعت الحكومات العربية الى اضفاء الشرعية على ديمقراطيتها المتسمة بالديكور السياسي، فان قوى تيار الاسلام السياسي توجهت وتتوجه الى خداع الكثير من الناخبين العفويين ومن الناس البسطاء، عبر نزول هذه القوى للانتخابات التشريعية والبلدية، بالشعارات الدينية والعاطفية، ومن خلال المساعدات العينية والمادية الترقيعية، ومحاولات هؤلاء المترشحين الاسلاميين بث نبع الحماسة ظاهريا في نفوس ناخبيهم من أجل كسب أصواتهم.. في الوقت الذي يتخذ فيه هؤلاء الاسلاميون موقفا عدائيا للديمقراطية.. بل جرموها وحرموها باطنيا وظاهريا. ويبقى القول الملح أيضا: ان محاولات هذه الحكومات العربية الالتفاف، الامر الذي تظل فيه مؤسسات المجتمع المدني مهمشة ومغيبة.. فان أحزاب وتنظيمات تيار الاسلام السياسي تظل (تابعا لمتبوع) بإمرة ووصايا المرجعيات الدينية والمعتمدة النصوص والثوابت والاسباب الشرعية، بقدر ما هي قائمة على الخلافات المذهبية والصراعات الطائفية، بحسب اختلاف فرقها الاسلامية ومللها الدينية.. ومن هنا فان هذه التيارات الاسلامية تصيب الديمقراطية في مقتل، وتلحق بالتعددية والحرية الفكرية في مكمن. غني عن البيان انه بقدر ما اتسمت صياغة الانظمة العربية الرسمية بنظام الحزب الواحد الحاكم أو نظام حكم الفرد، فان تنظيمات تيار الاسلام السياسي قد كشفت عن سياساتها الديكتاتورية، وذلك خلال تشكيل ميليشياتها العسكرية، وخاصة ما بين صفوف طلبة الجامعات، ناهيك عن سعي هذه التنظيمات على طول الساحة العربية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، والقاعدة الطالبانية، الى ترهيب المجتمعات المدنية والمدنيين الابرياء.. أضف الى ذلك التهديد والتشهير والتكفير بالمفكرين والمعارضين الديمقراطيين والتقدميين والماركسيين. إذًا نستجلي الحقائق الخالصة في نهاية المطاف من ان النظام العربي الرسمي وتنظيمات تيار الاسلام السياسي يمثلان وجهين، لتهميش الديمقراطية، والضحية بالتالي هي الشعوب الرازحة ما بين مطرقة الانظمة الاوتوقراطية وسندان تنظيمات تيار الاسلام السياسي.
 
صحيفة اخبار الخليج
4 ابريل 2008