لقد كان لندوة “الصفوية – خلفية تاريخية” للباحث د. عيسى أمين بالمنبر الديمقراطي التقدمي بتاريخ 9/3/2008م الأثر البارز لتصحيح إحدى أهم المفاهيم الخاطئة المتداولة حاليا في الساحة العربية والتي تصب في وعاء الطائفية وشق التآلف الشعبي والصف الوطني، وبما أن هذه النظريات والأفكار ليست وليدة هذه الأيام، بل إنها تطفح إلى السطح في أوقات الأزمات والقضايا الكبرى عندما تفلس أشد القوى رجعية وتعصبا في التعايش مع مجريات الأمور، وإن بدت تلك الصورة قاتمة إلا انه لا يجب سكب المزيد من الزيت على النار. فبينما يعاني القسم الأعظم من الشعوب العربية بجميع فئاتها وأطيافها من شغف العيش والمشاكل المحدقة، نرى البعض يتلذذ بطرح قضايا وأمور من التي تزيد الطين بله. بحسب السرد التاريخي والذي تقدم به الباحث في ندوته حول فترة حكم الصفويين في إيران الذي امتدت ما يقارب 300 سنة، إلا انها ليست بتلك الحقبة التاريخية العظيمة التي يمكن الحديث عن الانجازات الكبرى في تاريخ بلاد “فارس”، حيث تلك السلالات تمتد من الفترة “الزرادوشيقه” سنه 551-688 قبل الميلاد حتى الثورة الإيرانية سنه 1979. وعليه فقد فند الباحث أية علاقة بين الصفوية وما يتداول حاليا على الساحة من أن هناك شيعة صفوية، تكيد وتدبر وكذلك وصف مجاميع الشيعة بإيران والعراق بالصفوية. والحقيقة أن الصفوية لـ”حقبة تاريخية” قد انتهت ولا تتصل بمجريات الأمور في الوقت الحاضر، وهي ليست فكرة نظرية أو فلسفية بقدر ما هي إدارة شئون البلاد في فترة زمنية غابرة. بينما المقصود من طرحها في الوقت الحاضر ما هو إلا لتأجيج الانشقاق الطائفي بين الشيعة والسنة في الوطن العربي بشكل انتهازي مستغلة الأوضاع الحالية في المنطقة وتحديدا في إيران والعراق. صحيح أن لإيران مصالح “جيوبوليتيكية” أو إقليمية في المنطقة وهذا ليس خافيا على أحد ولا يمكن التستر علية وذلك بدعمها إلى حزب الله اللبناني والنظام السوري وحركة حماس في فلسطين وما إلا ذلك. كما إن أطراف لها ثقل بالمنطقة ترى ذلك بمثابة مخالب للنفوذ الإيراني، والنفوذ السياسي بالدرجة الأولى ولتحصين النظام تسعى لنقل الصراعات إلى أماكن أخرى لمواجهة النفوذ الأمريكي. وعليه فإن مشروع إيران الإقليمي – وإن كان صحيحا – فإن نعت الشيعة بما يسمى “بالصفوية الجديدة” سيكون تأثيره كارثيا على الرأي العام. وصحيح كذلك أن هناك أطراف وقوى لا ترى في توجه السياسة الإيرانية على أنها تصب في مصلحة شعوب المنطقة بقدر ما هي تلبية لأجندة قوى وأوساط في القيادة الإيرانية، وإلى جانب ذلك هناك أطراف أخرى من حكومات وتنظيمات تعمل على بقاء الوضع على ما هو علية وإن أي تبدل في ميزان القوى ليست في صالحها. هذا ما يثبت أن هناك صراع “جيوبوليتيكى” وليس صراع طائفي بأي شكل من الإشكال وما وصف ذلك بالصفوية سوى لإستدراج قطاع واسع من الجماهير وتشويش الحقائق والذي لا يمكن إن يصب في مصلحة الجماهير الكادحة في الوطن العربي بل لبث الروح الشوفينية والعداء بين بعضها البعض. وعبر التاريخ هناك أمثلة كثيرة روجت لأفكار طائفية وعنصرية وشوفينية في فترات وصلت بها تلك القوى إلى حافة اليأس وفقدان كل مقومات العقل، مثلا إبان حركة التحرر الوطني والمد الاشتراكي كانت سوريا تحتضن المناضلين وتقدم لهم الدعم وكذلك كانت تلعب دورا فعالا في مناهضة الإمبريالية. وكان الحكم في سوريا آنذاك يوصف بالحكم الأموي!! ومن قبل نفس هذه القوى ولكن بتغير زمني والفرق أنها كانت من دون أية رصيد جماهيري آنذاك، عكس ما نراه الآن حيث الجماهير واقفة تحت تأثير هذه الايدولوجيا بشكل كبير. وعليه فإنه مطلوب من جميع القوى وفئات الشعب بكل طوائفه ومكوناته ألا يسمحوا لهذه الأفكار بأن تمر مرور الكرام، بل تسعى إلى تبيان الحقيقة وكشف المآرب من ورائها.
خاص بالتقدمي