يرى النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأخ غانم البوعينين انه كان على نواب المجلس الوطني في السبعينات أن يعضّوا على مجلسهم بالنواجذ، ولكن كيف؟ الحل برأيه كان في أن يمرروا قانون أمن الدولة الذي تقدمت به الحكومة! لم نكن نتوقع من الأخ غانم مثل هذه القراءة للتاريخ، وهو بالمناسبة تاريخ قريب، والشهود عليه هم من الكثرة بحيث أن البحرين ملأى بهم، بمن فيهم غالبية نواب المجلس الذي يدور عنه الحديث والذين ما زالوا أحياء يرزقون، وهذه الكثرة من الناس تعرف أن السلطة التنفيذية كانت قد عقدت العزم على حل المجلس، وأن رفض المجلس للقانون بإجماع أعضائه المنتخبين لم يكن سوى الذريعة التي استخدمتها الحكومة يومها لهذا الحل. كان مجلس السبعينات سيوصم بالعار لو انه بصم على قانون أمن الدولة الذي يتمنى الأخ غانم لو أن أعضاء ذلك المجلس بصموا عليه، ولو أن نائبا واحدا من نواب ذلك المجلس وقف موقفا آخر مغايرا لما اجمع عليه النواب لكان قد دخل التاريخ بوصفه خائنا للأمانة التي ائتمنه عليها الشعب حين صوّت له في الانتخابات. ولكن تصريح النائب الأول لرئيس مجلس النواب يختصر، وفي بلاغة، الفارق الكبير بين ذلك المجلس ومجلس اليوم. علينا تصور فداحة أن يبلغ الأمر بالنائب الأول لرئيس مجلس النواب أن يدعو إلى حل المجلس، لأنه لم يجد مخرجا آخر من إشكالية ناجمة، في الأصل، عن رفض كتل نيابية فيه، بينها الكتلة التي ينتمي إليها الأخ غانم، النظر في استجواب تقدم به نواب في المجلس، يعلم هو سلفا أن مصيره لن يكون مؤذيا لا للحكومة ولا للوزير المستجوب بسبب تركيبة المجلس المعروفة. كان الأجدى التفتيش عن الحلول الواقعية التي تحفظ ماء وجه أعضاء هذا المجلس،وتؤكد انتصارهم للنزرالقليل المتاح لهم من صلاحيات، لا الدعوة إلى حل المجلس. حتى لو جاءت هذه الدعوة من قبل الحكومة أو من يمثلها لقوبلت بالاستهجان الشديد من الناس، فما الذي يحمل الحكومة على التلويح بحل مجلس تضمن فيه هذه الغالبية المريحة التي يتبارز أعضاؤها في إبراز حقيقة أنهم حكوميون أكثر مما تريدهم الحكومة ذاتها أن يكونوا، فما بالنا أن تأتي الدعوة لحل المجلس على لسان نائب، هو في موقع النائب الأول لرئيس المجلس، يفترض فيه أن “يعض بالنواجذ” على مجلسه، إذا ما سمح لنا الأخ غانم باستخدام تعبيره الأثير. نستهجن هذا القول لا تمسكا بالتركيبة الحالية للمجلس التي تدفع المجتمع نحو المزيد من الانقسام المذهبي والطائفي، وتشغلنا في كل جلسة من جلسات المجلس بما يزيدنا إحباطا تجاه الآفاق التي يمكن أن يأخذنا إليها الوضع الراهن، وإنما نشعر بمرارة أن يكون مثل هذا التفكير هو سيد المرحلة. هل يعي الأخ غانم ومن يشاطره الرأي إلى أي منزلق ستنزلق البلد في هذا الجو المحتقن أساسا إذا ما وجدت دعوته هذه طريقها للتنفيذ؟ هل يفكر الأخ غانم تفكيرا سياسيا يجدر أن يتحلى به من هو في موقعه، أم انه يطلق بالونات اختبار في الهواء لها أغراضها؟
صحيفة الايام
18 مارس 2008