المنشور

هل سنزكي‮ ‬الجهل‮ ‬والتخلف للمجلسين القادمين؟‮!‬

الفسحة النيابية والبلدية الحالية التي‮ ‬أوشكت على مغادرة الكثير من الكلام أو الثرثرة على وجه أصح وأدق،‮ ‬كان اللاعب الأساسي‮ ‬فيها دون هوادة‮ -‬للأسف الشديد‮- ‬هم الناخبون وبعض المثقفين المستنيرين،‮ ‬سواء كانوا منتمين لجمعيات سياسية أو أهلية أو من خارجها،‮ ‬هؤلاء هم من‮ ‬يتحمل مسؤولية كل‮ ‘‬البلاوي‮’ ‬والمصائب و‮’‬اللخبطة‮’ ‬التي‮ ‬تورط الوطن بحبائلها وشباكها الحمقاء وأرجأت الكثير من المشروعات التي‮ ‬كان لها أن تصب في‮ ‬قنوات تبعث الروح في‮ ‬جسد المجتمع وتجدد دمه لولا العراقيل الشرسة التي‮ ‬أهداها الناخبون والمثقفون المستنيرون‮ – ‬بوعي‮ ‬أو دون وعي‮- ‬لمن رشحوهم أو انتخبوهم‮.‬ ‮ ‬هؤلاء هم من‮ ‬يتحمل المسؤولية قبل أي‮ ‬جهة أخرى اعتادوا أن‮ ‬يمتطوها عنوة حين‮ ‬يستبد بهم الفشل في‮ ‬تقدير الأمور أو حين تتعرش المكابرة رؤوسهم فيصبحوا على ما‮ ‘‬ارتكبوا واغترفوا‮’ ‬فاهمين وموقنين،‮ ‬وغالباً‮ ‬ما تكون المطية أو الشماعة‮ ‘‬التقليدية‮’ ‬التاريخية والأزلية‮ -‬حتى وإن تغير الحال‮- ‬هي‮ ‘‬الحكومة‮’ ‬وليس هم أو‮ ‬غيرها على سبيل توزيع‮ ‘‬دوائر‮’ ‬المسؤولية‮!!‬ أقول هم من‮ ‬يتحمل المسؤولية لأن جماهير كثيرة من الناخبين رشحت وانتخبت وروجت بعماء لا مثيل له لمن‮ ‬يقف ضد الحريات المسؤولة ولمن‮ ‬يقف في‮ ‬وجه مصالحها وقضاياها الحيوية والملحة ولمن‮ ‬يستغل قبة البرلمان لمصالحه النفعية الضيقة ولمن‮ ‬يحارب العقل بـ‮ ‘‬ملاليم‮’ ‬الجهل والتخلف والحمق ولمن‮ ‬يعتقد أن أمور الدنيا تحل بالنوايا والورع والتقوى ولمن‮ ‬يخلط بين منبر القانون ومنبر النصيحة ولمن استغل وجوده في‮ ‬البرلمان ليزكي‮ ‬هذا على الإيمان ويكفر ذاك على ما‮ ‘‬كسبت‮ ‬يمينه‮’ ‬من إيمان ولمن‮ ‬يعتقد أن البرلمان لا تعددية فيه لصوت إلا بما انبرى تحت لواء صوته هو ونما في‮ ‬جبته ولمن استثمر الصناديق الخيرية و‮’‬الفاعلين في‮ ‬الخير‮’ ‬للتستر على ما‮ ‘‬ملكت‮’ ‬يداه ولضمان حسابه الخاص ولمن سخر طاقته و‮’‬هيبته‮’ ‬للوقوف في‮ ‬وجه من لا‮  ‬يستطع عليه‮ ‘‬فعلاً‮’ ‬وقانوناً‮ ‬بالحكمة والرؤية الحصيفة والثاقبة ولمن‮ ‬ينتصر للإرهاب باعتباره‮ ‘‬حق‮’ ‬ويدينه متى شاء ذلك أو اقتضى الأمر منه أن‮  ‬يدينه بانتصار خجول قد‮ ‬يكون قليله‮ ‘‬نافع‮’ ‬ولمن‮ ‬ينافح عن أعراف ما قبل الدولة باعتبارها قانون ما قبل الدولة ولمن‮ ‬يشيع‮ ‬غيرته على الدين وكأنه‮ ‘‬وكيله‮’ ‬الأول في‮ ‬البلاد قبل‮ ‬غيرته على كثير مما‮ ‬يتضمنه الدين من منفعة للعباد ولمن‮ ‬يجتهد‮ ‘‬جاهداً‮’ ‬لوأد قانون الأحوال الشخصية واستمرار إشاعة الاضطهاد للمرأة تحت مظلة‮ ‘‬القوامون‮’ ‬عليها باعتبارها ناقصة عقل ودين ومخلوقة من ضلع أعوج وهي‮ ‬التي‮ -‬للأسف الشديد‮- ‬قادته بنسبتها المجتمعية الأكبر إلى قبة البرلمان والبلدي‮ ‬ولمن حرم ويحرم أطفالنا وأبناءنا من حبهم وهوايتهم للموسيقى والمسرح والفنون في‮ ‬الروضات والحضانات والمدارس بل ويجبر ذوي‮ ‬الشأن على تحريم مثل هذه الفنون في‮ ‬هذه البيئات التربوية لأنها مكروهة أو رجس من عمل الشيطان وإذا شاء استضافها لتخدم لفترة مؤقتة أو مستمرة أغراضه ومراميه الخاصة‮. ‬ولتكون ضد المخيلة والإبداع والتفكير ولمن‮ ‬يستثمر قاعدته المذهبية العريضة فيشيع في‮ ‬واسع الأرض وضيقها مراكز وفروع لتدريس أسس وأصول مذهبه هو وكما لو أن المدارس والمعاهد التي‮ ‬تلتقي‮ ‬في‮ ‬فيئها كل الأطياف ووفق منهج مشترك‮ ‬غير قادرة على استيعاب ما‮ ‬يذهب إليه أو كما لو أنه حسم سلفاً‮ ‬بأن لا رؤية في‮ ‬هذا الشأن تأتي‮ ‬في‮ ‬سياق استراتيجي‮ ‬مشترك إلا بما ضمن انتشار هذه المراكز والفروع كضرورة‮.‬ لا بد منها للحصانة من‮ ‘‬نبذ‮’ ‬الطائفية،‮ ‬ولمن‮ ‬يترك شؤون الناس ومطالبهم في‮ ‬سبيل الترويج لنفسه لانتخابه مجدداً‮ ‬للمجلسين القادمين عبر فتح دورات رياضية أو مدرسية مؤقتة أو تنظيم‮  ‬رحلات ترفيهية أو التصدق على أبناء دائرته ببعض ما جادت‮ ‬يداه أو‮ ‘‬أيادي‮’ ‬الجهة التي‮ ‬تقف خلفه ببعض الكراريس والأقلام والحقائب للعام الدراسي‮ ‬الجديد وكما لو أنه‮ ‬يقر سلفاً‮ ‬بمشكلة ما تذكرها في‮ ‬الربع الأخير من انتهاء صلاحية مدته‮.. ‬و‮.. ‬لمن أشكو والشكوى لغير الله مذلة؟‮!‬ إزاء هكذا حال،‮ ‬هل‮ ‬يمكننا أن نقر بأن هذا النوع من الجماهير الناخبة والمرشحة كان مصيباً‮ ‬في‮ ‬اختياره لمن رشح وانتخب؟ وهل ستعيد هذه الجماهير الكرة في‮ ‬ترشيح وانتخاب مثل هذا النوع من‮ ‘‬البلاء‮’ ‬في‮ ‬المجلسين القادمين؟ أتمنى وليس على المتمني‮ ‬حرج،‮ ‬أن تعيد هذه الجماهير النظر فيمن تنوي‮ ‬ترشيحهم أو انتخابهم في‮ ‬المرة القادمة والله من وراء القصد‮.‬ الطامة الكبرى،‮ ‬سلبية بعض من أعني‮ ‬من المثقفين‮ ‘‬المستنيرين‮’ ‬ممن ترشحوا للمجلسين ولم‮ ‬يحالفهم الحظ أو ممن لم‮ ‬يترشح،‮ ‬فالمرشحون الذين لم‮ ‬يتأهلوا للحظوة بمقعد في‮ ‬المجلسين،‮ ‬بمجرد إعلان النتائج طووا خيامهم وانضووا في‮ ‬عزلتهم وكما لو أن‮ ‬يوم عدم‮ ‘‬موفقيتهم‮’ ‬هو‮ ‬يوم إعلان موات الحراك المجتمعي‮ ‬في‮ ‬المملكة،‮ ‬وبدل أن‮ ‬يزاولوا نشاطهم المجتمعي‮ ‬لتعرية ما‮ .‬قد‮ ‬ينجم عن‮ ‘‬الموفقين‮’ ‬من إشكالات وعواقب قد تقود المجتمع برمته إلى هاوية التخلف انكفؤا على نفسهم وراحوا‮ ‬يتفرجون،‮ ‬وعليه من حق أي‮ ‬ناخب أن‮ ‬يدين مثل هذا النوع من المترشحين المثقفين‮ ‬ويكشف سلبياتهم ويمتنع في‮ ‬دورات قادمة عن انتخابهم أو ترشيحهم،‮ ‬وللأسف بعض المترشحين ممن لم‮ ‬يوفقوا‮ ‘‬وهبوا‮’ ‬أصواتهم وبحماس شديد لمن‮ ‬يقف ضد البرلمان وضد القانون والدستور ولمن‮ ‬ينبري‮ ‬تحت مظلة المؤسسات الدينية المتطرفة نكاية في‮ ‬مترشح آخر من نفس منطقتهم و‮’‬حواريهم‮’ ‬قد‮ ‬يكون أقرب إليهم من ذلك النائب الذي‮ ‬وهبوه أصواتهم، والطريف في‮ ‬الأمر وقوع مثل هؤلاء في‮ ‬يقظة عابرة حين استفحل خطاب بعض المثقفين المستنيرين ضد من وهبوه أصواتهم،‮ ‬فراحوا‮ ‬يدينونه ويهاجمونه و‮’‬حشر مع الناس عيد‮’ ‬وكأنهم لم‮ ‬يكونوا بالأمس ممن ناصروه‮!‬ مثل هؤلاء من المثقفين هل‮ ‬يعول عليهم مستقبلاً‮ ‬في‮ ‬تبني‮ ‬قضايا أبناء دائرتهم أو مجتمعهم؟ أليسوا أقرب حالاً‮ ‬من الأخوة الذين تفتحت أعينهم بغتة في‮ ‬النزع الأخير ليفصحوا عن حكمتهم المؤجلة والتي‮ ‬قد تزكيهم لإحدى مقاعد المجلسين؟ أليس ذلك المسلك المضطرب‮ ‬ينم عن إشكالية خطيرة في‮ ‬الوعي‮ ‬يعاني‮ ‬منها هذا النوع من المثقفين؟‮!‬ الطامة الثقافية الأخرى‮ ‘‬تتجلى‮’ ‬في‮ ‬بعض مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬المستنيرة،‮ ‬والتي‮ -‬للأسف الشديد‮- ‬لا‮ ‬يعرف بعضها من‮ ‬يرشح أو‮ ‬ينتخب أو‮ ‬يختار للمجلسين القادمين ولكنه مستعد لأن‮ ‬يتبنى أصواتاً‮ ‬أخرى من خارج مؤسسته ويعد لها حملته الانتخابية،‮ ‬أليست تلك المفارقات تنم عن مشكلة‮ ‬يعاني‮ ‬منها جسد هذا النوع من المؤسسات؟ وهل‮ ‬يستطيع الجسد المشلول الذي‮ ‬لم‮ ‬يتمكن بعد من تشكيل رؤيته المجتمعية واختيار بعض العناصر الناشطة في‮ ‬مؤسسته للترشح للمجلسين القادمين قادر على حماية شلو من أشلائه المبعثرة والهزيلة والواهنة؟‮ أعتقد أن أول من‮ ‬يساهم في‮ ‬تزكية وتأكيد وتفعيل دور من‮ ‬يقف ضد البرلمان وضدهم هم هذا النوع من المؤسسات وهم من سيساهم في‮ ‬يأس الناخبين منهم وهم من سيساعد على تطويل عمر التخلف في‮ ‬مجتمعنا وهم من تقع على عاتقهم مسؤولية إرجاء فاعلية المشروع الإصلاحي‮ ‬وعدم ثقة الأجيال الحالية والقادمة بهم وهم من سيجعلنا نكفر بالبلدي‮ ‬والنيابي،‮ ‬ذلك أن التصدي‮ ‬لبؤر التخلف والجهل في‮ ‬أي‮ ‬مجتمع هي‮ ‬المهمة الأولى التي‮ ‬ينبغي‮ ‬على مثقفي‮ ‬التنوير تحملها والدفاع عنها وإلا فما حدث في‮ ‬المجلسين السابقين سيتكرر في‮ ‬المجلسين القادمين وربما بشكل أسوأ من السابق،‮ ‬حينها لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نلوم أحداً‮ ‬من الشارع المجتمعي‮ ‬إذا أعلن طلاقه‮ ‘‬المطلق‮’ ‬من هؤلاء المثقفين المستنيرين ومن المؤسسات المستنيرة في‮ ‬المجتمع‮!!.‬
 
صحيفة الوطن
26 مارس 2008