تكتسب المقابلة التي اجراها الدكتور امحمد مالكي استاذ العلوم السياسية ومدير الدراسات الدستورية بمراكش مع الباحث والناشط السياسي القطري الدكتور علي خليفة الكواري.. تكتسب هذه المقابلة أهمية معرفية وسياسية، ليس فقط لتسليطها الضوء على سيرة حياة احدى الشخصيات الخليجية الفاعلة على الساحتين السياسية والعلمية داخل بلاده، بل لأن هذه المقابلة التي نشرتها مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، فبراير 2008م، تميط اللثام عن بعض المحطات التاريخية شبه المجهولة في تاريخ الحركة الوطنية والسياسية داخل بلاده قطر. ولعل من ابرز السطور المجهولة او المطموسة في تاريخ الحركة الوطنية القطرية المعاصرة والتي مر عليها الكواري سريعاً في اجاباته تتمثل في المحطات التاريخية والظروف السياسية المتشابهة مع المحطات والظروف التي مرت بها كل من البحرين والكويت، وعلى وجه التحديد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي واللذين شهدا صعود المد الوطني والقومي قبل بدايات انحساره لاحقاً خلال السبعينيات. وكان للكواري، كواحد من الجيل العربي والخليجي الذي شب ووعى على احداث تلك الحقبة الذهبية، دور مميز في محطات الحركة الوطنية البارزة لبلاده بدءاً من أواخر الخمسينيات ومروراً بالستينيات وليس انتهاء بالاحداث والوقائع الجارية منذ السبعينيات حتى يومنا هذا. وكان واضحاً تأثير التيار القومي في تكوينه ونشأته السياسيين وفي فكره بالتلازم مع تأثره بأوضاع الطبقة العاملة ولاسيما في صناعة النفط حيث عمل في هذا القطاع وتقلد مناصب عديدة في مستوياته الادارية. وقد تلازم تأثره بأوضاع الطبقة العاملة في هذا القطاع بحنقه وتألمه الشديد لما لمسه عيانياً للتبذير والهدر الاستنزافي الخطير في هذه الثروة النفطية الناضبة وسوء توزيع عائداتها على الشعب وفق حد ادنى من المساواة. وبالاضافة الى الأنشطة والادوار التي لعبها في الحركة الوطنية لبلاده فقد كانت له جملة من النشاطات والجهود البحثية والاعلامية حيث كان عضواً في عدد من مجالس ادارات المجلات الدورية والفصلية العلمية العربية. ويمكننا ان نستشف من هذه المقابلة ان الكواري هو واحد من الشخصيات القومية القليلة النادرة الذي لم يتشرنق في اطار الفكر السياسي القومي الضيق الذي تغلب عليه النزعة الشمولية والدوغمائية كما هو حال معظم رموز الفكر القومي بمختلف تياراته السياسية بل استطاع ان يسمو ويتطور بثقافته السياسية هذه الى آفاق تتناغم مع التطورات الفكرية الديمقراطية التي شهدها الفكر السياسي العربي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويمكن القول ان ثمة محورين رئيسيين متلازمين ظلا ومازالا يشغلان بال واهتمام الكواري في سياق هذا التطور السياسي والفكري الذي مر به: المحور الأول: هو قضايا الثروة النفطية في بلاده وفي اقطار الخليج وكيفية توزيع عوائد هذه الثروة وتسخيرها في خدمة التنمية ورفاه الشعب. وفي هذا السياق يقول: “النفط كان محط اهتمامي، وسوء توزيع عائداته وتبذيرها كانا من الاسباب التي دفعتني الى العمل العام، وعندما ذهبت إلى بريطانيا وتنسمت الحرية الاكاديمية قررت ان ابين كيف أسيء استخدام النفط ولم يتم توجيه عائداته الى الاستثمار، وانما وجه معظمها للاستهلاك والتوزيع غير العادل. وقد تبين من الدراسة ان الاسر الحاكمة حصلت في معظم امارات الخليج العربي باستثناء الكويت بعد عام 1962م على نسبة تراوحت بين ربع ونصف اجمالي عائدات النفط، وصرف الباقي بشكل أضر بالقدرات الانتاجية للبلدان والافراد”. ويضيف: ان موضوع اطروحته للدكتوراه جاء اختياره تحت دوافع رغبته العارمة لكشف “سوء استخدام النفط وهدر العائد واستيلاء الاسر الحاكمة على نصيب وافر منها في شكل رواتب من دون عمل، ومخصصات من المال العام، وخدمات من دوائر الدولة، مازالت مستمرة، وقد وجدت ان اكثر من ثلاثة ارباع مجموع عائدات النفط منذ بدء التصدير عام 1970م وجه إلى الصرف على النفقات التحويلية وان أقل من الربع تم صرفه على مشروعات البنية التحتية وتكوين احتياطي استثماري”. ويوضح أن “النفقات التحويلية هي في الحقيقة مخصصات الحكام والاسر الحاكمة، وقد تراوحت مخصصات الاسر الحاكمة بين ربع ونصف اجمالي عائدات النفط في الفترة المدروسة. ومع الأسف مازالت النسبة عالية حتى اليوم، وفيما عدا الكويت لا يوجد فصل بين المال العام والاموال الخاصة للحكام”. المحور الثاني: يتمثل في توجهه واهتمامه الشديد بدراسات الديمقراطية والاصلاح السياسي وبخاصة في اطار مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية الذي اسسه مع رغيد الصلح منذ مطلع التسعينيات. أما فيما يتعلق برؤيته للإصلاح فإن الكواري يرى ان أي اصلاح لا يمكن ان يكون اصلاحاً حقيقياً ما لم يكن جذرياً ومن داخل البلد المعني به وضمن توافق اجتماعي على قواسم مشتركة، وأي دور من الخارج لا يتعدى دورا معززا او مشجعا او غير معرقل للإصلاح. وان نقطة البداية والانطلاق لأي عملية اصلاحية تستلزم تحديد مواقع القصور والفساد وتتطلب تسمية المفسدين بأسمائهم وتحديد اهداف العملية الاصلاحية، وتوفير آليات القيام بها. وفي الوضع الراهن يرى الكواري انه لا مناص من بناء تحالفات وطنية – اسلامية للتمكن من انتزاع الاصلاح من فم الاسد، على حد تعبيره، والاسد هذا هو تحالف مصالح السلطة في الداخل مع مصالح القوى الخارجية التي قدمت وتقدم الحماية لكل حاكم متسلط.
صحيفة اخبار الخليج
19 مارس 2008