في عدد الوقت الخميس 6 مارس 2008 نشر الأستاذ علي ربيعة ترجمة للوثائق البريطانية التي سلطت الضوء على أحداث انتفاضة مارس وكشف الستار عن تقرير المعتمد السياسي الذي أكد” قيام الشرطة باعتقال عدد من قيادات التظاهر بمن فيهم اثنين من المسئولين عن تظاهرات يومي الاثنين (8 مارس) والخميس (11 مارس)”، وهو اليوم الذي تؤرخ فيه الانتفاضة بسبب الصدام الذي جرى بين الشرطة والطلاب ، ولم يتطرق التقرير إلى يوم 5 مارس والذي كان يصادف يوم الجمعة حسب التقويم الميلادي لعام 1965 والذي ببساطة هو يوم عطلة رسمية وعليه أعتقد بأن هناك التباس لتاريخ الأحداث حيث لا يوجد أصلا يوما ” للخميس 5 مارس”. وهنا أود استعراض بعض الأحداث كما عشنا أيامها.
في يوم 8 مارس وهو يوم الاثنين جرت مظاهرة في المحرق ضد تصريحات أبو رقيبة حول فلسطين و في عدة أنحاء من العالم العربي. في مدرسة المنامة جرت محاولة أخرى للتظاهر وتم إخراج لافتات من أكياس سرعان ما أخفيت على أساس أن الخميس 11 مارس هو يوم التحرك حيث هو إجازة لعمال بابكو أصحاب القضية على أمل مشاركتهم في الاحتجاج .
الخميس 11 مارس . في هذا اليوم قامت مظاهرة طلابية داخل ساحة المدرسة فأغلقت الأبواب ولم يسمح لهم بالخروج كما لم يسمح للعمال بالدخول , انقسمت المظاهرة بعد فترة إلى قسمين الأول يهتف بشعارات قومية والآخر يهتف لعمال بابكو . اقتحمت الشرطة المدرسة وداست الخيول على عدد من الطلاب وجرت معركة حامية استخدمت فيها الحجارة والكراسي في مواجهة مسيل الدموع والخيول وعصى الشرطة الطويلة وتم الاتفاق عند الظهر على خروج الطلاب من المدرسة وجرت الاعتقالات بعد ذلك من المنازل.
الجمعة 12 مارس. قامت مظاهرات المحرق وكان بطلها الشيخ احمد المطوع وهو شيخ دين أعمى وقد شاهدناه في سيارة الشرطة مقبوض عليه أثناء مرور السيارة في الشارع في طريقها للقلعة كما شاهدنا غيره.
السبت 13 مارس . منع طلاب الثانوية من أبناء المحرق من عبور الجسر إلى مدرستهم الثانوية ومع ذلك فإن بقية الطلاب تظاهروا في لحظة وصول باصات عمال بابكو الذين ساروا في طابور طويل على شكل نصف دائرة يقودهم أعضاء من جبهة التحرير محاولين الالتفاف على الشرطة التي أمطرتهم بمسيل الدموع مما حذا بهم إلى الالتجاء إلى الشارع الخلفي للمدرسة حيث التحق بهم الطلاب في تظاهرة هي اكبر من أي تظاهرة أخرى مقتحمين الأسواق وقد أطلقت النار على عدد كبير من المواطنين تم نقل بعضهم إلى مستشفى النعيم والمستشفى الأمريكي وقد تكررت المظاهرات مساء ذلك اليوم
الأحد 14 مارس . التظاهرات عمت البحرين كلها وقامت طائرات هوليكبتر بتوزيع منشورات تعلن تشكيل لجنة من بعض الشخصيات لحل مشكلة العمال وصدرت منشورات المنظمات السياسية برفض هذه اللجنة والمطالبة بلجنة من صفوف العمال . بعد ذلك استمرت المظاهرات صباح- مساء في كل مكان وقد نظمت جبهة التحرير مظاهرة قرب سوق” الخضرا” الخضار بعد أن أحدثت شجاراً تجمع على إثره الناس وفتحت اللافتات وتحول التجمع إلى مسيرة ضخمة، هذا وشكلت لجان لتفقد الجرحى في المستشفيات وتم نقل بعضهم للعلاج إلى سوريا. في المدارس الابتدائية قامت مظاهرات وأغلقت جميعها وفي مدرسة ابوبكر الصديق اعتقلت مجموعة كبيرة من الطلاب وتم جلدهم بالخيزرانات داخل القلعة حتى إن ملابسهم التصقت بجلودهم بسبب الدم الذي خرج من أجسادهم كما يصف ذلك احد أولياء الأمور. طوال هذه الفترة كانت منشورات الجبهة تصدر وتلقى الاحترام والتقدير من الناس لطريقتها في اللهجة والأسلوب أما بيان المنظمات السياسية الست فقد تم طبعه من قبل الجبهة كما جرى طبع بعض المنشورات الخاصة بمنظمات أخرى. وظهرت منشورات في المنامة تحمل اسم أنصار الجبهة القومية . عدد الشرطة لم يكن كافياً، لهذا تم إحضار شرطة يسمونهم كشافة عمان وكذلك شرطة الساحل المتصالح بسراويل قصيرة من إمارات الخليج وحولت سيارات التعليم إلى سيارات شرطة بعد إن ألصقت عليها ورقة تحمل اسم الشرطة. سقوط الشهداء في المحرق والمنامة وسترة دليل على قوة الانتفاضة التي هي انتفاضة الشعب البحريني وليست انتفاضة تيار قومي أو ناصري . عندما تمكنت الحكومة من السيطرة على المنامة بعد ثلاثة شهور من المظاهرات والحرائق والصدام مع الشرطة في الشوارع توقفت الانتفاضة في المنامة لكنها ظلت مستمرة في المحرق بفضل إصرار أبناء المحرق من جهة وطبيعة الأزقة التي تم سدها من قبل الشباب بمتاريس . إذاعة بغداد ودمشق والقاهرة كانت تذيع أخبار الانتفاضة أولا بأول إلا إن إذاعة بغداد كانت الأكثر اهتماماً بهذه الأحداث مما دعا الحكومة إلى إرسال وفد إلى بغداد لاستمالتها. الضباط الانجليز في الشرطة كانوا قادتها في الشوارع وقد اجبروا المحامين العرب على مغادرة المطار والعودة من حيث أتوا ولم يسمحوا لهم بالنزول لتفقد الأوضاع . عمل جبهة التحرير في الانتفاضة كان منظماً ومنسقاً حتى إن العديد من العناصر القومية ابدوا إعجابهم بدور الجبهة في الأحداث. حزب البعث اصدر بياناً قاسيا ضد الانتفاضة ووصفها بأوقح الأوصاف مما أدى إلى انشقاق بعض الأعضاء الذين اشتركوا في الانتفاضة إلى جانب رفاقهم أعضاء المنظمات الأخرى. أصبح التلفزيون مصدر الإخبار المحلية فعلى إحدى موجاته تسمع البرقيات المتبادلة بين ضباط الشرطة ورجالهم وقد سمعنا ضابطاً كبيرا يخاطب رئيس الأمن بضرورة إن يذهب إلى منزله في إجازة قصيرة فخاطبه الشيخ رئيس الأمن قائلاً أنا منذ أيام لم اترك الكرسي , ذهب القليل وبقى الكثير فاصبر . استخدمت جبهة التحرير السلاح في الانتفاضة في أماكن كثيرة من البحرين ودربت أشخاص على استعمالها وقد عرضت الداخلية في ملفات محكمة امن الدولة عام 1976 وثائق تثبت استخدام السلاح داخل القواعد البريطانية وحدوث تفجيرات فيها . أرسلت جبهة التحرير متدربين على حمل السلاح في صيف 1965 و 1966 إلى كل من سوريا ومصر. في مناسبة عيد الأضحى الذي حل في تلك الأيام خرجت مظاهرة نسائية كبيرة في المنامة بملابس سوداء تعزية للشهداء الذين سقطوا في الانتفاضة. المطالب التي قدمت في الانتفاضة ضمن منشورات الجبهة هي عودة العمال المفصولين وحرية العمل النقابي وحرية الصحافة إلى أخره حيث لم تكن هناك صحف في البحرين. طبعت جبهة التحرير ووزعت صور الشهداء منفردة ثم أعيد طبعها مجتمعة.
خاص بالتقدمي