كل شيء في البلد يصبح طائفياً أو يكاد. نواب يعلنون عن سحبهم لاستجواب الوزير منصور بن رجب ليعاودوا القول في اليوم التالي عن تراجعهم عن هذا السحب، لأن كتلة “الوفاق” مصرة على المضي في استجواب الوزير أحمد عطية الله. كأن لسان حال هؤلاء النواب يقول: نحن إزاء مقايضة طائفية: نسحب استجوابنا مقابل أن تسحبوا استجوابكم، واحدة بواحدة، وإن لم تفعلوا فنحن ماضون في استجوابنا. لا الوزير منصور بن رجب عضو في الوفاق أو محسوب عليها، وليست هي من رشحه أو دفع به الى الوزارة، ولا الوزير عطية الله عضو في المنبر الاسلامي أو الاصالة، ومع ذلك فإن السجال في أمر استجواب الوزيرين يخرج عن مقاصده الأصلية ويتحول الى تراشق طائفي مكشوف. أين هو – إذاً – شعار مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، إذا كانت بعض الكتل النيابية ستقيم الدنيا وتقعدها وهي تعلن عن نيتها استجواب وزير، وإذا بها تظهر الاستعداد لصرف النظر في أمر هذا الاستجواب لقاء مقايضة طائفية. يمكننا أن نذهب في تعداد الأمثلة حول أن كل شيء في البلد يصبح طائفياً أو يكاد. مشروع اسكاني تنفذه وزارة الاسكان، وحين يصل مرحلة الانجاز النهائي والتسليم يرتدي طابعاً طائفياً، أيذهب الى سكان شيعة أم سكان سنة؟ وندخل بعد ذلك في جدل من هم الأكثر أحقية، ويتوارى موضوع المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات لصالح القسمة المذهبية والطائفية في أكثر صورها ابتذالاً. كيف سنؤسس لمجتمع صحي ومعافى متوجه نحو بناء دولة ديمقراطية بآليات حديثة على قاعدة القانون والمؤسسات، إذا ظلت الأمور تدار بالذهنية الطائفية الرائجة بضاعتها هذه الأيام، حين يجري التدقيق في أمر المذهب والطائفة، لا الاحتكام الى فكرة المواطنة التي تتخطى هذه الانحيازات التي لا يمكن إلا أن تكون ضيقة بطبيعتها في مجتمع متعدد التكوين، عليه أن يغلب المشتركات التي تجمع، وأن يبلور وينضج معلم الهوية المشتركة لبشر يعيشون على أرض واحدة ويشتركون في حياة مشتركة متداخلة لا يمكن تفكيكها الى عناصرها الأولية، إلا إذا شئنا ضرب فكرة الدولة الحديثة في جوهرها القائم على الدمج وعلى صوغ النسيج الوطني المشترك، والبديل ساعتها لن يكون إلا بالعودة مجدداً الى عوالم الطوائف والقبائل والأعراق المتنافرة. والى مثل هذا البديل يقودنا متصدرو المشهد السياسي الراهن في البحرين، لا بل وفي المنطقة العربية عامة، الذين لا ينطقون بأسماء أوطان ومجتمعات مشتركة، وإنما بأسماء طوائف وإثنيات ومذاهب. هؤلاء محبوسون، بحكم التكوين، في بوتقة ضيقة تكاد تحكم الخناق عليهم، وهم لا يستطيعون الخروج منها لأن مقاساتهم تشكلت على حجمها، لذا سيبقون أسرى لها ما قدر لهم أن يبقوا. البديل الوطني، الديمقراطي، الحديث سيكون على أيدي أناس وقوى سواهم، معقود لهم هذا الدور الذي يجب أن يكونوا مستعدين له.
صحيفة الايام
24 مارس2008