تنظم لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية مؤتمرها الوطني الثاني في التاسع والعشرين من هذا الشهر، وسينصرف المؤتمر لمناقشة قضية الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر الانقسام الطائفي والمذهبي الآخذة في التزايد. ويبدو اختيار القائمين على المؤتمر لهذا الموضوع منسجما مع ما يدور في المجتمع وفي مجلس النواب وفي مؤسسات المجتمع المدني وفي الصحافة من سجالات حول المسألة الطائفية بالذات وانعكاسها على الوحدة الوطنية وعلى المناخ السياسي في البلاد عامة. وليست لدينا أوهام بأن مؤتمراً يستغرق يوما واحدا سيحل مشكلة عويصة بهذا الحجم،تتباين حولها الرؤى، إذا ما غصنا في جوهر الأمور وتخطينا الإطار العام الذي يمكن أن يكون محل اتفاق. ذلك أن الطائفية، وما هو على شاكلتها من عوامل فُرقة، باتت ثقافة راسخة في التفكير الجمعي لقطاعات واسعة، بل إن هناك جمعيات سياسية وتكوينات أخرى في المجتمع ذات طبيعة طائفية ومذهبية ملازمة لها بصورة بنيوية، ويصعب عليها، إن لم يستحل أن تتخطاها، بسبب التركيبة الفكرية والاجتماعية لها. رغم ذلك فأن يتوجه هذا الطيف الواسع من الجمعيات السياسية في البلاد إلى تنظيم مؤتمر لمناقشة هذا الموضوع يُعد خطوة ايجابية على قدر من الأهمية. فأمر طيب أن يلتقي ممثلو التيارات المختلفة وأصحاب التصورات والرؤى المتعددة في قاعة واحدة لمناقشة هذا الموضوع وقول كلمتهم حوله. من شأن ذلك أن يساهم، إيجابا، في التأسيس لقاعدة مستقبلية لحوارات مشابهة تظهر يقظة المجتمع تجاه ما يدور فيه من إشكالات وتفاعلات، وما يختمر في القاع من إرهاصات لظواهر حَرية بالمعاينة والدرس. وعلينا ألا نغفل أن مسألة بحجم المسألة الطائفية لم تعد مسألة محلية فقط، فقد باتت لها أبعاد خارجية، بسبب ما يعيشه إقليمنا القريب، وما هو أبعد منه أيضاً، من تجاذبات وانقسامات طائفية ومذهبية وإثنية،وهي أمور تنعكس على مجتمعنا الصغير بصورة مباشرة، خاصة مع وجود من ينفخ في أوار ذلك، غير آبه بانعكاساته الخطرة على مصير الوطن والشعب. غنيٌ عن القول إن للحوار أطرافاً، فلا يمكن لأحد أن يحاور نفسه وإنما يحاور آخرين، لذا فالدولة مطالبة بأن تغادر موقفها السلبي من المشاركة في الفعاليات التي تقيمها الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وأن تأتي لمؤتمر السبت القادم بمن يمثلها لتستمع لما يقوله المشاركون فيه، وتدلي بدلوها في القضايا المطروحة. سينظر إلى هذا الموقف نظرة ايجابية كونه سيعبر، فيما لو اتخذ، على انه مساهمة في مد جسور الثقة والتفاهم بين الدولة والمجتمع، ويعكس رغبةً في تحقيق التواصل والتفاعل البناء، بديلاً لموقف اللامبالاة وعدم الاكتراث الذي لا يعكس حرصاً على الاقتراب من هموم وهواجس وتصورات المجتمع.
صحيفة الايام
26 مارس 2008