الدول الخليجية الأخرى أقرت الحكومات زيادات معتبرة في رواتب العاملين، فلم تلبث تلك الزيادات أن وجدت طريقها إلى حسابات هؤلاء في البنوك مع أقرب راتب صرف لهم بعد إقرارها. هناك، المسافة بين اتخاذ القرار وتنفيذه لا تكاد تذكر. هذا هو سبب من بين أسباب أخرى تجعل هذه الدول الشقيقة الجارة تسبقنا بأشواط، نحن الذين ما انفككنا نتباهى بأحوالنا التي كفت عن أن تسر الخاطر. في وطننا العزيز أمرت الحكومة منذ شهور بصرف المبلغ الذي بات مانشيت الجرائد وحديث المجالس وأماكن العمل، وهو الأربعين مليون دينارعلى شكل علاوة لمواجهة غلاء الأسعار. مرت الأسابيع والشهور والمبلغ العتيد مازال حبرا على ورق، هذا إذا لم يسح هذا الحبر أصلاً. أمر هذه الأربعين مليون ضائع بين دواوين الحكومة وبين المجلس الوطني، حيث يتنقل من إحدى غرفتي المجلس إلى الثانية، وسط استعراض بهلواني أبرع أحد رسامي الكاريكاتير في صحافتنا المحلية في تقديمه مؤخرا، حين صوّر نائباً “أُوكرابتياً” من نوابنا الأفاضل يستعرض بـ “بشته” في ما يشبه الكرنفال الذي اختار له الرسام عنوان “ربيع الأربعين مليون دينار”! لسان حال الناس في كل مكان يقول: كفانا إذلالاً أيتها الحكومة وأيها النواب، وأنتم تمنوننا بأمر هذا المبلغ الزهيد، الذي لن يمثل عوناً جديا في مواجهة غول الغلاء، الذي تزداد معدلاته كل يوم، وستزداد أيضا فيما لو قدر لهذا المبلغ أن يخرج من الدهاليز التي تاه بينها ويرى النور. الصحافي الشاب عيسى الدرازي في مقالٍ جميل وساخر له على الموقع الالكتروني للمنبر التقدمي نصح “المنكودين” من شعب البحرين الأبي حفاظا على سلامتهم التوقف عن أكل اللحوم والدجاج والأسماك، وأن يتوجهوا بدلاً من ذلك إلى العدس “الشهي” وبعدة نكهات ولكل الوجبات. هذا الاقتراح حرض الشاعر عبدالصمد الليث على تقصي الأمر، فكتب على الموقع نفسه انه تفحص جيداً وبمرارة أسعار البقوليات والألبان والدجاج وأغلب المواد اللازمة للمعيشة من غير الكماليات طبعا، وقرأ قصاصات الورق الملصقة التي تحمل التعريف بالأسعار، ورأى فيما رأى، سعر الكيلوغرام الواحد من العدس الهندي، وإذا بالورقة تشير إلى ٠٠٨ فلس بحريني بينما كان سعره قبل أشهر فقط ٠٥٣ فلسا. يتساءل الليث: ترى كيف تستطيع الغالبية العظمى من أبناء شعبنا، من المستضعفين والمسحوقين وذوي الدخل المحدود، وبعد أن انضمت إليها بالتدريج شرائح عديدة ومتزايدة من الطبقة الوسطى، أن تلجأ مضطرة لأكل العدس كبديل رخيص ومتوفر للمواد الغذائية الأخرى الغالية؟ قريبا من هذا الخطاب الساخر الذي ينضح بالمرارة يظل السؤال: إلى متى ستستمر مهانة المواطن أمام هذا الإصرار المتعمد على إذلاله، تارة من هنا وتارة أخرى من هناك، وهو ينتظر متحرقا إلى خطوة، لكي لا نقول خطوات، تعينه على مواجهة العوز الذي تنحدر إليه الغالبية الساحقة من فئات الشعب، في غياب الرؤية الحكومية للمعالجة الصائبة، وانصراف مجلس النواب إلى تصفية الثارات المذهبية والطائفية، على حساب قضايا الناس.
صحيفة الايام
20 مارس 2008