حدثتني زميلة عن حوار دار بينها وبين مثقف عربي كان في زيارة لمنطقة الخليج للمرة الأولى. قالت إنه أبلغها باندهاشه لما رأى من تطورات،لكنه قال ما معناه إنكم شعوب مرفهة نزلت عليها النعمة بالصدفة ولم تحسنوا التصرف فيها، لأنه يعتقد أن المظاهر الخارجية الجميلة والمبهرة لا تعكس وعياً ولا تقدماً حقيقياً. قالت الزميلة إن كلامه لم يرق لها وإنها حاججته من زاوية أنه من الاستخفاف النظر إلى أهل الخليج هذه النظرة البائسة، وإن افتراض مجتمعات الخليج مجتمعات خالية من الهموم والمشاكل المعيشية والاجتماعية افتراض بعيد عن الواقع، لأن أشكال تجليهذه المشكلات إنما يتخذ لدينا صوراً أخرى مختلفة عن تلك التي تتجلى بها في البلدان الأخرى. وأضافت: ثم، لماذا الحديث عن الثراء في الخليج وحده. إن حياة الشرائح المرفهة في البلدان العربية الأخرى لا تقل استعراضية ومظهرية وبذخاً عن حياة أثرياء الخليج، وإن النمط الاستهلاكي قد عم المنطقة العربية كلها في العقود القليلة الماضية وإن كان بنسب مختلفة، وإن هذا النمط يتمظهر هنا كما يتمظهر هناك وإن هذه القسوة في النظرة إلى الخليج وأهله ليس بها ما يبررها، خاصة حين لا يجري الالتفات الكافي إلى أن في الخليج، كما في البلدان العربية الأخرى، ثقافة وفكراً وفناً.. الخ. في هذا الرأي عناصر صحة كثيرة، بل لعله قد يكون صحيحاً في إجماله، لكن هذا القول يجب ألا يصرفنا عن الانتباه إلى أننا مسؤولون بمقدار، لا أظنه قليلاً، عن الصورة النمطية المشوهة لدى بعض أشقائنا العرب عنا. علينا الاعتراف أولاً بأن حجم التغيرات التيشهدتها بلداننا التي جاءت على شكل طفرة أو فورة فيها من العفوية الشيء الكثير، قد أحدثت هزة نفسية وقيمية عميقة في نفوسنا، وإن مجرد عقد المقارنة بين الأجيال السابقة والأجيال الجديدة كافياً ليرينا أن الجيل السابق كان أكثر توازناً وتواضعاً وانسجاماً مع محيطه ونفسه من الجيل الجديد الذي اعتاد على الخدمات السهلة التي تقدم له دونما عناء، وتكونت لدينا سيكولوجيا مرضية قوامها التظاهر والمباهاة والاستعلاء التي تخفي للأسف خواء وسطحية. من المفهوم ألا ترضينا الصورة السلبية القائمة عنا لدى بعض أشقائنا، ولكن المطلوب أن نعمل نحن على تبديد العناصر التي خلفناها بأيدينا في تكوين هذه الصورة بأن نقيم مجتمعات مؤسساتية حديثة، وأن نهتم بإيجاد تعليم عصري ينمي الشعور بالمسؤولية الوطنية، وأن نتوجه نحو بناء شخصية متوازنة لا يصرفها حاضرها عن التبصر في تبعات غدها حينما لا تعود الثروات بنفس الحجم وبنفس العوائد.
صحيفة الايام
2 ابريل 2008