المنشور

وطن الشعب أم وطن الطوائف؟‮!‬

كل شيء في‮ ‬البلد‮ ‬يصبح طائفياً‮ ‬أو‮ ‬يكاد‮.‬ نواب‮ ‬يعلنون عن سحبهم لاستجواب الوزير منصور بن رجب ليعاودوا القول في‮ ‬اليوم التالي‮ ‬عن تراجعهم عن هذا السحب،‮ ‬لأن كتلة‮ “‬الوفاق‮” ‬مصرة على المضي‮ ‬في‮ ‬استجواب الوزير أحمد عطية الله‮.‬ كأن لسان حال هؤلاء النواب‮ ‬يقول‮: ‬نحن إزاء مقايضة طائفية‮: ‬نسحب استجوابنا مقابل أن تسحبوا استجوابكم،‮ ‬واحدة بواحدة،‮ ‬وإن لم تفعلوا فنحن ماضون في‮ ‬استجوابنا‮.‬ لا الوزير منصور بن رجب عضو في‮ ‬الوفاق أو محسوب عليها،‮ ‬وليست هي‮ ‬من رشحه أو دفع به الى الوزارة،‮ ‬ولا الوزير عطية الله عضو في‮ ‬المنبر الاسلامي‮ ‬أو الاصالة،‮ ‬ومع ذلك فإن السجال في‮ ‬أمر استجواب الوزيرين‮ ‬يخرج عن مقاصده الأصلية ويتحول الى تراشق طائفي‮ ‬مكشوف‮.‬ أين هو‮ – ‬إذاً‮ – ‬شعار مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين،‮ ‬إذا كانت بعض الكتل النيابية ستقيم الدنيا وتقعدها وهي‮ ‬تعلن عن نيتها استجواب وزير،‮ ‬وإذا بها تظهر الاستعداد لصرف النظر في‮ ‬أمر هذا الاستجواب لقاء مقايضة طائفية‮.‬ يمكننا أن نذهب في‮ ‬تعداد الأمثلة حول أن كل شيء في‮ ‬البلد‮ ‬يصبح طائفياً‮ ‬أو‮ ‬يكاد‮.‬ مشروع اسكاني‮ ‬تنفذه وزارة الاسكان،‮ ‬وحين‮ ‬يصل مرحلة الانجاز النهائي‮ ‬والتسليم‮ ‬يرتدي‮ ‬طابعاً‮ ‬طائفياً،‮ ‬أيذهب الى سكان شيعة أم سكان سنة؟ وندخل بعد ذلك في‮ ‬جدل من هم الأكثر أحقية،‮ ‬ويتوارى موضوع المواطنة المتكافئة في‮ ‬الحقوق والواجبات لصالح القسمة المذهبية والطائفية في‮ ‬أكثر صورها ابتذالاً‮.‬ كيف سنؤسس لمجتمع صحي‮ ‬ومعافى متوجه نحو بناء دولة ديمقراطية بآليات حديثة على قاعدة القانون والمؤسسات،‮ ‬إذا ظلت الأمور تدار بالذهنية الطائفية الرائجة بضاعتها هذه الأيام،‮ ‬حين‮ ‬يجري‮ ‬التدقيق في‮ ‬أمر المذهب والطائفة،‮ ‬لا الاحتكام الى فكرة المواطنة التي‮ ‬تتخطى هذه الانحيازات التي‮ ‬لا‮ ‬يمكن إلا أن تكون ضيقة بطبيعتها في‮ ‬مجتمع متعدد التكوين،‮ ‬عليه أن‮ ‬يغلب المشتركات التي‮ ‬تجمع،‮ ‬وأن‮ ‬يبلور وينضج معلم الهوية المشتركة لبشر‮ ‬يعيشون على أرض واحدة ويشتركون في‮ ‬حياة مشتركة متداخلة لا‮ ‬يمكن تفكيكها الى عناصرها الأولية،‮ ‬إلا إذا شئنا ضرب فكرة الدولة الحديثة في‮ ‬جوهرها القائم على الدمج وعلى صوغ‮ ‬النسيج الوطني‮ ‬المشترك،‮ ‬والبديل ساعتها لن‮ ‬يكون إلا بالعودة مجدداً‮ ‬الى عوالم الطوائف والقبائل والأعراق المتنافرة‮.‬ والى مثل هذا البديل‮ ‬يقودنا متصدرو المشهد السياسي‮ ‬الراهن في‮ ‬البحرين،‮ ‬لا بل وفي‮ ‬المنطقة العربية عامة،‮ ‬الذين لا‮ ‬ينطقون بأسماء أوطان ومجتمعات مشتركة،‮ ‬وإنما بأسماء طوائف وإثنيات ومذاهب‮.‬ هؤلاء محبوسون،‮ ‬بحكم التكوين،‮ ‬في‮ ‬بوتقة ضيقة تكاد تحكم الخناق عليهم،‮ ‬وهم لا‮ ‬يستطيعون الخروج منها لأن مقاساتهم تشكلت على حجمها،‮ ‬لذا سيبقون أسرى لها ما قدر لهم أن‮ ‬يبقوا‮.‬ البديل الوطني،‮ ‬الديمقراطي،‮ ‬الحديث سيكون على أيدي‮ ‬أناس وقوى سواهم،‮ ‬معقود لهم هذا الدور الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يكونوا مستعدين له‮.‬

صحيفة الايام
24 مارس2008