انطلق العنوان في الحقيقة كمتابعة لما جرى في السنوات الخمس أو الست الماضية تقريباً، حيث أكد الكثير من الأحزاب والجمعيات والجهات المختلفة ارتباطها بالتوجه الليبرالي والتوجه الحر وما شابه، ولكن الخطوات قليلة في مجال أية اتفاقات عملية.
ولذلك يود المرء أن يبحث فيما إذا كانت البحرين بحاجة إلى حزب ليبرالي وتستحق البحرين قيامه فيها، حزب متين وواسع. ولو اتفقنا بهذه الحاجة فهل هناك إمكان لتبلور ذلك؟ هذا هو محور حديثنا اليوم.
ندوة الوقت
10 مارس 2008
المحور
هل يستحق البحرينيون الحــــــــــزب الليـبــــــــــرالي الموحــــــــــد؟
إدارة الندوة احمد العبيدلي
المتحاورون
د.
حسن مدن الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي
إبراهيم شريف الأمين العام لجمعية العمل الوطني “وعد”
عبدالرسول الجشي الأمين العام للتجمع القومي الديمقراطي
جمال فخرو رئيس جمعية المنتدى
سؤال: هل يستحق البحرينيون الحــــــــــزب الليـبــــــــــرالي الموحــــــــــد؟
الجشي: هل العنوان الرئيسي لهذا الاجتماع أو الحوار هو تشكيل أحزاب أم ماذا؟ يعني في العنوان نوع من اللبس. فالسؤال: ‘هل يستحق البحرينيون حزبا ليبراليا موحدا’ أو عندما نقول ‘هل يستحق؟’ فهنا افترضنا إمكانية التكوين أم أنه شيء موجود ولنسأل بعدها هل يستحق أن نعطيهم إياه أو لا نمنحهم ذلك.
العبيدلي: انطلق العنوان في الحقيقة كمتابعة لما جرى في السنوات الخمس أو الست الماضية تقريباً، حيث أكد الكثير من الأحزاب والجمعيات والجهات المختلفة ارتباطها بالتوجه الليبرالي والتوجه الحر وما شابه، ولكن الخطوات قليلة في مجال أية اتفاقات عملية.
ولذلك يود المرء أن يبحث فيما إذا كانت البحرين بحاجة إلى حزب ليبرالي وتستحق البحرين قيامه فيها، حزب متين وواسع. ولو اتفقنا بهذه الحاجة فهل هناك إمكان لتبلور ذلك؟ هذا هو محور حديثنا اليوم.
وهنا تصور أن هذه الجمعيات أو الأحزاب هي الأكثر قرباً من الموضوع ولديها قدرة على مناقشة صحته وخطئه ومدى جدواه. والأمر لكم
وبادئ ذي بدء هل تعتقدون أولاً: أن هناك في أوساط البحرين اجواء ليبرالية أو أنفاسا ليبرالية أو تاريخا من التنوير؟
الجشي: تكوين أحزاب في رأيي شيء والسعي لتكوين حزب موحد شيء آخر. هناك دعوتان. لدينا هنا دعوة لتكوين حزب واحد أو لتفادي تكوين أحزاب حتى لا تتعارض المواقف. ويتوجب علي العودة للوراء ولما يرتبط بتشكيل الأحزاب عموماً: فكما تعرفون فقد سعينا في البداية لصدور قانون أحزاب، بل وصدر إذا لم أكن مخطئاً بعنوان قانون أو مرسوم أحزاب، أليس كذلك؟ وفي الأخير بقدرة قادر تحول من قانون أحزاب إلى قانون جمعيات سياسية. كان ذلك بمثابة حل وسط. وقد وصَلَنا بشكل غير رسمي أنه صارت تدخلات إقليمية، ولا نستطيع أن نحدد من قبل من، ولكن هذا ما فهمنا أن جهات طلبت من المسؤولين الابتعاد عن كلمة أحزاب لأنه إذا شكل حزب في البحرين أو وافقت حكومتها على تشكيل أحزاب بها فهذا بالضبط ما سيشجع الآخرين في دول الخليج للسعي لنفس الموضوع. وفي الأخير اكتفينا بجمعيات على أن تكون لنا حرية التعبير كأحزاب. وشكلت الجمعيات على هذا الأساس. وحتى القانون الذي يحكم الجمعيات به نَفَس من تكوين الأحزاب، ولو أنه لم ينص على تكوين الأحزاب ورغم أن القانون كما تعرف قيدنا بأشياء كثيرة. وجدنا بالنهاية إما أن نقبل أو لا نقبل. وبجانب أن مجلس البرلمان الأول أقره بسرعة ولم يترك لنا مجالاً لبحث الموضوع وإبداء رأينا في تفاصيل حول مواد الموضوع. فكانت هناك اجتماعات مكثفه بيننا نحن بالذات: أي ثلاث من ست جمعيات. وقدمنا أيضا اقتراحات للمجلس لم يأخذ بها.
تعريف الليبرالية
أحمد العبيدلي: يمكننا تجاوز قضية جمعية أو حزب، عبر القبول بأن البحرينيين يعتبرون جمعياتهم أحزابا فلنقل هكذا.
شريف: أنا أعتقد نبدأ بالتعريف، لأن لدي مشكلة كبيرة في الموضوع. وتحديداً ما هو التيار الليبرالي. لأنك إن رغبت في توحيد أناس على أساس أنهم تيار ليبرالي يتوجب أن توضح لهم ما هي الليبرالية. هناك مشكلة في ضبط المصطلح. وحتى فترة قريبة هناك ثلاث أطراف موجودة هنا كانت ترفض تسمية الليبرالية. فالفكرة مقترنة بالفكر الرأسمالي. توجد ثلاثة أطراف بيننا منبعها اشتراكية ديمقراطية. ولا تزال الليبرالية كلمة غامضة في المصطلح المحلي، وتعريفها الأساس غير متفق عليه بالبحرين. فقد تطورت الليبرالية في الغرب ضمن الفكر الرأسمالي من نهاية القرن الثامن عشر. وهي تعتمد على مجموعة من المبادئ.
أولها: مركزية الفرد ولذلك قضية الحريات الشخصية مهمة في الفكر الليبرالي حيث الفرد هو الأساس وليس المجتمع، وهناك خلاف حول هذا الموضوع. فنجد من يغالي في مركزية الفرد ومن يغالي بمركزية المجتمع، بحيث يكون الفرد كل شيء والمجتمع لا شيء أو المجتمع كل شيء والفرد لاشيء. فهناك إشكالية.
المبدأ الثاني: الحرية وليس هناك من إشكالية في مبدأ الحرية كما هو الحال في مبدأ الحرية الفردية.
المبدأ الثالث: العقلانية الليبرالية وهي نتائج مرحلة التنوير في أوروبا، وفيما يخص الجانب العقلاني لا تنبعث به إشكالية حتى لو جاء من أصول اشتراكية.
المبدأ الرابع : العدالة. والفارق بين الفكر الليبرالي في العدالة والفكر الاشتراكي في العدالة هو أن الفكر الليبرالي يتوقف عند مفهوم العدالة ويجدها في تكافؤ الفرص وليس في تدخل الدولة في حال وجود فروقات بين طبقات المجتمع. ولا يرفض الفكر الليبرالي تدخلات الدولة هذا نتاج لاحق لليبرالية في القرن العشرين وليس الليبرالية الأساس.
القضية الخامسة التسامح والتعددية، وعلى ذلك هناك اتفاق سواء كنت ليبرالياً الآن أم كنت تحمل فكراً اشتراكياً ديمقراطيا.
القضية الثانية: من يقع ضمن هذه الخانات؟ لقد قلنا بوجود خلافات في التفاصيل. هناك جزء من التيار الليبرالي ونسميه التيار الحكومي، وهو يبرر وجود مجلسين ويبرر لعدم وجود سلطة شعب كاملة في هذا المجتمع. وأعتقد بأن من المهم أن نحدد ماذا نقصد بوحدة في هذا الموضوع. ويرتبط بذلك حدود الفكر الليبرالي فيما يتعلق بحرية الفرد. أعتقد أن كل الليبراليين سواء كانوا حكوميين أم معارضين يتبنون قضية احترام الحريات الشخصية. على أن الاختلاف يقع في التفاصيل حيث يضعف تصور برنامجاً سياسياً يجمع ليبرالياً حكومياً بليبرالي معارض.
مدن: أبدأ بالإجابة على سؤال محور الندوة، وهل يستحق البحرينيون قيام حزب ليبرالي موحد؟ وأجيب: نعم، يستحق البحرينيون قيام حزب ليبرالي ولكن ليس موحدا، لأن كلمة موحد تثير نقاشات عديدة، تتصل أساساً بتحديد المصطلح أو المفهوم. وتحديداً، ماذا نعني بالليبرالية؟ ففي تقديري أصبح مصطلح الليبرالية في السنوات الأخيرة يستخدم بشكل غير دقيق وغير علمي في الصحافة. بات كل الناس يقولون نحن ليبراليون. الماركسيون يقولون نحن ليبراليون، البعثيون يقولون نحن ليبراليون، والقوميون يقولون نحن ليبراليون، هذا غير صحيح. البنى التنظيمية والفكرية في هذه التنظيمات القائمة ليست ليبرالية بالمعنى الفلسفي الفكري الاقتصادي، ولا يمكن أن تتحول بهذه السهولة التي نتوقعها. أنا لا أستطيع ان أتخيل ان المنبر التقدمي في بنيته الحالية يتحول ليصبح تنظيماً ليبراليا، ولا أتصور جمعيه العمل بخلفيتها اليسارية القومية أن تتحول لتنظيم ليبرالي، ولا التجمع القومي. نحن نشأنا من بنى فكرية لديها موقف سلبي من الليبرالية كمفهوم اقتصادي، خصوصا الاقتصادي. كان فيه تقليد عن البعد الاجتماعي في برامجنا: دفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة والكادحة. ودائماً جرى النظر إلى البرجوازية والطبقات العليا كأنها خصم طبقي أو اجتماعي.
الآن طبعاً لا يمكن التعاطي مع الظرف الحالي كما لو كنا قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وكأنه لم تحدث تغيرات في العالم. هناك تغيرات جوهرية حصلت: انهارت الأنظمة الاشتراكية. ولم تكن تجارب الأنظمة الشمولية في العالم العربي مشجعة، أيضاً وتعرضت للانهيار أو الفشل. لذلك لا يمكن الآن أن نعيد إنتاج الخطاب السابق نفسه. ولكن التحول إلى الليبرالية بالمفهوم المطلق دون تحديد ما هو المعني بالليبرالية ينطوي على خطورة. ما هو التناقض الرئيس الآن في البحرين، أو ما هو المفصل الأساس للعمل السياسي في البحرين؟ هل هو المواجهة بين التيارات الليبرالية مجتمعه والتيار الديني، أو بناء العملية الديمقراطية في البحرين بما تقتضيه من إقامة دائرة أوسع من التحالفات بحيث تشمل جزءا كبيرا من التيارات الإسلامية التي تتناقض أنت معها بالرؤية الاجتماعية والفكرية، ولكن تلتقي معها ببرامج سياسية محددة؟ هذا هو الموضوع.
هل مهمة الليبراليين الآن هو كما يتم تصويرهم أحياناً التصدي فقط للتيار الديني ومغازلة السلطة؟ هناك من يرى ان موقف التيار الليبرالي يجب أن يكون بل وكلنا معنيون بأن نقف وننظر. فالبرنامج الاجتماعي الذي تقدمه الجماعات الإسلامية هو برنامج متخلف، برنامج اجتماعي متخلف أو رجعي إلى آخره. أوافق إلى حد كبير على هذه الأطروحة. ولكن هل البرنامج التي تطرحه الدولة هو برنامج تقدمي في كل جوانبه؟ إذا علينا ان نحدد. هل الدولة مستعدة للتعاطي مع التيار الليبرالي بروح منفتحة أو إنها الآن في تحالفاتها السياسية مستمرة في تغليب التيار الإسلامي أو جزء من هذا التيار في كل حال. أو حتى في علاقتها مع المعارضة هي أميل إلى التفاهم مع الجزء من المعارضة ذات الصبغة الدينية الإسلامية تقديرا لأن لها نفوذا وتأثيرا على حساب التيارات المصنفة ليبرالية بكل تنويعاتها. أنا لا أتكلم عن المعارضة هنا فقط، بل حتى عن غرفة تجارة وصناعة البحرين مثلا. ما توليه الدولة من تفهم للتيارات الإسلامية هو أكبر بكثير مما توليه لمؤسسة مثل غرفة تجارة وصناعة البحرين حول البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي تتبعها الدولة.
أختم أيضاً بالقول إن جزءاً من الإخوان الليبراليين الآن أو الذين يطلقون على أنفسهم ليبراليين يدعون إلى الليبرالية على أنهم تنقصهم الشجاعة في أن يواجهوا مكامن الخلل والفساد، ومظاهر الاستبداد في سياسة الدولة. هم يريدون من الماركسيين ومن القوميين أن يصبحوا ليبراليين والبعثيين أن يصبحوا ليبراليين بهذا المعنى ولكنهم ليسوا مستعدين للقيام بعملهم. لماذا لا يكون هناك حزب ليبرالي؟ فليست مهمة المنبر التقدمي ولا جمعية العمل أن تنشئ الحزب الليبرالي. أعتقد أنه من عليه أن يضطلع بمسؤولية بناء حزب ليبرالي هم مجموعات مثل جمعية المنتدى. يجب عليها أن تتصدى لفكرة التيار ليبرالي، ولدينا قواسم مشتركة كثيرة معهم، إذا رغبوا في المشي في هذا المشروع. ولكن أن يقولوا تعالوا انتم، يا منبر تقدمي وتحولوا إلى ليبراليين فهذه اعتبرها مهمة شاقة جداً، وليست بالسهولة المتخيلة.
إمكانات تأسيس الحزب
فخرو: اتفق مع حسن إذا كان هدف الحوار بين الجمعيات السياسية الثلاث وجمعية المنتدى أن تكون نواة لحزب ليبرالي اعتبر هذا مضيعة للوقت، لأن لكل جمعية أهدافها المختلفة. ولكن هل هناك إمكانية أن تؤسس جمعية سياسية ليبرالية؟ والجواب: نعم، يمكن أن تؤسس، ولكن ليس بدمج الجمعيات الأربع. وإذا ذكرنا اليوم أن هدف الحوار هو دمج الجمعيات الأربع في كيان سياسي أعتقد بأن هذا غير صحيح. كل جمعية سوف تتجه إلى اتجاهها السياسي الذي تراه مناسبا. في البحرين، ليس لدينا أي جمعية سياسية ليبرالية. ونحن في المنتدى بشكل أساس وبصراحة ومنذ بدأ التحول إلى الجمعيات السياسية قلنا إن المنتدى سيبقى جمعية شأن عام ولن نتحول إلى جمعية سياسية والكل يعرف هذا الشيء.
وأنت أخ أحمد كنت واحداً من الجماعة الذين حضروا معنا، وأنت عضو معنا، وناقشت هذا الشيء، وأخذنا قرارا بأننا لن نتحول إلى جمعية سياسية في الوقت الحالي. طبعاً أنا في المنتدى لست من يمثل الليبراليين كلهم. إنما أنا جمعية من جمعيات الشأن العام الموجودة في البلد. ممكن أن تأتي جماعات أخرى وتؤسس حزب ليبراليا هذا أمر خاص فيها، هذا شيء. الشيء الآخر، ربما الآن المؤسسات الأربع الموجودة هناك حتماً خطوط كثيرة تتفق عليها. فهناك مبدأ التسامح والتعددية والعدالة الاجتماعية لا نختلف عليها. وهناك مبدأ حرية الفرد أيضا، لا نختلف عليه، وإن كان بعضهم يغلب حرية الجماعة على حرية الفرد. مبدأ العدالة لا نختلف عليه، وتتوجب الإشارة إلى أن معظم الجمعيات يأتي من خلفية اشتراكية، والجمعيات الليبرالية توجهاتها رأسمالية تميل إلى الملكية الفردية ومتعلقاتها من المبادئ. وتؤمن كل الجمعيات الأربع الموجودة بحرية العقل بالتنوير وباستخدام العقل في اتخاذ القرار السياسي. وتؤمن بالمناقشة وبالحوار ولا تؤمن بالغيبيات والتبعية العمياوية لبعض التوجهات الاجتماعية أو المجتمعية أو حتى السياسية. نحن في البحرين لدينا مشكلة أساس.
اليوم تحدث الأخ حسن متسائلاً فيما يتعلق بما إذا كانت الدولة أو الحكومة تقف بجانب التيارات الليبرالية مقابل التيارات الحكومية، بل وإنها لا تقف مع غرفة التجارة. ربما تقف أكثر مع الجمعيات الدينية لأن في الحقيقة هناك، ومع الأسف الشديد، لم يعد القياس لم يعد مقياساً اقتصادياً بقدر أنه معيار طائفي. هذا هو الواقع اليوم أقف مع من ضد من. لم يعد الآن للتيارات اليسارية أو الليبرالية أو القومية القواعد الشعبية الكبيرة، ولم يعد لها التأثير السياسي الواسع، بحكم الظروف السائدة في المنطقة والتصفيات التي صارت في الأحزاب اليسارية، وبانتهاء الدول التي تدعم الأحزاب اليسارية. أصبح التسلط الآن في المجتمع هو للتيارات الدينية بمختلف فئاتها. سواء كانت تتبع فكر حزب الله أو فكر الإخوان المسلمين أو فكر السلف. وبالتالي أصبح للحكومات خياران: إ ما ان تتهادن مع بعض الأحزاب أو أن تتعارك مع بعض الأحزاب وهذه ظاهرة موجودة بالعالم بأجمعه.
أصبح الآن في الحقيقة العالم كله مقسما بحسب الطائفة وليس بحسب الفكر، على الأقل فيما يتعلق بالدول المتخلفة التي عندنا. باتت دول العالم الثالث مقسمة حسب الطائفة أو التفكير الديني وليس على أساس الأحزاب أو الرؤى السياسية كما كانت الأمور سابقاً، وهذه مشكلة عويصة. أرجع وأقول لنسقط هذا على البحرين، وأبين أن ما أردت قوله إنه إذا كنا اليوم مجتمعين لنتباحث في أمر ما إذا كانت هذه الجمعيات الأربع بصدد تكوين حزب ليبرالي فهذه بداية خاطئة.
العبيدلي: لماذا؟
فخرو: لأن لكل تجمع آراءه المستقلة. إما هل هناك إمكانية لأن نؤسس جمعية ليبرالية؟ فالإجابة بنعم. فهناك إمكانية، ولكن يجب أن تأتي بالقواعد والأشخاص المؤمنين بالرؤى الليبرالية. ونحن بالمنتدى كنا ينظر لنا في فترة من الفترات لأن نؤسس جمعية سياسية أو حزباً سياسياً، أيا كانت التسمية، ولكنه ليبرالي. ونحن اتخذنا قرارا ألا نقصر تفكيرنا على العمل السياسي فقط وإنما نظل على ما نحن عليه جمعية من جمعيات الشأن العام.
الليبراليون وتفادي الاصطدام بالسلطة
مدن: ممكن أسأل الأخ جمال؟ جمعية المنتدى تمثل الآن شريحة ليبرالية مؤمنة بالفكرة، وهي أكثر التجمعات قرباً للفكر الليبرالي، بتقديري للفكر الليبرالي في البحرين. أقول ذلك بالنظر للنخبة التي تمثلها، وبالمكانة الاجتماعية والاقتصادية لأعضائها، وبصلتها بالليبرالية كمفهوم اقتصادي اجتماعي فكري. والسؤال: لماذا اختارت جمعية المنتدى وما تمثله من حولها أن لا تتحول إلى جمعية سياسية؟ هل خوفا من السياسة؟
فخرو: لا لا لا، لأن القائمين على جمعية المنتدى والأعضاء في جمعية المنتدى لم يكونوا جاهزين للتحول من جمعية تعنى بالشأن العام إلى جمعية تعنى بالشأن السياسي.
مدن: هل تتوجسون من أن يجركم الأمر إلى الصدام مع السلطة؟
فخرو: لا أبدا. بالعكس. نحن لدينا مواقف شديدة مع الحكومة والنظام. بيننا حرية الفرد.
شريف: لكن هذه ليست من القضايا السياسية. الحكومة لاتختلف معكم هنا.
فخرو: لا. الحكومة تختلف معنا. إنك تتكلم في الجامعة بمنع الاختلاط وفي المجمعات وهم يرجعون الآن للخلف. وهناك دعوة لأن يكون بائع الملابس النسائية امرأة وليس رجلاً.
شريف: هذا ليس موقف الحكومة، هذا موقف تحالف الحكومة مع التيار الإسلامي المحافظ. موقف الحكومة أنت تعرفه، لولا ضغوط التيار الإسلامي المحافظ واضطرار الحكومة لتقديم تنازلات له، ما كان هذا الموقف. موقف الحكومة أنت تعرفه. ضغوط التيار الإسلامي المحافظ واضطرار الحكومة لتقديم تنازلات للأطراف القوية، الحكومة وجدتكم تيارا ضعيفا.
فخرو: كل التيارات ضعيفة.
شريف: هذا صحيح. كلنا تيار أو طرف ضعيف ولستم أنتم فقط. وبالتالي غلبت الحكومة الأهم على المهم. بالنسبة لها بات الأهم الحفاظ على مصالح السلطة وكل ما تبقى من القضايا مثل أن جمال، والله، ليس عنده حرية شخصية ولا إبراهيم ولا رسول ولا حسن لا يملك أي منهم حرية شخصية، هذا أمر ليس بذي أهمية. والسبب لأنه لا يقيد الحرية الشخصية لمن هم في السلطة ولكن يقيد من حرياتنا نحن، ولا يقيد من حرياتهم فهم يلبسون ما يشاؤون ويشربون كما يشاؤون ويسافرون كما يشاؤون ويقيمون الحفلات في بيوتهم كما يشاؤون. فهذا الموضوع لا يتدخل في حرياتهم الشخصية بل يتدخل في حرياتنا فبالتالي ممكن التضحية به.
فخرو: أرجو ألا تأخذنا العاطفة في كلامنا. نحن نتكلم الآن أننا في جمعية المنتدى لم نكن مهيئين للتحول. وعندما يأتي أفراد ويقتنعون بأنهم يريدون أن يتحولوا إلى جمعية سياسية ليبرالية: فأهلاً وسهلا. نحن لم نأخذ القرار في الظلام عقدنا جمعية عمومية، واجهنا الأعضاء كلهم. وناقش منهم من ناقش، وجلسنا جلسات مطولة حتى خارج الاجتماعات الرسمية. في الحقيقة أنا أعددت ورقة والأخ أحمد أعد ورقة والأخ عبيدلي أعد ورقة بنفسه. وكلنا أعددنا أوراقا. وشارك معظم أعضائنا. هل هذا معناه ان المنتدى لن يتحول؟ والقرار عند الجمعية العمومية. عندما تعتقد الجمعية أنها سوف تتحول، ستتحول. لن يمنعها أحد. ونحن الآن نريد ان نمارس عملنا كجمعية للشأن العام خارج قيود قانون الجمعيات السياسية.
الجشي: نحن نتكلم عن الليبرالية، والواقع أننا لم نحدد ماذا نقصد بذلك. فهي يمكن أن تكون ليبرالية سياسية أو اجتماعية. وأحياناً ربما تلتقي بشخص ليبرالي سياسياً ولكن تنقصه الليبرالية الكاملة اجتماعيا، من ناحية السماح للقضايا الاجتماعية. نحن لا نريد أن ندخل في التفاصيل. فنحن عندما نحدد الحركات، كما ذكرت، يمتد الفكر الليبرالي في البحرين إلى بداية القرن العشرين. فهل تقصد الليبرالي من حيث التحرك السياسي كالذي حصل في البحرين مع بداية العشرينيات إلى يومنا هذا؟ أو تتحدث عن التفكير الليبرالي من الناحية الاجتماعية؟ يجب أن نحدد.
العبيدلي: هنا لا نتحدث عن حركة العشرين السياسية، بل عن مفكرين مثل مبارك الخيري والشيخ محمد صالح ومجموعة من 1905 إلى 1918 الشيخ محمد صالح تعرفونه الذي كان ألقى محاضرة عن الدين في العقد الثاني من القرن العشرين فهوجم وأغلقت مدرسته، واضطر للنزوح إلى الهند.
فخرو: هؤلاء الناس تبنوا فكر رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده.
الجشي: نحن في نهاية الأربعينات 1949 و1948 على وجه التحديد. حين تم البدء بفتح مدارس للنساء واعترضت مجموعة كبيرة من المجتمع على فتحها، دعا نادي العروبة لاجتماعات متكررة وهي موجودة في سجلاتنا لأجل رفع الحجاب أي ضد الحجاب، محاضرات ضد الحجاب. كان العائق الذي طرح حينها أنه كيف يمكن لمتحجبة أن تخرج في الشارع وتذهب للمدرسة؟ والآن نرجع بعد نصف قرن لتجد أن الحجاب رجع من جديد وبالشكل الذي نعاني منه الآن. هناك تحولات ولكن ليست بالضرورة كلها سليمة. أحيانا تكون التحولات بالاتجاه المعاكس أو تعود للبداية وهذا ما سبب لنا إشكالات بالمجتمع البحريني نعاني منها للآن.
أعتقد أننا عشنا فترة في البحرين وكانت بعيدة عن قضايا حجاب المرأة. كان الإنسان يعبّر فيها بحرية. وكان يخرج في رحلات، ويقوم بنشاطات كثيرة لا تدعو للمجون واللاأخلاقية بل العكس.
أتذكر أننا كنا نذهب في عطلات، وكنا نبدأ مساءنا بصلاة المغرب جماعة، وبعد الصلاة نتعشى ونبدأ السهرة.
المفهوم كان يختلف. كنت تعيش بقرارات على إنك إنسان حر شيء، وأن تمارس واجباتك الدينية شيء آخر. الآن مجتمعاتنا ما عادت تجمع بين الإثنين. صار فيه نوع من التزمت لما عشناه في البحرين قبل عقود. هذا من ناحية الموضوع كتفسير ليبرالي.
أما من ناحية التجمع كما ذكر الأخ جمال: أن نجمع الأحزاب كلها أو الجمعيات كلها الآن في حزب واحد شيء غير عملي مطلقا أتصور. وقد دعا قبل سنتين الشيخ محمد علي المحفوظ في أحد اجتماعات وعد لتكوين حزب واحد.
العبيدلي: أي نوع من الأحزاب؟
شريف: حزب معارض.
الجشي: هذا غير معقول. ممكن ان نشكل تكتلا معارضا كما نحن الآن لكن أن نشكل حزبا معارضا شيء آخر.
إلى الآن مفهوم الحزبية غير واضح في أذهان الناس، يختلف الإنسان الحزبي بالتزاماته وبأخلاقه وبتفانيه عن الإنسان المُنضمّ إلى جمعية من الجمعيات. هناك اختلاف كبير في رأيي، وهذا يسبب الخلل في نشاطات الجمعيات بشكل عام. بدأنا بزخم ومع مرور الوقت، بات العمل السياسي، تصوروا، لا يختلف تماماً عن أي عمل آخر في أي جمعية خيرية أو اجتماعية. باختصار يلزمنا سنوات صراحة قبل أن نستطيع أن ننشر عقلية العمل الحزبي. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية نحن في المنطقة بشكل عام ليس في البحرين فقط، يقودنا نظام خاص. فلنكن صريحين السلطات التي تقود المنطقة سلطات لايمكن أن تنسجم مع أي من تكتل حزبي بالمعنى المفهوم بالوقت الحاضر كما في أوروبا. وبالتالي عندما ابتعدنا عن كلمة عند طرح موضوع قانون الأحزاب شعرنا أنها كلمة تحتاج إلى وقت لنبلور فيه مفهوم العمل الحزبي.
حتى الآن مفهوم العمل الحزبي في البحرين غير مبلور، لبعض الأشخاص. فلنكن صريحين، الأخ حسن كان حزبياً وأنا كنت وكذلك إبراهيم. كانت الفكرة واضحة لدينا. وبكل صراحة نحن في أزمة مع قواعدنا بالجمعيات. ففي الوقت الذي اعتبرنا فيه أن العمل في الجمعية امتداد لعملنا وتفانينا لما كنا عليه في الحزب، وكنا نضحي بكل شي في سبيل عقد اجتماع على بعد كيلومترات. تركنا الأهل في ليال في سبيل هذا الشيء.
تدعو الآن لاجتماع عادي للجنة، لتجد أنه حين يحين موعد الاجتماع تجد النصف غير حاضرين الاجتماع، هذا الفرق الكبير. ومع عقلية من هذا النوع، عقلية غير متفانية، عقلية لم تعد تستوعب العمل يصبح من الصعب أن نفكر تفكيراً حزبياً بالمعنى الصحيح. بجانب أنه عندما تتشكل الأحزاب في كل العالم يكون لها هدف سياسي، وقد لا تستطيع عمل هذا الهدف منفرداً، ولكن يمكن باشتراكها مع الآخرين واندماجها عملياً ونشاطها مع الآخرين تستطيع أن تشكل اتجاه. ولكن يبقى أنه كانت هناك عندنا نقطة أساس في البحرين تعيق العمل السياسي وهي عدم تداول السلطة.
العمل الحزبي في الأساس لتداول السلطة سواء في بريطانيا بين حزبين أو ثلاثة وبأميركا. فالصراع بين حزبين لتداول السلطة عندنا أمر غير وارد أصلا. ولقد قبلنا بالوضع، وهذا موضوع آخر. ولكن كان لغياب تداول السلطة لدينا أن وجد كثير من الأعضاء الذين كانوا حزبيين يقول إني سأتفانى، وأعد التقارير المطلوبة، وأحضر. ولكن تبقى هناك حدود لا أستطيع أن أخترقها. وكل هذه قضايا يجب أن تبحث بشكل جدي على أساس أن نصل لإجابة، إن استطعنا أن نصل لإجابة نهائية.
ليبراليو البحرين
مدن: عودة إلى تاريخ الليبرالية، لا أعتقد أن البحرين لها تاريخ مع التيار الليبرالي. هناك تراث من الفكر التنويري أفكار التسامح وأفكار الانفتاح وأفكار الإصلاح. كانوا متأثرين بأفكار الإصلاح الإسلامي. يعني بأفكار جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده والكواكبي. هذه لم تكن أفكار ليبرالية بالمعنى الليبرالي الفلسفي، بل أفكار تدعو للإصلاح، والتجديد الديني وفهم جديد للإسلام بحكم وضع البحرين الجغرافي كجزيرة وانفتاحها. على العالم كانت تمتص هذه الأفكار وتستوعبها، فضلاً عن التعدد الموجود في البنية الاجتماعية والثقافية، واختلاف الطوائف والأعراق والأجناس لأن البلد كانت مفتوحة فهذه هيأت الانصهار وبروز هذه الأفكار.
في تقديري، لكي تكون حركة ليبرالية قوية يجب أن تكون هناك برجوازيه قوية مستقلة من شروطها في تقديري لا يمكن لحزب ماركسي أن يكون ليبرالياً، ولا يمكن أن يكون لتنظيم بعثي أن يكون حزباً ليبرالياً، ولا يمكن لتنظيم قومي أن يكون حزباً ليبراليا. هذه هي الحقيقة والحركات السياسية المنظمة في البحرين كلها نشأت على خلفية وقاعدة غير ليبرالية، بل أستطيع أن أقول إنها معادية لليبرالية في بعض الجوانب. فلا يمكن الآن التحدث عن جبهة التحرير أو الجبهة الشعبية أو حزب البعث أو حركة القوميين على أنها تيارات ليبرالية. شروط الليبرالية تستلزم هذه البرجوازية القوية وهذه غير مهيأة، وأنا أقارن في تقديري حجم تدخل الدولة في الاقتصاد والأشخاص المتنفذين تحديداً لم يترك مجالاً للبرجوازية أن تكون مستقلة عن الدولة. نقارن دور الغرفة والتجار في الكويت والبحرين. لماذا العملية الديمقراطية في الكويت أرسخ؟ ولماذا السلطة حتى لو حلت البرلمان تضطر للتراجع عن حله؟ لماذا هيبةالسلطة التشريعية في الكويت بهذه القوة وبهذا النفوذ بصرف النظر عن التنويعات إن كانت المعارضة قومية أم يسارية أم إسلامية، كانت هناك سلطة تشريعية قادرة وقوية لأنها تعبر عن قاعدة اجتماعية صلبة تحديداً بما أسميه بالبرجوازية. هل يوجد أحد من رجال الأعمال في البحرين على هذا القدر من الشجاعة. هناك ماركسيون نعم كانوا على قدر من الشجاعة وقالوا هذا الكلام، وبعثيون قالوا هذا الكلام، وهناك قوميون، لكن أعطني اسم رجل أعمال بارز اتخذ هذا الموقف، هذا هو الفرق. لنوجه النقاش لوجهتين: أنا مع العنوان، هذا يعجبني وأريد حزبا ليبراليا قويا في البحرين يمثل هذه النخبة التجارية. ونحن كتيارات لدينا مشتركات كثيرة وممكن أن نتحالف معه إذا وجد، ونجد أنفسنا في أمور أقرب إليه. لكن أين هذا الحزب؟ لن نبني هذا الحزب ولا نستطيع ذلك موضوعياً. لدينا أصوات في المنبر أو في غيره، تريد نزوع ليبرالي أكثر. هل تسمح بنية المنبر بهذا التحول؟ لا. لا يمكن.
شريف: في العالم العربي هناك نموذج لحزب ليبرالي هو ‘حزب الوفد’، أكبر نموذج لحزب ليبرالي هو هذا الحزب. فقد كان معارضاً للاستعمار وحزباً معارضاً للقصر وحزباً تداول السلطة. في هذا الموضوع كان يحمل كل الأفكار الليبرالية الاقتصادية والسياسية. وهو معارض سياسي يدفع باتجاه المجالس التشريعية، وبناء عقد اجتماعي. وتبنى ليبرالية اقتصادية واضحة وموقفه ليبرالي اقتصادي حر دون تحفظات، ويأخذ بليبرالية اجتماعية بمعنى تأكيد حقوق الفرد. كل هذه الثلاث زوايا موجودة. وبالمقارنة فالتيار الليبرالي في البحرين، قام خارج جمعيات المعارضة وهو تيار يخاف صدام السلطة وهذه مشكلة، ومثله يخاف التجار، بينما يمكن يشكلون قوة، والمخزون الأساس لهذه الأحزاب. فبهذا الشكل من المفروض أن التجار وشرائح من الطبقة الوسطى يشكلون هذا المخزون. وينبعث وسط التجار خوف، وهذا الخوف مشروع سببه هو أن أغلب التجار عقودهم مع الحكومة. وفي الحقيقة أنك إن أزلت عقود الحكومة ينهار جزء كبير من القطاع التجاري.
بينما أنت تتكلم عن مجتمعات ثانية تنمو فيها الليبرالية كمعارضة أيضا، بسبب وجود قطاع واسع من العمل التجاري مستقل. وهذا غير موجود. لكن في بداية القرن العشرين كان موجود عندنا. ولا أعتقد أن البحرين والكويت تختلفان الآن كثيرا، لكن الكويت عندها تاريخ من العقد الاجتماعي من قبل السلطة الحاكمة والتجار أو كبار القوم في المجتمع، ففيها تاريخ مجريات غير موجودة في تاريخنا بالبحرين. وأعتقد أن البنية الاقتصادية في دول الخليج كلها متشابهة، ولا تسمح بظهور تيار ليبرالي معارض قوي بسبب تشابك المصالح مع الدولة. وزادت الدولة قوتها بعد ارتفاع النفط في السبعينات مرة ثانية في نهاية السبعينيات ولما ضعف دور الدولة في الثمانينيات والتسعينيات قويت مرة ثانية بسبب ارتفاع إيرادات النفط. حتى التاجر الذي كان على وشك أن ينتقد، لم يقم بذلك. ولو تسمعهم في مجالسهم الموجودة في بداية العقد لسمعت انتقاداتهم. ولكن لم تصل الأمور إلى مرحلة الانفجار لأن الوضع الاقتصادي الجديد، وعقود الدولة الكبيرة أنقذت الدولة من أن تخسر جزءاً من هذا القطاع أو يتحول لقطاع معارض علنا، كما هو معارض في جلساته. وبمناسبة الحديث عن الحزب الليبرالي، فلا أعتقد أن على الأرض ما يسمح بوجود حزب ليبرالي مع وجود هذا التشابك بين المصالح بين الدولة والقطاع التجاري.
ما هو الممكن تبنيه من الجوانب الثلاثة من الليبرالية. الجانب الأول: الليبرالية الاقتصادية: تمشي بدون حزب. نتكلم عما هو ممكن لما يسمى بالتيار الليبرالي. تجاوزا هي الليبرالية الاجتماعية. هناك أجندة اجتماعية مشتركة بين التجار: وبعض التجار محافظون. لكن أغلبيتهم الموجودة تخاف الصدام مع الحكومة ولا تستطيع أن تشكل حزباً ليبرالياً، وهناك قطاعات موجودة كمعارضة. ما هو موجود هو أجندة اجتماعية هو الحفاظ على الحريات الفردية. وهذا مجال يمكن العمل فيه لكن شروط نجاح هو في عدم تحويله إلى أجندة المقصود فيها محاربة التيارات الإسلامية. أي بمعنى الاهتمام لئلا تحول أجندة لتكون سلبية، بل تبقى إيجابية. هذا تيار تدميري يطرح أفكاره ولا يعمم على كل التيارات الدينية أنها رجعية. مثال في تركيا اذا تسألني اليوم من التيار الرجعي في تركيا اقولك التيار الرجعي هو التيار العلماني. التيار العلماني يرفض ان تكون المرأة تحتفظ بحجابها داخل الجامعة، ويرفض الحرية الفردية في هذا الموضوع. قد تكون الأجندة طويلة المدى، لكن أنا أقول لك اليوم إنه في الموقف من الحجاب في الجامعات التركية التيار الذي يشكل التيار المخلص للعملية الليبرالية الاجتماعية هو التيار الإسلامي ممثل في حزب الرفاه، أما حزب العدالة والتنمية وتيارات الأحزاب العلمانية فهي مغالية في الحجاب. وموقفها تقييد للحريات. إننا ننادي أن بأن تلبس الناس كما تشاء في حدود الذوق العام، وهناك تيار علماني مغال ينزع الحجاب بقوة.
الليبراليون كحزب معارض
جمال فخرو: لا أعلم لماذا الإصرار على أنه إذا وجد حزب ليبرالي فيجب ان يكون معارضاً. فالمطروح الآن أن يكون الحزب معارضاً أو لا يكون على الإطلاق؟
إذا ما اعتقد الحزب الليبرالي بأي مكان بالعالم أن ما يقوم به نظام الحكم يتفق مع آرائه، فهل هذا يحرمه من أن يعتبر حزباً؟ إما ان تكون أجندة الحزب السياسي معارضة أو لا يكون حزباً بالإطلاق. ، هذا ليس بصحيح. ولنضرب مثلاً فحين تتكلمون عن أي مكان للسلطة في العالم واستلمت انت السلطة غداً، فماذا ستصبح؟ يا جماعة، هذا لا يصير. ولنتفق على أنه لا يوجد حزب يكون طوال عمره معارضا أو طوال عمره حليفاً أو مؤيداً للحكم.
شريف: ليس هناك حزب ليبرالي لا يؤمن بحاكمية الدستور، ولا يؤمن بحاكمية الشعب. ولا يؤمن أنه يوجد أحد في الحكم له امتيازات مقابلك أنت. فاذا قام حزب ليبرالي على هذا الاساس فسيتوجب أن يقوم اليوم على مبدأ المعارضة. وغداً يمكن عندما يصطلح النظام، يقوم الحزب على مبدأ الموالاة. ولكننا اليوم نتكلم عن شروط، وليس هناك حزب ليبرالي يقوم إلا على مبدأ العقد الاجتماعي.
العبيدلي: ألا تعتقد أنه يمكن لأحد أن يستنتج من كلامك إذا كان أمامنا قدر من الصعوبات في البحرين، ألا يتطلب هذا وحدة أكبر من القوى الحزبية في البحرين. هذا موضوع عمره ليس خمس سنوات، وإنما ثلاثون أو أربعون سنة حينما كانت المعارضة في الخارج، وكانوا يجتمعون ويصدرون البيانات. أنت تقول إن مشاكلنا أكثر في الخارج، ولكن القوى السياسية لا تقوم بواجبها. هي لا تقفر بمستوى عملها. وعلى سبيل المثال، أعتقد أن الخلافات داخل الحزب الجمهوري في أميركا كبيرة بين يمينه واليسار والوسط. ولكنهم ينتمون كلهم لحزب قوي، كبير، يتنافسون وسطه، ويستفيدون من إمكاناته.
شريف: لو كان الخطر الأساس من القوى الدينية لكان الوضع مختلفاً. هناك احتمال على المدى البعيد لربما ليس لتبلور أرضية لحزب سياسي، ولكن ستكون هناك أرضية قوية لتطور تحالف يشبه الحزب السياسي، أي شيء أقل من الحزب السياسي. لو كان الخطر حقيقيا، لتغيرت الأمور. ولو كان هناك تداول حقيقي للسلطة، وجاءت الجماعات الدينية واستولت على السلطة لاختلفت الأشياء. على أن هذا غير موجود أصلاً. فلا الدستور يسمح بهكذا موضوع ولا الواقع يقول بغير ذلك. لو برزت هذه الوضعية، أي مجيء القوى الدينية واستولت على السلطة وقامت بأجندتها، فسيكون الأمر مختلفاً. ولكن يشترط وجود حالة حكومة دستورية لو كان الملك هو الملك، يملك ولا يحكم (190). وحين أفترض أن القوى الدينية جاءت وسيطرت وفرضت أجندتها، أعتقد سيكون هناك خطر شديد سيجمع هذه القوى الليبرالية دفاعاً عن النفس، وستكون في تحالف قوي جداً وستدخل الانتخابات. لكن هذا الخطر مبالغ فيه اليوم، وليست القوى الدينية لا الشيعية ولا السنية تستطيع أن تفرض أجندة كاملة على الحكومة؛ لأن لا وجود لمبدأ تداول السلطة. يصبح هذا الخطر مبالغاً فيه، وبالتالي ليست هناك أسباب لقيام هذا التحالف وبهذا الشكل. صحيح برزت تراجعات على مستوى معين، لكنها لا تمس على مستوى الحريات 100% من حرياتنا. الحكومة تقدم تنازلات للأطراف الدينية مقابل تنازلات تقدمها الأطراف الدينية الموجودة في المجلس النيابي، أي الأغلبية النيابية.
تقدم لها بعض التنازلات المتبادلة في مجال الحريات الشخصية، مقابل خفض قليل في عدد الحفلات. تبقى الحفلات، ولكن أخف ظهوراً، ويتم التقييد في فنادق الدرجة الثانية والثالثة. هذه الفنادق تكون فيها عمليات دعارة واسعة بطريقة أو بأخرى. وسيكون هناك تقييد في بعض المجالات، لكن لم تصل إلى مرحلة بعدم الشرب في رمضان. هذه كلها قضايا تنازلات صغيرة، مقابل تنازلات كبيرة تنالها من التيار الديني المحافظ؛ للحفاظ على الوضع الراهن كما هو. أنا أعتقد لو كان هناك دستور قوي، وتداول للسلطة صحيح وفرضت الأجندة الدينية المتشددة بسبب وصول ممثليها لمركز القرار، أعتقد حينها ستبرز أرضية لتحالف ليبرالي واسع.
يمكن أن يكون فيه قائمة انتخابية واحدة، اجتماعات متصلة إلى آخره، تكافح هذا الخطر. ولكن الخطر الموجود كان موجوداً دائماً: سلطة متنفذة، والقرار السياسي موجود، تعطى تنازلات قليلة.. ترضي هذا وتقنع ذاك. ثم حين تتحدث عن غرفة التجارة. أسمح لي أن أقول لك إن فعالية غرفة التجارة تكون موجودة، عندما تختلف أطراف الحكم. خذ قانون إصلاحات سوق العمل، مرئيات غرفة التجارة تفوقت على هيئة سوق العمل، أو مجلس التنمية، بسبب وجود طرف من أطراف السلطة موجود في الحكومة شجع ومن خلال شخص، فباتت الوضعية محسوبة، وبالتالي أعطت غطاء سياسيا بأن تحركات الغرفة لن تكون محل غضب واسع لأن جزءا من السلطة السياسية موافق على تحركاتكم. بالتالي أصبح ممكناً للتجار المناورة في ظل وجود خلاف في رأس السلطة. وفي ظل اتفاق رأس السلطة المناورة محدودة. ففي ظل خلاف، يكون هناك دعم، وسيتوفر بالتالي الغطاء السياسي. إلا أن الغضب سيكون شديداً على التاجر الذي سيعارض خطط الحكومة. هذه هي الحدود وأنا أعتقد أن هذه حدود اقتصادية وليست حدود سياسية. لم يتكلم أحد في الغرفة التجارية عن الحدود السياسية وإنما عن الحدود الاقتصادية المشروعة. وحتى في هذه الحدود تم ذلك في وجود سلطة حامية وليس مواجهة مباشرة مع كل السلطة السياسية.
العقد الاجتماعي يحدده وجود الدستور. وهذا الدستور يعطي صلاحيات للشعب وليس للحاكم. وهذا غير موجود الآن. وبالتالي أنا أقول الآن شروط قيام الحزب الليبرالي إذا قام فهو يجب أن يكون معارضاً. ويمكن له على المدى البعيد أن يصلح النظام ويكون جزءاً منه. ولكن تبقى هذه قضية ثانية. على المدى القصير هذا هو العقد الاجتماعي المطلوب. هذه هي الليبرالية التي قامت على أساس تحديد صلاحيات الاقطاع وتحديد صلاحيات الملك ووضع الملك في محله.
مدن: دعني أضيف أو أطور الفكرة. أنا أفهم قول الليبراليين البحرينيين أنهم مع مجلس الشورى. وأستطيع أن أتفهم إننا نريد مجلس الشورى لأننا لا نريد مجلساً إسلامياً. لكن أريدهم في الوقت نفسه أن تكون عندهم الجرأة يتكلمون عن الفساد في الدولة. أي مثلما تفعل المعارضة. بالمقارنة تقول برامج القوى السياسية إن السلطة التشريعية يجب أن تنحصر في المجلس المنتخب، وبذلك فإن الجمعيات السياسية المعارضة ضد إعطاء صلاحيات تشريعية لمجلس الشورى. وأستطيع أن أتفهم لو قال الليبراليون في البحرين: لا نحن في هذه المرحلة، ومن أجل مصالحنا بالذات، نريد مجلس شورى، ولا نريد قوى إسلامية. وللتوضيح فأنا لا أطالب الليبراليين أن يتبنوا خطاب المنبر التقدمي أو جمعية العمل أو غيره، لكن هل يمكنهم أن يتحدثوا في الوقت نفسه عن الفساد وأن يكون لهم موقف انتقادي وجريء؟
فخرو: والله عندما تؤسس جمعية سياسية ليبرالية لن يمنعهم شيء أو يحدهم أمر من أنهم يتكلمون في أي موضوع. لا أعتقد أن سيكون فيه شيء يمنعهم. لا يمكن كتابة أجندة لحزب ليبرالي كما لا يمكن لحزب وعد أو للمنبر. هذه الأجندات تكتب من قبل من أسس هذه الجمعيات السياسية. وليس لدي اليوم جمعية سياسية اسمها حزب ليبرالي. هناك أفراد. ومن حقهم أن يتحدثوا بصفتهم الفردية. وهذا حق يعطيهم إياه الدستور ويكفله النظام ويؤكده القانون. ويبقى أنه من حق المواطن أن يقول ما يشاء. بل يتوجب الأمر الإشارة إلى أن هناك أيضاً تيارات دينية، وهي اليوم محسوبة أنها حليفة للحكم، ولكننا نجدها في مجالات معينة تقف وتقول هناك فساد، وهناك استغلال للمناصب وآخره. من حق الإنسان أن يقول ما يشاء. هناك دستور يحكم تنظيم العمل السياسي في البحرين. ويوجد قانون يحكم الشأن في الجمعيات السياسية ولدينا دستور يحمي الحرية الفردية. باتت هذه المسائل كلها موجودة. ولكن أعود لأعلق على شيئين، الأول: في الحقيقة لا أعتقد بأنه من الصح أن نقارن بين تجار الكويت والوضع السياسي هناك وتجار البحرين والوضع السياسي بها دون أن نحدد المقارنة بفترات زمنية معينة. وعلى سبيل المثال أعتقد بأن مواقف تجار البحرين في بداية القرن الماضي من العشرينات إلى الخمسينيات والستينيات تختلف عن مواقفهم من الستينيات إلى السبعينيات وتختلف عنها مواقفهم من الثمانينيات إلى الآن. وكذا الحال في الكويت، فهي أيضاً تختلف. يصعب وضع شيء عام.
والشيء الثاني: أن الموقف الليبرالي ليس محصوراً في القرار السياسي، أو محصوراً في القرار الاجتماعي. الموقف الليبرالي هو منظومة من الأفكار والتي تؤثر في كافة المتغيرات في المجتمع سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو غيرها. لا نقول إن التيار الليبرالي له موقف سياسي.
لا، لا نستطيع أن نعزل الموقف السياسي عن الاجتماعي عن الاقتصادي. وبالتالي لا نستطيع أن نعزل. أنتم الآن جمعيات سياسية، أليست لكم مواقف اقتصادية أو مواقف اجتماعية أو مواقف ثقافية أو مواقف في التعليم أو الصحة أو الخدمات؟ لنا كلنا مواقف.
ويتبقى القول بأننا نتفق في كثير من المواقف المجتمعية أو الاجتماعية مع الجمعيات التنويرية في المجتمع. سواء ‘وعد’ أو ‘التجمع’ أو ‘المنبر’ أو جمعيات أخرى غير موجودة اليوم، بل وحتى مؤسسات الشأن المدني.
وعلى سبيل المثال فعندما انبنى تيار ‘لنا حق’ منذ ثلاث أو أربع سنوات لم يأت أحد عنوة لكي يطلب من الجماعة أن تأتي إليه، وإنما أتى من قدم إليه وانضموا إليه وتكلموا فيه وعبروا عن رأيهم. لنا اختلافات جذرية في أمور معينة ولكن نتفق في أمور أخرى. وأتى هذا الاتفاق من خلال هذا التيار. وبالتالي أرجع وأقول، وكما قلت في البداية نحن يجب ألا نفكر في خلق جمعية سياسية أو حزب سياسي من التيارات الموجودة الآن في هذه الغرفة لتأسيس جمعية حزب سياسي ليبرالي واحد لوجود خلافات أساس. ولكن هذا لا يمنع بلورة تحالفات مجتمعية سياسية اقتصادية بين الجمعيات الأربع سواء جمعيات سياسية أو جمعيات شأن عام. لنا مواقف مشتركة، ونتفق في كثير من الأشياء.
الكل يطالب الكل
العبيدلي: كل جمعية من الإخوان هنا أو في خارج القاعة تطالب جمعية أخرى أن تقوم بشيء ما، ولا تقوم بواجبها بين قوسين.
فخرو: مثل ماذا؟
العبيدلي: أعطيك مثالاً بسيطا. الإخوان في ‘وعد’ و’المنبر’ وكما أشار مدن في عمود سابق له، يطالبون المنتدى بأن يكون حزباً وأن يكون معارضاً. ويعود السبب الأساس لامتناع المنتدى من التحول لحزب، انعدام المقدرات لديه. بينما لو تنازلت التجمعات الأربعة أو غيرها من المتبنين لليبرالية وقبلوا بالعمل ضمن حزب موحد، لتغيرت أمور كثيرة بفعل نمو القدرات ذاتها.
ثم هنا إلقاء اللوم على كبار التجار مثلاً. وهم ينطلقون مما حدث في السنوات الخمس الماضية. وفي الحقيقة أنهم لم يعودوا كما الماضي حين كانت الحكومة تتحكم فيهم، ولربما الحكومة الآن تجري وراء التجار، بسبب قضية التنمية في البحرين وفي الخليج. لم تعد الدولة بما فيها الدولة السعودية تقول بأنها قادرة منفردة على تحقيق التنمية، وهي تطلب من القطاع الخاص المساعدة. بتنا في ظرف يشبه ظرف أوروبا عندما ركض الملوك وراء البرجوازية ليحصلوا على أموال ليغزوا أراضي أخرى. الآن ليس هناك من غزو ولكن تنمية. القطاع التجاري أصبح بما لا يقاس أقوى من الكويت أو أقل، لا أدري. ولكن على مدى السنتين والنصف الماضيتين حدثت خلافات كثيرة بين الدولة وغرفة التجارة ونشرت في الصحف.
فهل تضع الأحزاب -وأنتم منها- العين على تطور الوضع السياسي؟ وهل يحظى هذا بمراقبة منكم؟
هناك جانب آخر: الحزب الشيوعي، أو التحرير سابقاً، والشعبية والبعث سابقاً، كان لديهم أهداف ولعقود. مثلاً الحزب الشيوعي كان ينتظر قيام الاشتراكية وصولاً للشيوعية. الآن هذه المقولات التي تمتد لعقود في المستقبل، لم يعد حتى أعضاء الحزب يحلمون بها. ألا يقع مستقبل هذه الأحزاب في الليبرالية؟ إذا نفكر في الأحزاب للمستقبل، ألا يقع مستقبلنا في التجمع معاً واللقاء في حزب واحد. هذا ما نسمعه في البحرين من الناس العاديين الذين يقولون حين ينظرون إلى تلك الأحزاب إنها تتحدث عن الدولة وهم لا يتفقون فيما بينهم. هل تحظى هذه المسائل بأهمية؟
الجشي: نحن نتفق فيما يتعلق بالنشاطات والقضايا المعينة، والتعاون هنا حاصل في كثير من الفعاليات على الساحة نتيجة اتفاق بين الجمعيات السياسية، وهو اتفاق وقتي بهدف معين لقضية معينة. ويصدر أحياناً بيان معين لموقف معين. هذا موجود الآن، وبدأنا، منذ ست سنوات تقريباً، أي منذ طرح الدستور. ولكن هذا شيء وموضوع الاندماج شيء آخر. موضوع الاندماج صعب؛ لأن لكل حزب ولكل جمعية سياسية هدفا معينا، ولها قضايا خاصة لا تنسجم مع فكر ومواقف الجمعيات الأخرى.
في الحقيقة التعاون حاصل الآن، بل ومع جمعيات أخرى نتناقض معها فكرياً، كالجمعيات الاسلامية مثل ‘الوفاق’ وغيرها. ولكن عندما نبحث القضايا الوطنية التي تمس الشعب بشكل مباشر، تجدنا متفقين والحوار مستمر، وصار له فترة، وبات لدينا الآن اجتماع كل أسبوعين.
الاجتماعات مستمرة. لكن هذا لا يعني في النهاية أن التعاون في هذه القضايا اليومية الملحة بالنسبة للشعب سيؤدي للاندماج. هذا موضوع آخر: وقد يختلف أسلوب العمل.
وهناك تساؤل من ناحية أخرى هو هل عندما نفكر في حزب واحد، هل هذا سيخدم البلد بشكل عام؟ أو أن توفر التنوع الفكري والاحتكاك الفكري بين الجمعيات بين حين وآخر له دور أيضاً في تطور المجتمع واتساع نظرة الأشخاص؟
بالنسبة للمنتدى، إن سمح لي الأخ جمال، إذا لم أعرف كل الأشخاص الذين به، أعرف معظمهم بحكم العشرة معاً، وبحكم الانتماء للجيل نفسه. والكثير منهم مرتبطون، كما ذكر الأخ جمال، بأعمال حكومية.
فخرو: أنا ما قلت هذا، إبراهيم ذكر ذلك.
شريف: عندهم ناس وزراء عندهم ناس في مرتبة وزراء ومحافظ.
فخرو: هذا غير صحيح .
الجشي: المهم، معظم الإخوان متفقون أن اقتصاد البلد تتحكم فيه الحكومة حتى الآن. صحيح مثل ما ذكرت. أن الحكومة بدأت تميل إلى مساندة الغرفة التجارية، ولكن مرت سنوات ونحن في البحرين نتصارع مع الحكومة، لا يريد الواحد أن يبحث الماضي، ولكن مواقف الحكومة من القطاع التجاري ليست مواقف مريحة مطلقاً. أطال الله عمر محمد جلال: لما كان رئيسا لكي يحصل على اجتماع مع مسؤول كان يستغرق أسبوعين أو ثلاثة، وكنا نطلب منه بعض القضايا على أن يعطينا وجهة نظره في الاجتماع الذي بعده، يأتي الاجتماع الذي بعده، ويقول لم أحصل على موعد. إلى هذه الدرجة. وصلنا إلى درجة ندعو ناسا وتجارا معروفين ومرموقين من الخارج، ونصل في ذلك إلى الصين، دون فائدة. ولماذا تأخرت البحرين بشكل مزعج عن بقية أقطار الخليج؟؛ لأن موقفها كان دائما موقف الشاك المتخوف. كان لغياب الثقة دور كبير. وأتفق مع ما قاله الأخ جمال بأن لكل فترة حركاتها.
ففي العام 1965 حينما أغلق السوق ليومين أو ثلاثة. بعدين طلع الشيخ خليفة أطال الله في عمره، وكان الرئيس على الوزان. بعدها تراجع التجار. قد يكون التجار في ذلك الوقت لم يكونوا يعتمدون على الحكومة إلى حد كبير. ولم تكن الحكومة في ذلك الوقت تملك المال. كان وضع التجار المالي في فترة من الفترات أقوى من الحكومة. ولا أتصور أن هذا الأمر كان غائباً عن أحد.
العبيدلي: يعني تقول إن التجار كانوا أقوى وأغنى من الآن؟
فخرو: كان التجار لغاية الخمسينات أغنى من الدولة.
شريف: كان كبار التجار في بداية القرن العشرين وفي بعض الأحيان أغنى من الأسرة الحاكمة.
الجشي: وبآخر الأمر، فنحن لم نرجع للحركات السياسية الأولى في البحرين التي كان فيها الزياني والشملان. كلهم كانوا رجالات وأغنياء البلد. عمّال البحرين لعبوا دورهم لاحقاً في الستينات. الأمور تغيرت. للأسف الشديد الحكومة لم تكن تجاري التغيرات على الساحة. إلى الآن مصرة على تفكيرها القديم.
وأنا أعرف أنه في الإمارات وجد أشخاص من تجار البلد أو مقاوليها وحينما يعرف الشيخ زايد -رحمه الله- أن بينهم متضايقا أو مدنيا وشعر أن هذا الدين ليس نتيجة تلاعب، ولكن نتيجة عمل لم يوفق فيه، كان يأمر بأن يعطى مقاولة أو عمل حتى لو كان أكثر بـ 10 من المناقصة. والنتيجة، أنهم انتعشوا وانتعش البلد كله. نحن ليس لدينا مثل هذا في البلد. هناك نظرة إلى الأشخاص المعنيين الذين يؤدون دور، وهؤلاء حينما يحصلون على مردود لدورهم هذا. ويستمر بالمقابل هذا الدور ويستمر في تأديته وهو دور الزيارات وحب الخشوم وحب الأيادي. هذه مشكلتنا. (165)
يجب أن نتحول إلى دولة فيها من الصراحة الموضوعية ما يكفي، وكما قلت سابقاً نقضى على أزمة الثقة بين الأطراف.
فخرو: أود أن أعلق تعليقا صغيرا على حديث إبراهيم عن خطر التيارات الدينية. يعني أنا أرجو أن يكون فهمي صحيحاً، إننا لا نواجه الآن خطرا كبيرا من التيارات الدينية، والخطر الآن مبالغ فيه. أنا أتمنى أن أكون مخطئاً في فهم إبراهيم. أعتقد إذا كانت فيه معاناة في البحرين، فهي من قوة التيارات الدينية ومن تغلغلها داخل المجتمع، وهي ستعيد هذا المجتمع لمئات السنين إلى الوراء. فكل مكتسباتنا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مهددة بالرجوع للوراء. هناك تيار ديني يؤمن بولاية الفقيه، وهناك تيار سياسي يؤمن بالسلف الصالح، وهناك تيار ديني يؤمن بأن الإخوان المسلمين يعرفون ما هي توجهاتهم. إذا كانت هذه التيارات تمتلك أكثر من 85% من الشارع السياسي في البحرين، أو النشاط السياسي بها، ثم نقول أن لا خوف لدينا منها. وإننا سنتحالف كجمعيات تقدمية غداً. إذا التيارات التقدمية …
دعم الإسلاميين
مدن: من مثل هذا الدور؟ مرشحون إسلاميون مقابل مرشحين تنويريين من مثلهم؟
فخرو: أرجع وأقول إذا التيارات التقدمية من ليبراليين أو من يسار أو أي كان لم تقم بتصليب قواعدها وتبدأ في خلق قواعد جديدة لها، فستنتهي هذه التيارات كما نرى الآن، لن يتبقى لها موطئ قدم في العمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البحرين. اليوم تبرز أمامنا نحن أحد أكبر المشاكل التي نواجهها هي قدرة التيارات السياسية الدينية في توجيه القرار السياسي.
الجشي: لماذا تكون أقوى من الآخرين؟ هذا نتيجة الدعم الرسمي لها.
فخرو: أنا أتحالف مع من؟ أتحالف مع الشخص الذي يعينني على تحقيق أهدافي. أليس كذلك؟ هذه التحالفات القصيرة الأجل هي تحالفات مع من سيعينني على تحقيق أهدافي. إذا أنت بقيت طول عمرك منفرداً ستقف في اتجاه معارض لأي توجه. هذا متجه يمينا وأنت متجه يسارا فلن يتم اتفاق. يحتاج المرء أن يكون مرناً في بعض المواقف، ليتحالف مع القوة الأقوى. لقد جعلت الآن بتعصبي وتصلبي كتيارات سياسية يسارية الدول بشكل عام في المنطقة تتحالف مع التيار الديني. تمكنت هذه الدول بالتحالف مع هذا التيار من تحقيق بعض الأهداف. ولكنك الآن من ترك التيارات الدينية بكل تخلفها السياسي والاجتماعي والاقتصادي تضحى هي المسيطرة.
شريف: التشظي في الجمعيات الإسلامية يشبه التشظي في الساحة الليبرالية. هناك ثلاث جمعيات إسلامية سنية تتنافس في الانتخابات. تحالفت الآن برعاية من القصر في الانتخابات الماضية. فيه ثلاث جمعيات أو ثلاث قوى شيعية متنافسة مع بعض: أمل والوفاق وحق. غير الباقين في هذا الإطار الطائفي هذا أو ذاك. الضعف ليس فقط في التشرذم. التشرذم موجود. الأمر الآخر: ليست هناك قضية واحدة في البحرين، ولكن عدة قضايا، إذا كانت هنا عشر قضايا، فالخطر على الحريات الفردية واحدة من العشر قضايا. أنت تقول لي إن هذه هي القضية الأولى: وأقول لك التجنيس على المدى البعيد بالطريقة القائمة، حيث يتم تجنيس 9000 شخص في السنة حسب إحصاءات الحكومة هي قضية مهمة. يعني قضية الانفجار السكاني بالطريقة الموجودة بها أخطر بكثير عن القضية التي تتكلم عنها. هل أوحد الناس على قضية واحدة فقط، وآتي بالناس ليتوحدوا؟ فإن سألوا وماذا عن التجنيس، نقول لهم لا: لا نريد أن نتكلم عن التجنيس حالياً. وقضية احتكار الأراضي والثروة. نريد فقط قضيتنا نحن والتيار الديني. الوحدة على قضية واحدة مثل الحريات الشخصية مهمة، لكن الوحدة تلك إذا كانت موجهة ضد التيار الديني، فهي قضية خاصة، يبقى لدي عشر قضايا مهمة، لا تقل أهمية عن تلك القضية التي يتحدث عنها جمال، فإن لم يتفق على التسع أو العشر قضايا الأخرى، فليس هناك مبررا لهذا التحالف.
أنت تقول إن التحالف على الملفات ممكن، لكن هذا التحالف الواسع الذي يتخذ موقفا عاما من عدة قضايا غير ممكن الآن.
العبيدلي: هناك اختلاف بين ما يقوله جمال وما يقوله إبراهيم. جمال يتحدث عن خطر قائم وإبراهيم ينفي وجود هذا الخطر.
شريف: لا. ليس هناك خطر حياة أو موت في هذا الموضوع. أنا أقول الخطر موجود. عندما أتحدث أقصد أن هناك مسألة أخطر بالنسبة لي مقارنة بما يقوله جمال. التجنيس و60 ألف مجنس بين إحصاء 2001 والآن. إذا كان التيار الليبرالي لا يرى خطورة في التجنيس، ويرى خطورة في التعدي على الحريات الشخصية، نقول لا بارك الله في هذا التيار الليبرالي الذي يصر على هكذا قضية. أنا أقول يمكن التحالف على ملف، ولكن لا يمكن للملف أن يضم قضية واحدة بل مجموعة مسائل.
تجار المليارات
العبيدلي: لكن التجار كانوا يتحدثون بالألف واللك، والآن باتوا يتحدثون بالمليارات. يؤسسون شركات عابرة وأنتم تعرفون هذا. ومع ذلك، فالجمعيات السياسية تتكلم كل منها عن مقر وبميزانية متواضعة. ولكن ألا ترون ماذا يحدث في وسط البرجوازية؟ وحتى الدولة لديها قدراتها ومراكز أبحاثها. أنتم لا تزالون بقدراتكم المتواضعة. التيار الليبرالي لا يريد أكثر من بيان وجريدة. ألا تطمحون لشيء أكبر؟
مدن: فيما يتعلق بالموقف من البرنامج الاجتماعي للقوى الاسلامية، أعتقد أن من مسؤوليتنا جميعاً أن يكون لنا موقف واضح من هذا البرنامج وجريء، ونعلن نقاط اختلافنا مع هذا البرنامج ومخاطره. الموقف من الأحوال الشخصية، الموقف من فرض نموذج واحد على الحياة، واختراق هذا التيار للدولة ولأجهزتها أيضاً. أقصد أن هناك الآن وزارات بعينها في مراتبها العليا واقعة تحت سيطرة قوى إسلامية معينة، وهذا تحت سمع وبصر الدولة وبرضاها. فليست المشكلة فقط مع التيار الاسلامي فقط، وإنما مع من يمكّن هذا التيار. لا يتوجب التقليل أبداً من مخاطر هذه القوى، ويجب أن تكون لدينا اليقظة الكافية، وأن نطرح رؤيتنا بصراحة تجاه هذه المسألة. القضية الأخرى اليسارية الوطنية والتقدمية والديمقراطية بتلاوينها المختلفة. هناك نقاش يدور أيضاً. أحمد تتحدث عن البرجوازية وما تمر به ورجال الأعمال. ماذا بشأن الطبقات الاجتماعية الكادحة، هذا النمو الاقتصادي، هذه المليارات التي تتحدث عنها: أليست لها انعكاسات؟ كان لدينا نقاش داخلي في ‘المنبر’ هل يمكن أن نتصور مجتمعا خاليا من القوى اليسارية؟ يعني ألا يكون به يسار. هل هذا ممكن؟ أنا لا أتحدث عن البحرين، بل في أي مجتمع من المجتمعات. فلنطرح هذا السؤال على أنفسنا.
العبيدلي: ألا يمكن لليسار أن يكون جزءاً من حزب؟
مدن: إذا لم نقم نحن بهذا الدور من سيقوم به. أنت لا يمكن أن تتنازل عن موقف فكري اجتماعي أنت كرسته تاريخياً؛ لأن التيار الإسلامي مهيمن أو لأن فيه مستجدات أو غيرها. يتوجب الآن أن يكون لديك أجندة اجتماعية. من سيدافع؟ من سيتبنى؟ حسناً، نحن لا نزال لسنا قوة كبيرة ومهيمنة على الشارع. لكن ألا يمكن أن تطرح برنامجاً اجتماعياً للدفاع عن مصالح القوى المتضررة؟ كيف نشأت هذه التيارات أساساً؟ كيف نشأت هذه التيارات وعماذا كانت تعبر؟ أعضاء المنبر التقدمي الآن ما هي انحداراتهم الاجتماعية؟ انحدارات فقيرة. حسناً حدثت تحولات وتعلم ناس وغير ذلك. بشكل عام البنية العامة بنية كادحة. يمكنك أنت لأن فيه تحولات وأن البرجوازية جالسة تستثمر بالمليارات وليس بالملايين، أن لا تأخذ الأمور الأخرى في الاعتبار. أنت معني بذلك في برنامجك؛ لأن الناس تغيرت فيما لم تتغير أوضاع الناس، هذه هي المشكلة.
السؤال الآخر، هذا التحالف، غير موضوع خطر القوى الإسلامية. ما هي الأشياء الأخرى؟ ما هي عناوين هذا التحالف؟ أنا أطرح عليك هذا السؤال. حسناً: لو أقمنا تحالفا: نحن والمنتدى وجمعية العمل والتجمع القومي وشخصيات ليبرالية واسعة تقف ضد هيمنة التيار الاسلامي على المجتمع وضد اختراقه للدولة وضد الأجندة الاجتماعية التي تطرحها هذه القوى. نحن كمنبر كان لدينا موقف واضح من هذه المسألة دائماً. حسناً ما هي القضية الثانية والثالثة، كعناوين.
العبيدلي: لاحظت في النقاش كما لو أن الدعوة لتأسيس حزب ليبرالي موحد يأتي كردة فعل. وأعتقد أنه لا يجب أن يكون الأمر كذلك. البحرين بحاجة إلى حزب ممتاز. وعلى سبيل المثال: نحن حينما نريد أن ننشئ جامعة نحاول أن نأتي بأفضل جامعة بأعلى مستوى في البحرين. كذلك في الحزب نحن نريد حزباً ممتازاً بميزانية هائلة، وبمركز أبحاث جيد. أنا أتذكر أن جزءاً كبيراً من النقاش الذي دار في داخل المنتدى هو حول مركز أبحاث. وفي الحقيقة لم يكن ذلك ممكناً.
فخرو: انظر يا أحمد. ظروفنا الاجتماعية. قدرة تفكير رجال الأعمال، شركاتنا هيئاتنا تختلف عمّا هو موجود في الخارج. أنت اليوم حينما تذهب لرجل أعمال وتقول له ادعم هكذا مرشح، يتراجع ويقول أن لا أريد أن أتدخل في السياسة. عندنا مشكلة في العقلية. يعني لدينا ناس…
العبيدلي: أبو فراس وعفواً على المقاطعة، أعتقد أني سمعت أن ريل كابيتا قد دعمت اليوم متحف البحرين الجديد بمبلغ 2 مليون دينار.
فخرو: أنت تتكلم عن عمل ثقافي، في حين تتكلم عن جمعية أو حزب سياسي. في البحرين هناك فيه نفور من رجال الأعمال البحرينيين من شيء اسمه حزب سياسي أو جمعية سياسية لسبب له تراكمات اقتصادية في السنوات السابقة. قد يتغير هذا التفكير بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو عشرين سنة. لكن رجال الأعمال اليوم على مدى القياديين في السوق عندهم حساسية مع أي شيء اسمه حزب سياسي أو جمعية سياسية. فلا تتوقع أنهم سوف يعطونك مئات الآلاف أو الملايين من الدنانير لكي تؤسس فيها مركزا للبحث العلمي أوللتحليل أو غيره. ولا تقارن ديمقراطية عمرها خمس سنوات مع ديمقراطية عمرها مئتي سنة. فلنكن واقعيين ولا نحلم كثيرا. لكن أود العودة لأعلق على سؤال واحد أنت مصر عليه. وهو لماذا لا تكون هذه الجمعيات الثلاث والليبراليين في حزب واحد. الإجابة عن السؤال في السؤال الذي لم تتم الإجابة عنه. لماذا عندما تأسست جمعية العمل الوطني الديمقراطي من جميع التيارات القومية واليسارية آنذاك تحوّلت فيما بعد إلى ثلاث جمعيات. هذا هو الجواب عن سؤالك.
نحن جربنا حينما أتينا بالبعثيين والشيوعيين واليسار وأجلسناهم وأسسنا جمعية. وبعدها كيف فرّخت منها جمعيات ثانية. أنت تقول لي إن التجربة السابقة التي لها خمس إلى ست سنوات تود أن تعيدها مرة ثانية. لم يتغير شيء.
العبيدلي: لا، هناك شيء. بالمناسبة هذه تجربة لإنشاء جبهة وطنية ديمقراطية، وهي مسألة جربتها الشعبية والتحرير على مدى سنوات في الخارج، والبعثيون أعتقد أيضاً معهم.
فخرو: طالما تتكلم عن الشعبية والتحرير والبعث، تجربتنا معهم على مدى أربعين أو خمسين سنة تقول إنهم لن يلتقوا. بس. كفانا سيرة. يا لنبن شيئا جديدا.
شريف: تجربة لجنة التنسيق في الخارج بين الشعبية والتحرير كانت للتنسيق، ولم تكن تجربة واحدة. ولكن في نهاية التسعينات طرحت فكرة تشكيل حزب سياسي واحد سمي التجمع الوطني الديمقراطي للعلم، وهو اسم أخذ فيما بعد. وطرحت وثيقة وتم الحوار فيها بين كوادر الشعبية وكوادر التحرير داخل البحرين، وأسماء من تحاور فيها معروفة. وتوصلنا إلى تقارب شديد في هذا الموضوع. والوثيقة تعتمد على التالي:
نحتاج إلى حزب سياسي جديد بأفكار جديدة. ونحتاج لحرق كل المراكب، كلها تحرق دون استثناء. أسمينا المشروع ‘إحراق السفن’. وحسب ذلك تنحل الشعبية وتنحل التحرير، ويتشكل حزب سياسي على برنامج سياسي جديد. تم الحوار في ذلك وبعدها لم يتم شيء؛ لأن الإخوان اعتقدوا بأنهم لا يستطيعون أن يحلّوا الحزب. اتخذنا قرارا: إذا تشكل هذا التجمع، فلن تكون هناك شعبية. هذه كان وجهة نظرنا في الداخل وحصلنا على موافقة من الإخوان في الخارج. لم يتم شيء.
التجربة الثانية تمت إبان إنشاء جمعية العمل الوطني الديمقراطي. لم تنجح.
وأعتقد أن الظروف ليست مختلفة في تجربة إنشاء 2001 . وأعتقد على المدى المنظور في السنة، السنتين، الثلاث يمكن تشكيل حزب سياسي.
لكن الفرص المهدرة ليست لتشكيل حزب سياسي، الفرص المهدرة أنه مازال هناك مجال واسع للعمل المشترك، للتحالف المشترك، والتفريط فيه، ليس غير موجود، بل هو هناك. على الصعيد النظري النية قائمة، لكن على الصعيد العملي. تأتي الحساسيات تلك التي نسميها الـ (baggage)، الهم الثقيل الذي نحمله، ولا يصلح كم كاف من الثقة من العمل المشترك. المشكلة في هذه الثقة الضعيفة، وليست في انعدام الأرضية. أعتقد الأرضية مهيأة لقيام تحالف وطني تقدمي معارض.
على أن سبب عدم وجودها هو في بقاء هذا الكم الكبير من عدم الثقة بسبب ممارسات الحركة الطلابية، وممارسات العمل العمالي. انتقلت هذه التركة وأصبحت مرضاً للحركة السياسية. يبقى بناء الثقة، والدعوة لبناء برنامج مشترك. هذه مسائل يمكن بسهولة أن نضعها معاً. اقرأ مثلاً البرامج السياسية للجمعيات، ليس هناك تحليل جذري مختلف عن بعضهم البعض: كلهم لسانهم طويل على الحكومة، كلهم لا يخافون منها، وكلهم لديهم سجناء، ومعذبون كلهم.