بالأمس القريب تم القبض على اثنين من كبار المسؤولين بشركة ألبا، وكشفت تحقيقات النيابة العامة عن أبعاد اخطبوط فسادهم الممتد حتى اواسط اوروبا ومع كبرى المؤسسات المالية.. واليوم تكشف لنا “ممتلكات البحرين القابضة” عن جريمة مالية اخرى والمتورط بها احد كبار المسؤولين، وهذه الجريمة اهدرت واضاعت من المال العام ما قيمته مليار من الدولارات ليصب في جيوب حفنة فاسدة ومرتشية قد باعت مع الدولارات ضميرها الإنساني وحسها الوطني، فكانت عملاقة في فسادها لدى شركة “الكوا” الامريكية. اننا نفتخر اليوم بان كشف هذا الفساد ومحاسبة العابثين والمستهترين بثروات الوطن لهو من معطيات عهد الاصلاح ونهج المسار الديمقراطي الذي نطالب بتعزيزه وترسيخه واتساع رقعته وشفافيته حتى يكنس ويجتث اوكار الفساد ليس المالي وحسب بل الاداري والاخلاقي.. ولا شك ان الفساد الاداري وانعدام القيم لهو امر غير منظور واكثر سترا وتمويها، وفي ذات الوقت هو الحاضن الاساسي والبذرة الاولى للفساد المالي ودهاليز السرقات والتلاعب بالمال العام.. فالتلاعب باسعار ٠٥ الف طن متري عملية تكشف غياب الرقابة الذاتية وهشاشة العلاقة بين الجهاز الاداري والتنفيذي، وبيت القصيد ان بعض القائمين عليها وبعض المديرين لدفتها ان لم يتمتعوا باخلاقيات المهنة وامانتها وقيمها فانهم لا شك يستنشقون ويتغذون على الفساد الاداري الوظيفي وهو بوابة الفساد المالي ومدعاته. وكم عانت نقابة عمال ألبا من تعنت تلك الادارة مع المطالب العمالية البسيطة والمقدور على حلها وحسمها، مطالب حقوقية وشرعية يتم تأزيمها ومحاولات حرقها وطمسها والالتفاف عليها وهذا ما حصل ايضا مع لجنة التفاوض عن قدامى العمال المفصولين من جيل السبعينات والثمانينات والذين تقدموا بطلب تعويضهم او اعادتهم لاعمالهم طبقا للمكرمة الملكية والقرار الوزاري لمجلس الوزراء بهذا الصدد واسوة ببقية اخوانهم العمال ممن تم تعويضهم سواء بشركة ألبا او بالشركات الاخرى مثل بابكو وبتلكو، ان لجنة التفاوض عن اولئك العمال المفصولين لاقت الويل ورأت ظلام الليل من الادارة التنفيذية بالرغم من ان هذه اللجنة قد جاءت بكل الوثائق المطلوبة وتقدمت بنماذج التعويض المماثلة من شركتي “بابكو وبتلكو” الخاصة بالتعويض والتي اكدت من خلالها ان شركة ألبا تقف بالاتجاه المعاكس لاحترام الحقوق واليات التعويض المعتمدة. ولنا ان نتصور ان قضية قدامى العمال المفصولين مضى عليها اكثر من سنتين وهي لا زالت تراوح مكانها وتعاني من عوائق تلك الادارة المأزومة. وبالرغم من مرونة لجنة التفاوض عن العمال المفصولين وقبولها بالحدود الدنيا من التعويض وبالشروط العديدة التي فرضتها الادارة، فلا زالت القضية عالقة في ادراج المسؤولين بسبب آلية عروض الشركة في التعويض والتي لم يكن بمقدور لجنة التفاوض القبول بها ولا يمكن ان تتفق مع العقل والمنطق خصوصا وان تلك العروض كانت هابطة وتستبعد ٧١ معوضاً من قائمة المفصولين ودون مبرر او اثبات، والاغرب من ذلك انها تعتمد بعض الاسماء تارة وتستبعدها تارة اخرى بشكل عشوائي ودون قرائن ولتطالب لجنة التفاوض من جديد بالتباحث حول تلك القائمة والعودة للمربع رقم صفر!! علاوة على ذلك عروض التعويض وآليتها لم تتفق قطعيا مع عروض التعويض الدارجة والمتعارف عليها، فعلى سبيل المثال شركتي “بابكو وبتلكو” تم تعويض عمالهم المفصولين بواقع ٠٢ الفاً و ٧١ الفاً كحد ادنى، اما بشركة البا فقد تم عرض الحد الادنى في التعويض بواقع ٠٠٠٢ دينار فقط بحجة الاستناد لسجل فترات الانقطاع بالتأمينات الاجتماعية ونحن نتساءل لماذا لم يندرج وينطبق ذلك على مفصولي شركتي “بابكو وبتلكو” او على من سبق تعويضهم بشركة ألبا ذاتها؟ وهل عندما طالبت لجنة التفاوض عن العمال المفصولين بان يكون حال اولئك العمال المفصولين كحال اخوتهم من بقية العمال قد طلبت المستحيل وهل تعادل مطالبهم ما تم سرقته من المال العام؟!! ان ادارة القضية بالتأزيم قد حرق حقوق اولئك العمال وطمس قضيتهم وبل استشرت عندما بعثت برسالة للجنة التفاوض بتاريخ ٦ فبراير ٨٠٠٢م فحواها تهديد العمال المطالبين بحقهم في المكرمة الملكية والمشمولين بها. وحقهم في التعويض حيث افادت بتلك الرسالة ان عرضها في التعويض الاخير ساري المفعول حتى اوائل مارس وباسلوب فوقي ولكأن القضية في مزاد تجاري..!! وليس ضمن اطار المكرمة الملكية والمصالحة المجتمعية والوطنية التي جاءت لتعيد للعمال المفصولين ظلما حقهم وترد لهم اعتبارهم وتطويصفحة الماضي الذي تحاول الادارة التنفيذية احياءه والتمسك به وعدم التخلي عنه، ولكأنها تريد ان تنزل العقاب من جديد بحق اولئك العمال المفصولين لا لذنب الا لانهم كانوا اوفياء لوطنهم وشعبهم ولحقوقهم والشركة تعلم قبل غيرها وبلا شك بانهم ليسوا ممن تلاعب بالمال العام واهدره وليسوا ممن زرع اوكار الفساد المالي والاداري. بل كانوا ضحايا له، فلا يوجد من بينهم من فصل وهو متلبس بجريمة السرقة او الفساد وساحتهم طاهرة مليئة بشرف التضحية والوفاء، فبأي ذنب تأخذهم ادارة الشركة وعلى اي جريمة تعاقبهم وتكرر عقابهم عبر الزمن في مسألة تعويضهم، وكيف جعلت حقهم في التعويض مربوطا بأجل غير مسمى؟!
صحيفة الايام
21 مارس 2008