مهما جاءت ثمار نتائج أي جهود للتهدئة، أو أي صيغة توافقية لأزمة الاستجواب الراهنة التي مسكت بتلاليب مجلس النواب، والتي اتضح أمس الأول بأنها عادت مرة أخرى إلى المربع الأول، فإنه يجب أن لا نجيز لأنفسنا الغفلة عن تداعيات هذا الذي حدث، لأننا إن فعلنا ذلك فإننا نكون قد اخطأنا خطأ فادحاً. أحسب أن أخطر التداعيات التي أفرزها هذا الذي جرى في مناخ نفترض أنه ديمقراطي وإصلاحي، هو هذا الشرخ المتمثل في الجو المشحون بكل بواعث القلق الذي يبدو أنه لن ينتهي، فقد لاحظنا أن الأمر ظهر كما لو أنه ارهاصات انقسام طائفي، حيث تحول المشهد إلى اولمبياد أظهرت فيه الكتل النيابية ما عندها من عضلات طائفية وسياسية وشخصية ومصلحية ونفعية في معارك خائبة ومفتعلة وغير منضبطة مهما تلفع أصحابها برداء الحكمة، وتبنوا عناوين وشعارات تدعو الى تغليب مصلحة الوطن ووحدة أبنائه، وإنجاح التجربة الديمقراطية التي باتوا يتلاعبون بها حسب مشيئتهم واهوائهم. لقد بدا أن بعض النواب أصبحوا مستحقين بجدارة لميداليات ذهبية وفضية وبرونزية لأدوارهم وبطولاتهم في التصعيد والتأجيج والتأزيم والجنوح إلى المنزلق الطائفي، وربما تكفي المعاينة اليومية لتصريحات ومواقف هؤلاء النواب لنكتشف إلى أي مدى أضفي البعد الطائفي على نزاع سياسي بشكل يتعذر إنكاره، وهو أمر لا يتصل فقط بموضوع الاستجواب إياه فحسب، وإنما في مواقف أخرى سابقة ضٌخمت فيها القضايا الصغيرة لتصبح قضايا كبيرة تثير قدرا كبيرا من الالتباس، بل افتعلت مشاكل من لا شيء ليصبح واقعنا مخرق النسيج حينما اراد البعض أن ينتج شعوراً طائفياً وطموحاً طائفياً وولاءً طائفياً يتقدم ويطغى على أي ولاء آخر. وامتد الشرخ القائم بفعل أيادٍ خفية إلى الشأن البلدي، حيث يمكن الاشارة كمثال فيما يمكن اختزاله تخفيـــفاً “مشروع النويدرات الإسكاني” حينما افتعلت اعتراضات ومنازعات وتدخلات حول أحقية أهالي عدد من القرى ومشروعية مطالبهم في توزيع الأراضي والمساكن، بعد أن تدخلت أطراف من نواب وبلديين ليشككوا في هذه الأحقية وطعنوا في مشروعية المطالب وسط كثير من الصخب والزعيق والتصعيد المبرمج لتجاذبات باتت تطرق من دون وجل، أثارت غباراً كثيفاً ذا لون طائفي . ووسط هذه الأجواء بدأنا نقتنع بأن بلادنا كان يمكن أن تكون في أوفر عافية لو لجم أصحاب السعادة النواب، ومعهم كثير من أعضاء المجالس البلدية أنفسهم حتى لا ننساق إلى المزيد مما أصبح واقعنا يعج به من مجهولات تدفع إلى اسوأ الاحتمالات والتي ربما باكورتها واطلالتها الدعوة التي طرحت لحل مجلس النواب. وإن كان البعض قد استنكر هذه الدعوة واعتبرها دعوة غير مدروسة ولا تصب في صالح المشروع الإصلاحي، وسط تأكيدات بأن الخلاف على الاستجواب سيبقى سياسياً ولن ينفلت من عقاله لينتقل إلى المنزلق الطائفي الذي برأي رئيس كتلة الوفاق سيبقى خطاً أحمر لا تتقدم عليه مصلحة أو استجواب . ما يهمنا أن هذا الذي يقال همساً وتردداً يضع اليد على القلب، والذي يقال أن ثمة أصابع تلعب وتحرك وتوجه وتؤجج وتؤزم، أو هكذا يبدو الأمر في أفضل الأحوال، ودعونا نعتبر هذا في اطار الظن – رغم أن بعض الظن إثم – وننطلق من قناعة بأن الوطن ليس مزاداً ولا مناقصة ولن يكون، ولهذا فمعيار الحكم على الممارسات الرديئة للنواب ولأطراف وقوى اللعبة السياسية يجب أن تتوقف فوراً. ولا يجب على الحكومة أن تبقى في دور المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، ولا يجب أن تجعل من الاختلاف على استجواب وزير أياً كان هذا الوزير عرضة لتجاذبات كتلك التي نشهدها اليوم في موقف يثير كثيراً من علامات التعجب حيال هذا الصمت المطبق مما يجري ويجري وأيضاً حيال حقيقة نوايا التعامل مع الاستجواب الذي هو أرقى أداة رقابية في يد البرلمان لا يجب تعطيلها أو تمييعها تحت أي ذريعة كانت . ما نريد أن نشدد عليه أن مسؤولية النواب، كل النواب، وكل الكتل، والقوى السياسية، والحكومة ستكون على المحك تجاه التجربة الديمقراطية الوليدة ، فإذا انتهى الحال الى “لا مسؤول ولا مسؤولية”.. سيبقى الهم والهاجس والسؤال هل ارادة التوجه نحو الديمقراطية متوفرة أم لا؟؟؟
صحيفة الايام
21 مارس 2008