تضييق الخناق على الصحافة وجرجرة الكتّاب والصحفيين إلى المحاكم لعبة سياسية تشكل تهديداً خطيراً ليس فقط لحرية الرأي والتعبير وإنما للإصلاحات التي ما تزال في أول الطريق. في البحرين رغم كل العقبات حققنا تقدماً ملحوظاً على صعيد الصحافة المحلية ولا يمكن ان تقارن دور الصحافة بين الأمس واليوم ولكن وفي الوقت الذي ندافع فيه عن حرية الصحافة فإن إستراتيجية تلك اللعبة الحزبية الضيقة التي تتبناها القوى الإسلامية المتشددة ماضية في حصار وتهديد حرية الكلمة ومن الأدلة البالغة على هذا الموقف الدعاوى المرفوعة في المحاكم ضد الكتّاب والصحفيين ومن بينها رئيس تحرير “الأيام” الأستاذ عيسى الشايجي والصحافي المرموق الأستاذ سعيد الحمد الذي يتميز بتدفق قلمه وبشجاعته في الدفاع عن الحريات. والمشكلة أن من يقود الحملات المعادية لحرية الرأي والتعبير هم من النواب وهذا ليس اتهاماً وإنما حقائق يشهدها المجتمع البحريني والأمثلة على ذلك كثيرة!! لا نريد أن نذهب بعيداً ونسرد كل تفاصيل المنع ومصادرة الرأي الآخر ولكن دعونا أن نتأمل ذلك الخبر الذي نشرته إحدى الصحف المحلية ومفاده: إن نائب رئيس مجلس المحرق البلدي ورئيس المكتب الإعلامي بالمجلس اصدر أوامر مشددة لأمناء السر ومقرري اجتماعات المجلس ولجانه وجميع الموظفين من مهندسين وباحثات اجتماعيات بعدم الإدلاء بتصريحات للصحافة المحلية بحجة انه لا يحق لهم ذلك دون أوامر وتعليمات واضحة منه، ويقول الخبر أيضا: انه قام مؤخراً بتوبيخ إحدى الباحثات الاجتماعيات لأنها تحدثت للصحافة حول مشروع البيوت الآيلة للسقوط الذي هو من صميم اختصاصها. بالله عليكم اليوم ونحن نعيش هذا الانفتاح وهذه الحرية النسبية ماذا نفسر هذا التصرف غير المسئول؟؟ أليس هذا التصرف ينم عن عقلية إلى الآن بعد كل هذه التحولات لا تؤمن بأهمية تسهيل المعلومات للصحافة التي تتحمل مسؤولية مجتمعية كبرى تجاه مصالح الوطن والمواطن؟؟ وعلى هذا المنوال ليس خافياً على أحد أن هذا التوجه المتعارض مع الشفافية أصبح ومن المؤسف جداً توجهاً لدى بعض المسؤولين في أجهزة الدولة ولا ندري لماذا كل هذا الخوف من الصحافة؟؟ هل لأنهم يخافون ويخشون السلطة الرابعة لأمور ربما لا علاقة بتجاوزات مالية وإدارية لم تعد في وضعنا الإصلاحي السكوت عليها أم ماذا؟؟ ومع إننا نؤمن ونتضامن مع الرأي القائل: إن الصحف المحلية لا يمكن أن نضعها في سلة واحدة لان هناك من يبالغ ويهول في التعاطي مع الأحداث المحلية والخارجية وهناك أيضا من يدعم الإرهاب ويبرر تطرفه ويساهم في تأجيج الطائفية ولكن وفي الوقت نفسه لا ينبغي لأية جهة كانت أن تفرض الحظر على الصحافة. وان تتعامل مع الكتّاب والصحفيين برغبات متشددة تدعو إلى تحاشي النقد البناء والمكاشفة والمصارحة طالما هي تصب في الصالح العام، وبالتالي فهل من المعقول أن نعالج قصورنا وسلبياتنا وأزماتنا التي تواجهها العملية الإصلاحية التي نأمل أن تتطور وتزدهر في ظل كل هذه الرقابة المسيّسة التي ينتهجها أولئك النواب الذين يصرون على حبس الصحافي من منطلقات سياسية وحزبية؟! ولذلك فالقضية في واقع الأمر ليست مقتصرة فقط في تحديث تشريعاتنا وتفعيلها وإنما أيضا في تلك العقليات القديمة التي كانت ولا تزال تناهض الصحافة، وما حبس الصحافي والتصدي لانتقال المعلومات في يسر وشفافية وعرقلة إصدار قانون عصري للصحافة الأخير برهان على تلك الممارسات التي تتجاهل الصحافة.
صحيفة الأيام
22 مارس 2008