في مسعاه الدؤوب لتطوير معارفه الموسيقية وثقافته الفنية لاحظ الفنان مجيد مرهون خلو المكتبة العربية من قاموس موسيقي شامل، يمكن أن يُعد مرجعاً للدارسين والباحثين، ويستعين به طلبة الموسيقى في المعاهد والكليات المتخصصة في البلدان العربية. لم يكتف مجيد بلعن الظلام، وإنما عكف، كدأبه عادة، على إشعال الشموع لتبديد العتمة. لم يضع الوقت فانكب على وضع قاموسه الموسيقي الذي استغرق منه نحو أربعين عاماً. بدأ بالمشروع وهو يقضي فترة سجنه الطويلة في جزيرة جدا، وواصل العمل وهو في سجن جو، وحين أطلق سراحه في عام ٠٩٩١خصص وقتاً لإتمام المشروع الذي سار جنبا إلى جنب مع إبداعه الموسيقي تأليفاً وعزفاً. في حصيلة هذا الجهد الدؤوب أنجز مجيد مرهون قاموسه الموسيقي، وعكف مرارا على تدقيق ما فيه من معلومات وتطويرها، مستفيدا في ذلك من عددٍ كبير من المراجع الأجنبية وما هو متوفر من مصادر عربية، وحرص على تقديم المصطلحات بلغةٍ تجمع بين الدقة العلمية وسهولة الشرح، إضافة إلى استخدام النوتات الموسيقية للمزيد من الشرح حيث يلزم الأمر. كتب مجيد في مقدمة القاموس يقول إن وضع معلومات وافية عن الموسيقى، خاصة عن الموسيقيين العرب منذ بدء الدولة الإسلامية أمر قد يتعذر عمله من قبل فردٍ واحد يعمل لوحده، وفي ظروفٍ قاسية وغيرمؤاتية، لا بل إنها ظروف معاكسة ومحبطة جداً، لأن تقديم معلومات وافية عن الفنانين العرب المعاصرين، تتطلب جهوداً مكثفة من لجانٍ ومؤسسات فنية متخصصة عديدة عبر طول وعرض الوطن العربي. رغم ذلك فان مجيد مرهون قام بما يعجز عنه فريق كامل متخصص، وأنجز قاموسه الذي جالت مخطوطاته أكثر من جهة بحثاً عن فرصة نشرها، إلى أن قُدر لها أخيرا أن تصدر عن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة للثقافة والبحوث، حيث دشن في احتفالٍ أقيم مساء أمس الأول القاموس بصدور المجلد الأول من أصل المجلدات التسعة التي يقع فيها هذا القاموس، والتي ستصدر تباعا خلال الأشهر القليلة القادمة. صدور هذا القاموس يسد فراغاً كبيرا في المكتبة الفنية والموسيقية العربية، ويقدم لنا مجيد مرهون بصفته باحثاً موسيقياً محترفاً، بعد أن عرفناه مؤلفا موسيقياً محترفاً. يحق لوطننا أن يفخر بأنه قدم فنانا بمكانة وإبداع وطاقة مجيد مرهون، الذي جمع بين الروح الوطنية الكفاحية المتوثبة، وبين الموهبة الموسيقية التي عبرت عن نفسها في أعمال كثيرة عزف بعضها، وما زال الكثير منها ينتظر دوره. في أمسية تدشين القاموس عزف رباعي وتري قادم من مصر عملاً جميلا لمجيد، فيما قدمت عازفة بلغارية عملا آخر له على البيانو، في أمسية حميمة كان مجيد مرهون هو نجمها بلا منازع، الذي أظهر شحنات فياضة من فرحه الطفولي وهو يرى ثمار سنوات معاناته ودأبه وشقائه الطويلة، تنال الاعتراف والتكريم داخل وطنه، ووسط جمهور حاشد من محبيه ورفاقه ومن متذوقي الموسيقى في البحرين الذين أدهشهم المستوى الفني العالي لأعماله، التي كان العالم قد عرفها وقدّرها قبل ذلك بسنوات طوال.
صحيفة الايام
19 مارس 2008