يبرز أمام الباحث والدارس لمسيرة تاريخ العلاقات الاجتماعية بين بني البشر على المستوى الإنساني، والعقائدي، وخصوصاً بين اليهود من أمة إسرائيل، وممن تبعهم من مختلف الأمم البشرية وأتباع نبي الله عيسى (ع) ممن تميزوا باسم النصارى؛ مما يجب الوقوف عنده بكل تأنٍ وتبصر، حيث على مستوى العلاقات الإنسانية بوابة ومدخل بناء صرح حضارات البشر عموماً وارتقائها بفعل الهجرات والتنقل، وما ينتج من هذه العملية من اندماجات، وتزاوج تولد فروعاً من قبائلَ بشريةٍ تنفي أي ادعاء بثبوت الأصل الأول، مثل ادعاءات اليهود الصهاينة حقهم الاستيراثي لفلسطين باعتبارهم امتداداً لبني إسرائيل، وأنهم من أتباع موسى (ع)، فيما الحقائق التاريخية تؤكد أن الهروب من مصر لم يقتصر على بني إسرائيل بل شمل السحرة الذين هددهم فرعون بقوله: «قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (طه: 71). هؤلاء السحرة وغيرهم الكثير من المصريين هم ممن آزروا دعوة موسى (ع) ووقفوا بجانبه بأكثر مما يقاس من مؤازرة بني إسرائيل الذين كان همهم الأوحد لا الدين الموسوي بقدر ما كان همهم سرقة مجوهرات النساء المصريات. وقد ظلوا سائرين في هذا السلوك من حب المال مروراً بعبادتهم العجل الذهبي، وما نقرأه من تطلعهم للسيطرة الاقتصادية على أموال العالم، في بروتوكولات حكماء صهيون. على أن الذي يهمنا الوصول إليه وتثبيته بصورة قاطعة في هذا البحث الاستقصائي هو إخراج ما يكمن بين السطور من وعد بلفور، إذ الحقائق التاريخية الثابتة هي أن اليهود كانوا عرضة للإبادات الاجتثاثية، والتدمير العرقي المنهجي على يد الجنود الصليبيين الانجليز. ولكن تغير موقف الحكومة البريطانية مع مسيرة التاريخ هل كان ناتج حقائق عن تأثير تلك الافكار والطروحات الشوفينية التي لفقها اليمين المسيحي الرجعي المتطرف، وأطلقها على أنها إرادات إلهية تم التعاقد عليها بين الرب والطهوريين الذين انتقلوا إلى العالم الجديد، أم أنها نتيجة لتطور اساليب الاستعمار، ووسائل اصطياده لحكومات العالم وعلى رأسها الحكومات العربية، إذ تفتق الفكر الاستعماري ووسائل أساليبه عما نتج عنه وعد بلفور وخلق دولة لليهود وتحت كومة من الأوهام الخيالية الملفقة على الله، والماسة في كثير منها بالقدسية الإلهية تلك الأوهام والأفكار والمفاهيم المغلوطة، لم يتم انشاؤها وانتقاؤها وتنفيذها بطريقة عشوائية، بل كانت بمثابة مخطط مدروس بعناية فائقة لكي يلبي ويجاري مرحلة جديدة من مراحل السيطرة الاستعمارية الغربية في طورها «البيو كولونيالي»؟ لم يكن وعد بلفور يهدف حقيقة إلى خلق دولة ما سميت «إسرائيل»، إذ إن هذا الاجراء ليس الا الوجه الظاهر من وعد بلفور، الذي يتم به تمويه الحقيقة التاريخية الثابتة وهي أن دولة «إسرائيل» ليست تجمعا يهوديا جعل الغرب فيه من وراء وعد بلفور من اليهود كلاب حراسة للمصالح الاقتصادية الغربية مهمتهم التنفيذية النباح في وجه حكام العالم العربي لاخفاتهم ودفعهم لشراء السلاح من أميركا ومن بريطانيا ومن فرنسا، لتسترد هذه الدول قيمة صفقات الاسلحة باليسار أموال النفط التي دفعتها لحكومات الخليج باليمين. والحكومات سائرة وغارقة في سذاجتها بحيث لم تعر التصريحات الأميركية المنادية والمؤكدة أن أميركا لم ولن تسمح للأمة العربية مجتمعة بالتفوق على «إسرائيل» وهذا الكلام فيه من الوضوح الفاقع بأكثر مما يحتاج إليه أدنى عقل بشري يملك أحط قدر من الاستيعاب والتفكير بأن الاسلحة التي تبيعها أميركا أو بريطانيا أو فرنسا للعالم العربي، إما أنها في تصنيف التطور التكنولوجي تعتبر خردة، وإما أنها اسلحة متخلفة تكنولوجياً قياساً للأسلحة التي تمد بها هذه الدول إضافة إلى ألمانيا، «إسرائيل»، ناهيك عن أنها مع كل نواقصها وعيوبها وتخلفها مكشوفة لدى «إسرائيل» بالوفاء والتمام. وهنا نستبق ما عسى أن نسمعه من نعيق ضفادع وشنشنات يستند أصحابها إلى ما تبديه «إسرائيل» من احتجاجات ونرفزة على صفقات الأسلحة ذات القيمة المليارية، إذ لا يرى فيها الا حركات تتصنعها «إسرائيل» ومناورات تكتيكية تستد المهمة الحقيقية لـ «إسرائيل» في خدمة المصالح الغربية وأميركا لكيلا يتحرر الصيد من الشرك، لأن في هذه الحالة تكون «إسرائيل» قد فشلت في مهمتها الموكلة إليها وتأول الأمور إلى لا مبرر لوجودها حارسا فاشلا! ويقينا أنه لم ينتبه إلى المخطط الحقيقي والجانب المخفي من وراء إنشاء دولة «إسرائيل» من مجموع حكام الدول العربية غير الزعيم القائد المحنك فقيد الأمة العربية، والشعوب التواقة للتحرر الوطني جمال عبدالناصر الذي وجه لطمة صاعقة إلى مخطط إنشاء دولة «إسرائيل» بعقد صفقة الأسلحة التشيكية، التي أطارت بصواب الرئيس الأميركي فوصفها بأنها «عمل خطير»، وسر الخطورة يكمن في أن عبدالناصر سلك طريق التحرر والانفلات من رتبة السيطرة الأميركية. فلو اقتدى حكام العالم العربي بنهج عبدالناصر وساروا على منواله في مناهجهم التسليحية لهزوا اقتصاد الغرب، وأجبروا دوله على الاختيار بين مصالحهم الاقتصادية أو «إسرائيل»، ولأصبح أولئك الحكام تيجان تتلألأ على رؤوس شعوبهم بدل ما هم عليه الآن من مواقع شكوك في نفوس شعوبهم يزورهم مسئول أميركي أو هم يزورون أميركا ليتصدروا بعض الصحف المتهدلة شفاه كتابها ومحرريها المتأتئة السنتهم والمتحشرجة بلاعيمهم بعبارات التميجد وتضخيم نتائج الاجتماع بين الطرفين فيما الحقيقة انها موضع شكوك الشعوب ولعناتها لسبب وجيه ظاهر وهو أن لا تكافؤ بين طرفي الاجتماع. وعند هذا المنعطف أرجو من القارئ الكريم ألا يغلب عليه الملل والتعب من طول المشوار ونحن نسير على طريق الكشف عن المستور من وجه عدونا الحقيقي اليمين المسيحي المخادع وعن سلوكاته الملتوية وأساليبه الخداعة لكيلا نستمر تحت دعاياته وإعلامه عن الإسلام المتطرف نحط من أنفسنا فيما الحقيقة الساطعة ان التطرف والتشدد وهو ثوب اليمين المسيحي وصفاته المتميز بها وهذا ما سنركز عليه بحثنا ودراستنا في المقال القادم وسأكتب على أني لست من مساندي التطرف من مختلف منابعه الإسلامية المسيحية أو اليهودية.
صحيفة الوسط
14 مارس 2008