مصطلحات من نوع: “الاستهلاك”، “المجتمع الاستهلاكي”، “ثقافة الاستهلاك” أصبحت تدخل بقوة في كثير من كتاباتنا وندواتنا ومناقشاتنا العامة، أحياناً بوعي بما تحمله هذه العبارات من معان وأبعاد، وأحياناً بمجاراة وتكرار لعبارات أصبحت سائدة أو متداولة بكثرة في السنوات الماضية. والواقع أنه أمر حسن في كل الأحوال أن ندرك أننا أصبحنا مشمولين بهذا التيار الاستهلاكي الواسع الذي يجتاح العالم، بل إن مجتمعات الخليج، بوصفها أسواقاً مفتوحة، هي نموذج ممتاز لدراسة سلوك الاستهلاك و”الثقافة” أو نوع الوعي الذي ينتجه على مجتمعات فتية هي بالكاد في صدد تكوين شخصيتها في أعقاب “انقلاب” اجتماعي وقيمي عاصف شهدته هذه المجتمعات تحت تأثير العوائد المالية الكبيرة واندماج هذه المنطقة بقوة في الاقتصاد العالمي بسبب استراتيجية السلعة التي تنتجها، أي النفط، والتي جعلت من راهن ومستقبل المنطقة مكونا من مكونات الاستراتيجية الأمينة والعسكرية للقوى الدولية النافذة المعنية. وسط هذا التداول الواسع للمصطلحات آنفة الذكر، لا تخطئ العين بعض مفاهيم تنزلق نحو الاحتفاء المبالغ فيه بالرفاه الذي تحقق في المنطقة، وهو رفاه حقيقي وملموس في كل مجال من مجالات الحياة، لتنسى التعقيدات الكثيرة التي ينطوي عليها تعميم سلوك وثقافة الاستهلاك. نقول ذلك وفي ذهننا ان في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أو حتى في أوروبا الغربية اللتين تتحدثان عن التحول نحو مجتمع الرفاه منذ الستينات تنطلق الشكوى من الخراب الذي يجره هذا التعميم على العالم الروحي للإنسان وعلى الثقافة وحتى على فسحة الحرية، بحيث يصبح الناس عبيد للسلعة، وهذا شكل مموه، وغير مسبوق من أشكال العبودية. والفارق بيننا وبينهم كبير. صحيح أنهم يعيشون في مجتمعات استهلاكية، ولكن هذه المجتمعات هي مجتمعات إنتاجية في المقام الأول، وهي حتى في استهلاكنا الباذخ إنما نستهلك ما تنتجه، ولكننا إذ ننصرف، مجبرين، نحو الاستهلاك، فإننا نستهلك بشراهة ما نستورده منهم، وإننا نعيد ضخ الأموال التي أخذناها منهم إليهم مرة أخرى. لا بأس – إذاً – لو تذكرنا أن ما نشتريه من سلع وإن كان يجعل حياتنا أسهل وربما أجمل، فإنه لا ينتج من أجل سواد عيوننا، أو من أجل أن نوفر الوقت ونريح ونرتاح، إنما لأننا ندفع مقابل كل ذلك ما هو جدير وما هو غير جدير. وذات مرة قال أحد مديري شركة جنرال موتورز: “يجب ألا تنسوا أن الهدف الأخير لنا ليس إنتاج السيارات، بل إنتاج أكبر قدر ممكن من الأرباح”. لعله بذلك أوجز القول.
صحيفة الايام
31 مارس 2008