مهما اختلفنا مع الاستنتاج النسبي: المثقفون يتكلمون ولا يقرؤون فان هذا الرأي في عالم القراءة غذاء الروح والعقل يلامس الحقيقة رغم القراءات العديدة والمتنوعةالتي يمتاز بها بعض المثقفين في البحرين وخاصة اولئك الذين لهم اسهامات ادبية وفنية وعلمية وتراثية، وكذلك الذين لهم اهتمامات المتابعة والمطالعة والبحث من ذوي التخصصات الاكاديمية. وبالتالي فاذا كان هذا الاستنتاج مقتصرا على المثقفين الذين طلقوا القراءة بالثلاث ونقصد قراءة المطبوعات الورقية فانما هذا الحكم يفتقد الى الدقة والموضوعية؛ لان هناك وفي ظل ثورة المعلومات وسيلة حديثة اخرى للقراءة “كالانترنت” تلك الشبكة المعلوماتية العملاقة التي تحتوي على كل ما هو جديد وحديث في عالم المعرفة، ناهيك عن القنوات الفضائية المتخصصة، ولكن هل هذه الوسيلة تحل محل الكتاب الورقي فهذه قضية اخرى شغلت بال الكثير من المثقفين والقائمين على الثقافة ليس في البحرين فقط وانما ايضا في العالم العربي الذي يعتبر في اسفل القائمة على مستوى القراءة!! في السابق رغم الظروف الحياتية الصعبة ورغم الانشغالات اليومية لتأمين لقمة العيش كانت القراءة في عقدي الستينيات و السبعينيات تعيش عصرها الذهبي وكان المثقف البحريني قارئ من الدرجة الاولى في مجالات عدة، الادب والسياسة والاقتصاد والتاريخ، وفضلا عن ذلك كان متابعا جيدا للمجلات الاسبوعية والدورية المختلفة مثل روزاليوسف واليسار والكاتب والمصور وآخر ساعة والهلال والوقت والثقافة الجديدة والاهالي والعربي وادب ونقد والى آخره من هذه الاصدارات التي أثْرت المكتبة العربية بعيدا عن فتاوى الارهاب التكفيرية التي تجيز التجريم والتأثيم والقتل لمثقفي الاستنارة اي بعيدا عن تيار الاسلام السياسي ألد أعداء حرية الفكر والاعتقاد. واليوم لا اظن اننا نبالغ لو قلنا ان القراءة ولاسباب عدة تشهد عزوفا جماعيا بعد ان كانت القراءة هي القاعدة لا الاستثناء مثلما اصبحت اليوم. نعم اليوم الذي اصبحت قراءة بعض المثقفين فيه لا تتعدى عناوين الصحف اليومية وان حرصوا على اقتناء الكتب والمؤلفات الثمينة فان هذه الرغبة ليست الا تكملة لمكتبة المنزل التي تعد لدى البعض تكملة للديكور!! والمثير للدهشة ان هناك من يقرأ مقتطفات من هذا الكتاب او ذاك وبعد النقاش والحوار تكتشف ان هذا المتكلم لم يقرأ اصلا كما هو الحال بالنسبة للذين كفّروا المبدعين والكتّاب والمفكرين!! وفضلا عن هذا وذاك هناك من يمتلك القدرة على الكلام وعلى الاحكام الجاهزة وخاصة فيما يتعلق بالسياسة بعدها يتضح لك ان هذا “الفلتة” ليس الا مجرد “صدى صوت” يردد ما يسمع وما يقال حرفيا دون ان يكلف نفسه عناء البحث والتحليل!! وتبلغ هذه الازمة ذروتها لدى بعض النخب السياسية التي تتبنى قضايا الوطن والمواطن على العموم عالم المعرفة بلاحدود ويخطئ من يدعي المعرفة الكاملة؛ لانها كالبحر العميق والواسع ومهما غرفت منه فان هذا لا يتعدى قطرات صغيرة منه، ولكن وباختصار: لماذا المثقفون يتكلمون ولا يقرؤون؟ سؤال وان اختلفنا فيه بعض الشيء سيظل محط الاهتمام والبحث لدى من تشكل هذه الظاهرة بالنسبة له هاجسا يثير وفي كل الاحوال القلق ومخاوف شتى.
صحيفة الايام
29 مارس 2008