استكمالا للملف الإيراني من خلال نتائج انتخابات مجلس الشورى الأخير (البرلمان) وما يمكن تسميته بـ ‘المعضلة الإيرانية’ التي اتخذت أبعادا إقليمية ودولية، تحولت إلى هاجس مقلق في الساحتين الإقليمية والدولية، سواء كان ذلك بسبب طموح النظام الإيراني للحصول على الطاقة النووية أو لنفوذه المتوسع والمتسارع، ليس في محيطه الإقليمي (الخليج والعراق) بل في المحيط العربي الأوسع إلى درجة أن الحضور الإيراني بات أقوى من الحضور العربي في مؤتمر القمة العربية المنعقد يوم أمس في العاصمة السورية ‘دمشق’، والذي سيدخل السجل العربي كأضعف مؤتمر قمة عربي على الإطلاق من زاويتي التمثيل والانقسام. لقد تجسد الصراع على السلطة في إيران من خلال هذه الانتخابات المثيرة للجدل، إلى درجة غير مسبوقة بين الأجنحة المتصارعة على النفوذ السياسي وهامش البحبوحة الاقتصادية لقلة قليلة من الصفوة المتميزة، القابعة على رأس الهرم الاجتماعي في إيران المعاصرة مقابل الغالبية الساحقة من السكان التي تعاني من وضعٍ مزرٍ نتيجة؛ التضخم، غلاء المعيشة، البطالة، الرشوة، والفساد المالي والأخلاقي. نلاحظ بوضوح كيف تستميت الأجنحة المحافظة للقوى المهيمنة بمختلف السبل للمحافظة على مكاسبها بعد أن سيطرت كليا على جميع مفاصل النظام التشريعية والرئاسية والقضائية وغيرها ولا تتنازل حتى شبرا واحدا لحلفاء الأمس المسميين بالإصلاحيين، ناهيك عن أي معارض خارج اللعبة من القوى غير الإسلام السياسي، عسى أن لا تتكرر ظاهرة ‘خاتمي’ مرة أخرى، ولكن رغم هذا التهميش المنهجي – غير القانوني- للإصلاحيين، الذين أبوا إلا أن يشاركوا ولو جزئيا، بسبب استبعاد المئات من قوائمهم، معتبرين المقاطعة- في أي ظرف – انتحارا سياسيا من باب أن التواجد الجزئي أفضل من عدمه. أما منتقديهم من المعارضة فقد اعتبروا مشاركة الإصلاحيين كصك الغفران للنظام، بل إن المشاركة بمثابة انتحار سياسي للتيار الإصلاحي برمته. دخلت إيران بهذه الانتخابات مرحلة جديدة من الاستقطاب المجتمعي، الذي يعكس مصالح متباينة تمثل أجنحة محافظة متعددة؛ متزمتين (نجاد) وبرغماتيين (قاليباف/ لاريجاني) وواقعيين.. الخ، الذين حصلوا مجتمعين على الغالبية المطلقة (أكثر من 70%) في الوقت الذي حصل فيه الاصطلاحيون والمستقلون، بتلاوينهما المختلفة على نسبة معقولة – غير متوقعة – وصلت 20%، قد تزيد بعد انتخابات الإعادة والتكميلية في 18/22 ابريل/ نيسان المقبل. يجب هنا ملاحظة معلومة مهمة وهي أن الفرق بين النسبتين هي الأوراق الباطلة، تشكل جُلها أوراقا بيضاء، وبالطبع لا يمكن الركون كثيرا على التقارير والأرقام الرسمية، المبالغة/ المتضاعفة ولا على تقارير خصوم النظام، الذين لابد أنهم يقللون من نسبة المشاركة.. ولكن هناك مؤشرا واحدا يبدو اشد الوضوح وهو نجاح المقاطعة النسبية، التي تجسدت في أكبر وأهم دائرة انتخابية وهي العاصمة، حيث كانت نسبة المشاركة أقل بكثير من 30%، إضافة الى ان نسبة الأوراق الباطلة في عملية الاقتراع اقتربت من 10% والتي قد تكون جُلها- ان لم يكن كلها – بيضاء اعتراضية. لا احد يعرف بالضبط طبيعة الاستقطاب للصراع السياسي المنتظر في المجلس المقبل.. هل سينضم الجناح المحافظ البرغماتي إلى الإصلاحيين والمستقلين ضد الجناح المحافظ الحاد المهيمن بقيادة رئيس الجمهورية ‘نجاد’، لتتشكل أغلبية مريحة تمكنها من البت في الأمور والملفات المعلقة (المحلية/ الإقليمية/ الدولية) بشكل واقعي، ذي آلية الكرّ والفرّ، بمنأى عن المجابهة والتصعيد ضد الغرب والاعتدال العربي الرسمي؟. أم أن المحافظين سيتحدون بتلاوينهم المختلفة ويختارون لغة المجابهة والتحدي الخارجي والقمع الداخلي؟. لا أحد يتمنى حدوث السيناريو الأخير- مستبعد برأيي- الذي يعني عملياً انفجارا كارثيا للمنطقة برمتها، وجحيما سوف يحرق الأخضر واليابس.
صحيفة الوقت
30 مارس 2008