قبل أيام نشرت قائمة جديدة لعام ٨٠٠٢ بترتيب أصحاب المليارات في العالم، تبين حجم ثروة كل واحد، والمصدر الرئيسي لهذه الثروة سواء كان تجارة، أم صناعة، أم زراعة، أم أسهما، أم عقارا.. إلى آخره. ليس مجلة “فوربس” التي نشرت القائمة الجديدة وحدها التي تفعل ذلك، وإنما هناك عدة صحف وعدة هيئات عالمية تفعل ذلك منذ سنوات طويلة، وربما بعضنا يتابع هذه القوائم من باب الفضول أو لمجرد الإحاطة والعلم، وربما من باب التعويض، فأنت اذا لم تكن غنياً فلا أقل من أن تتابع أخبار الأغنياء، وأي أغنياء، وأي أرقام عن ثرواتهم الأسطورية. وقد يجد البعض منا في قراءة هذه القوائم متعة بلا حدود، فهي تنقلنا إلى عالم من الشفافية الحقيقية والكاملة، عن أسماء أصحاب المليارات، وجنسياتهم، وأعمارهم، ومصادر ثرواتهم، وحجمها، وترتيبهم في قائمة الثروات، ومن دخل فيها ومن خرج، وحركة صعود وهبوط كل منهم. كل ذلك معروف وموثق ومعلوم للجميع، وقد نجد أنفسنا أمام هذه القوائم كأننا أمام مارثون يتسابق فيه أصحاب المليارات، فوارن بوفيت الأمريكي تصدر هذا العام القائمة حين بلغت ثروته ٢٦ مليار دولار بعد استغلاله أزمة أسواق المال مزيحاً لأول مرة بيل جيتس عن عرش أغنى رجل في العالم الذي بلغت ثروته ٨٥ مليار دولار، ليتراجع إلى المرتبة الثالثة، وكارلوس سليم المكسيكي الذي اشتهر بشراء الشركات الخاسرة بأسعار زهيدة وتحويلها إلى شركات تحقق أرباحاً ضخمة دخل في المرتبة الثانية بعد أن تضاعفت ثروته في عامين لتصل إلى ٠٦ ملياراً، بعد أن كانت ٩٤ ملياراً في العام الماضي، وضمت اللائحة ٥٣ ثرياً عربياً مجموع ثرواتهم ٦،١٧١ مليار دولار فقط لا غير..! هذه القائمة وغيرها من القوائم يستطيع المرء أن يرصد من خلالها أية أنشطة أو مصادر جديدة للثروات تظهر في المجتمع، بل صار الواحد منا يعرف ما يملكه العديد من زعماء العالم حين تولوا السلطة وحين غادروها، ولكن بالرغم من “المتعة” التي قد تثيرها قراءة هذه القوائم، إلا أن هذه المتعة ستقودنا إلى نتيجة لا تسر وإن بدت هازلة لأول وهلة، إلا أنها جادة للغاية، حينما يقفز إلى الذهن سؤال جوهري: هل يمكن أن تصدر مثل هذه القائمة في البحرين؟!. أعلم الجواب مسبقاً، ولكنه يبقى سؤالا يلح في الذهن يعقبه سؤال تلو السؤال، اذا افترضنا – مجرد افتراض – أننا امتلكنا شجاعة اعداد العدة الكافية لجعل إصدار مثل هذه القائمة وارداً في الحسبان، فهل هناك جهة واحدة يمكن أن تكون لديها قاعدة بيانات كاملة وواضحة ودقيقة وموثوقة؟!. ثم هل يمكن أن تقودنا هذه القائمة إلى معرفة ٠٢ أو ٠٣ أو ٠٥ أو ٠٠١ شخصية أو أكثر من أصحاب الثروات الأسطورية في البحرين؟ وهل يمكن أن نعلم من يتقدمهم، ومن هو الثاني والثالث والرابع والأخير؟ وهل يمكن أن تكون هناك أسماء من خارج دائرة من هم معروفون كتجار أو مستثمرين، وأصحاب أعمال، أو كبار المتعاملين والمضاربين في البورصة وسوق المال ممن يعدون من أصحاب الثروات الفجائية وما أكثرهم والذين يثار حول ثرواتهم ألف سؤال وسؤال؟ وهل يمكن أن نعلم وأن نفهم ونستوعب اذا ما أصدرنا مثل هذه القائمة سبب ومصدر كل ثروة من هذه الثروات الطائلة من أموال وأراض وعقارات وأملاك بات يمتلكها البعض فجأة دون مقدمات.. !! دعونا نترك هذه القائمة، فنحن نعلم علم اليقين وبكل ثقة بأن هذه الفكرة مجنونة، ومرفوضة جملة وتفصيلاً، خاصة من قبل من تحوم حولهم شبهات، أو ممن مثلوا ولازالوا يمثلون ركناً من أركان الفساد، وباتت روائح فسادهم تزكم الأنوف وهم كثر، دعونا نجتهد ونقول إن ألف باء الاقتصاد الحر يقضي بأن تكون ثروات الناس معروفة ومصادرها معلومة، ودعونا على الأقل نحلم بمشروع كان قد طرح وأثير حوله كلام كثير، هو مشروع قانون من أين لك هذا؟ والذي جاء تحت مسمى آخر هو مشروع قانون الكشف عن الذمة المالية. هل تذكرون هذا المشروع، لمن يميل إلى النسيان أو لمن له مصلحة فيه، نذكر فلعل الذكرى تنفع، فهذا المشروع تبناه مجلس النواب منذ الفصل التشريعي الأول وبالتحديد في عام ٣٠٠٢، وحيثياته تقاضي كل مسؤول في الدولة خاصة من هم في مواقع الصدارة في اتخاذ القرار، من مسؤولين ووزراء، وقضاة، ومديري المؤسسات الرسمية العامة، ورؤساء البلديات والمحافظين وغيرهم ممن هم في مناصب رسمية رفيعة المستوى، إلزامهم بتقديم بيانات عن أموالهم وأملاكهم في اطار مكافحة الإثراء غير المشروع منذ توليهم مناصبهم حتى إخلائها منعاً للخلط المشبوه بين مقتضيات ومسؤوليات الوظيفة العامة واستغلال المنصب عبر الاستفادة من سلطات فعلية وامتيازات قانونية، بما يمثل في نهاية المطاف غطاءً لمظاهر شتى من الفساد، ولذلك يأتي هدف آخر للمشروع هو تدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع، ثم جعل الشفافية والمساءلة قيمة لها كل الاعتبار، وما لم يكن هناك مساءلة فلن يكون للشفافية أية قيمة، وهذا أمر من المؤكد أنه لا يخفى على فطنة ذوي الفطنة، لذلك نرى وجهاً للدهشة أو المفاجأة أن يبقى مشروع الكشف عن الذمة المالية خاضعاً للدراسة لدى مجلس الوزراء منذ ٢ يونيو ٤٠٠٢ حينما أعلن بأنه أقر تأجيل النظر في المشروع لدواعي “المزيد من الدراسة القانونية”، ومرة تلو المرة يؤجل هذا المشروع للمزيد والمزيد من الدراسة لدى اللجنة المختصة “ليغط في النوم العميق”. هل وصلت الرسالة؟! انتظروا لتروا.
صحيفة الايام
15 مارس 2008