المفكر العربي عبدالفتاح كليطو الذي وضع كتاباً نقدياً مهماً عن حكايات “ألف ليلة وليلة”، قال انه كان يرد على أسئلة طلابه في الجامعة حينيطلبون منه أن يحدد بين عدة ترجمات لهذه الحكايات إلى اللغة الفرنسية كي يقرأوها، بأن يطلب منهم قراءة كل الترجمات، منطلقاً من فكرة أن كل ترجمة تحمل مغزى معيناً أو دلالة معينة قد تختلف عن الثانية، وإن تعدد هذه الترجمات كل بوجهة نظر، لا يسيء إلى النص الأصلي، إنمايساعد على التعرف إلى روحه. وبالتالي فإن قراءة عدة ترجمات للنص الواحد تبعث على إثراء البصيرة، لأنها تسمح بقراءة هذا النص في أعين كتاب مختلفين. وهذا يرتقي بالترجمة إلى مثابة إعادة إنتاج فكرة الكاتب الأصلي، لأن البحث عن دلالة المفردة في اللغة الأصل والبحث عن مقابل لها في اللغة التي نترجم إليها، تقدم أيضاً ثقافة المترجم وعدته اللغوية والفكرية، خاصة إن الترجمة تضع المترجم أحياناً أمام مآزق أبعد عن أن تكون ذات طبيعة لغوية صرفة، وإنما تنطوي كذلك على مضمون فكري. تحدث أحدهم عن عبارة “أما بعد” التي ترد في المراسلات العربية أو حتى في مقدمة النصوص العربية المختلفة بعد الانتهاء من المقدمة أو الديباجة تمهيداً للدخول في الموضوع، ملاحظاً أن هذه العبارة حتى في اللغة العربية ذاتها، أي في لغة الأصل، تحمل دلالات مختلفة وتفرض مقاربات مختلفة، فهي أبعد ما تكون عن البساطة أو التبسيط. إن المترجم هنا سيوظف عدة لغوية – فكرية – ثقافية في البحث عن المعنى التقريبي ولا نقول الحرفي للكلمة. خلاصة القول، إنه إذا ما تجاوزنا الترجمات الرديئة التي يقدمها بعض الهواة، فإن الترجمة، في العمق، أبعد ما تكون عن النقل الميكانيكي لفكرة أو موضوع. إنها بالدرجة الأولى تَمثلُ وهضم واستيعاب للنص موضوع الترجمة ثم إعادة تقديمه وفق رؤية تعكس ثقافة المترجم. وليس أدل على ذلك من شروح ابن رشد على نصوص أرسطو. إن ابن رشد لم يكن مترجماً بالمعنى المتداول، حين ترجم أرسطو إلى العربية، أنه كان منتجاً للمعرفة، كان فيلسوفا يقدم أطروحات فلسفية جديدة، يقدم إضافة، ولا يقدم أرسطو بالعربية، إنه يقدم أرسطو “العربي”، والفرق كما تلاحظون كبير.
صحيفة الايام
1 ابريل 2008