المنشور

أميركا غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم

إن الباحث الهادف بصدق الموجه بحوثه ودراساته لتجريد الحقائق، وإظهارها بسطوعها الشفاف من تحت ركام الكذب، وما يلجأ إليه الكذابون، من المخادعين والمضللين من همهم في الحياة مصالحهم الشخصية، حتى لو أدى الأمر إلى خداع مصادر خيراتهم وتضليلها بدس السم لها في العسل، وذر الرماد في عيونهم للتشبيه عليهم، بخلط الأوراق، وإبراز الأسود أبيضَ والظلم عدلاً واعوجاج السير استقامةً والالتواءات حكماً، والتخبط حنكةً سياسيةً وثاقب بصر، فيما الحقيقة إنها تخبط أعمى يثير القلاقل ويجذر الانشقاقات! سأعتني في بحثي هذا بالتركيز على تاريخ نشوء الدولة الأميركية، بقدر ما تتسع له مجرد مساحات أوراق صحف يومية، كلٌّ له الحق في أن يحصل على حيّزه منها، منذ اكتشاف كرستوفر كولومبوس القارة الأميركية في العام 1492، بعد رحلته في 3 أغسطس/ آب، وهنا نقتبس الآتي: “حاملاً معه عدداً من اليهود، وكان اليهود بالفعل هم الذين مكنوه من تحقيق رحلته الأولى التي أضافت شيئاً جديداً إلى معرفة الإنسان وثروته باكتشاف، النصف الآخر من الأرض…”. “وكان هناك ثلاثة من اليهود المتسترين، يملكون نفوذاً ضخماً في البلاط الأسباني، أولهم لويس دي سنتاغيل وهو تاجر كبير الأهمية في فالنسيا وملتزم الضرائب الملكية، وثانيهم غابرييل سانشيز، وكان ناظر الخزينة الملكية، وثالثهم خوان كابريرد، أمين الملك ورئيس تشريفاته. وظل هؤلاء الثلاثة يعملون على إغراء الملكة إيزابيلا، ويشبعون خيالاتها بالأوهام مصوّرين لها خواء الخزانة الملكية، واحتمال قيام كولومبوس باكتشاف الذهب الخرافي في الهند الغربية ونجحوا في إقناعها بتقديم مجوهراتها لتمويل المشروع…”. “واشترك مع كولومبوس في الرحلة خمسة من اليهود على الأقل، وهم لويس دي توريز، الترجمان، وماركو، الجراح، وبييرنال، الطبيب، وألونزو دي لاكال وغابرييل سانشيز. وكان لويس دي توريز أول من هبط على اليابسة، وأول من اكتشف استعمال الطباعة، وأقام في كوبا حيث يقال إنه مؤسس السيطرة اليهودية على تجارة التبغ في الوقت الحاضر (راجع كتاب «اليهودية العالمية المشكلة الأولى التي تواجه العالم”، إعداد الصناعي الأميركي الكبير هنري فورد، ترجمة خيري حمّاد، طبعة 1991، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص 33 – 35). على إن مع بدء القرن السادس عشر بدأت موجات الرحلات الاستيطانية الغربية إلى العالم الجديد (أميركا) وكان على رأس المستوطنين وفي طليعتهم رجال الكنيسة من الغربيين، من مؤسسي محاكم التفتيش، وتجار صكوك الغفران، الذين ما إن استقر بهم المقام في أراضي العالم الجديد المكتَشَف حتى بدأوا يروجون لأفكارهم الميتافيزيقية والأصولية الرجعية النصرانية الحمقاء التي تبدّت بكل شراستها وبربريتها وهمجيتها أثناء الحملات الصليبية، التي كانت تهدف لا إلى تحرير الأماكن المقدسة من الاحتلال الإسلامي كما صوّرها القائمون على الكنائس النصرانية وغرسوها في عقول العامة من النصارى الملتفين حول رجال الكنائس بعمًى، فيما الحقيقة تتجلى وتتضح في الهدف الرئيسي من رحلة كرستوفر كولومبوس الاستكشافية، ننتقل إلى الآتي: “كتب كولومبوس في يومياته إن فرديناند وإيزبيلا سيكون عندهما الآن الأموال ما يكفي لغزو الأرض المقدسة” (كتاب قصة الحضارة.. ول وايريل ديورانت، الجزء الثاني من المجلد السادس، ترجمة الدكتور عبدالحميد يونس، ص 167). وقد كان كولومبس أول من غرس الشر في أميركا، إذ تفيدنا الحوادث التاريخية أنه أصبح تاجراً للعبيد إذ أرسل حملات لأسر 1500 وطني وأعطى للمستوطنيين أربعمائة من هؤلاء وبعث إلى إسبانيا بـخمسمائة مات منهم مائتان أثناء الرحلة وبيع الباقون في إشبيلية ولكنهم ماتوا بعد بضع سنوات بعد أن عجزوا عن تكييف أنفسهم مع المناخ البارد” (المصدر نفسه، ص 171). وتأسيساً على كل ما سلف – وهو ليس سوى قطرة من محيط – فلا عطب أن نقرأ من حوادث التاريخ ما فعله اليمين المسيحي الرجعي المتطرف الذي تشكل خطورته أضعافاً مضاعفةً من الخطورة التي يشكلها المتطرفون الإسلاميون. ونحن نرى محاولات هذا اليمين المسيحي المتطرف في أميركا يسانده حلفاؤه الأوروبيون مع أية دولة في العالم من امتلاك قوة تضاهي قوتهم، كما هو حاصل مع إيران، وكوريا الشمالية، وليس ثمة تفسير لمحاولات اليمين المسيحي المتطرف مع إيران وكوريا الشمالية من امتلاك التكنولوجيا النووية سوى خوفهم من أن تظهر دولة تشكل مع الدول الأخرى المحبة للسلام والأمن العالميين قطباً جديداً بعد انفلاش القطب الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو قطب آتٍ لا محالة، ليحد من عنجهية أميركا وحلفائها الأوروبيين. لقد دأبت أميركا على ترديد نشر الديمقراطية في العالم، متناسيةً تاريخها الملطخ بالسواد، وانحطاط أخلاق اليمين المسيحي الذي لم يتورع عن تزوير الكذب على الله، ذلك التزوير الذي اشمأزت منه نفسية أبوالعلاء المعري فقال عنه في إحدى قصائده من اللزوميات البيت الآتي:
يحدثونك عن ربّ العلا كذبا
وما درى بشئون الله إنسانا
ومن عربدة اليمين المسيحي المتطرف من أمثال هؤلاء كانوا أوائل المرتحلين الاستيطانيين، حيث كرسوا الأفكار العنصرية، وغرسوها في أفكار العامة من المهاجرين الاستيطانيين وعملوا على إعدادهم آيديولوجياً، كما سيأتي ذكره من اسطورة “الملايين الستة” (المحرقة) ومعبدين بها إلى إثبات أن أميركا “غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم” بتثبيت بعض المقتطفات الآتية وصولاً إلى الحقيقة التاريخية الثابتة، ونبدأ بالتعاريف الآتية التي يتجاهلها كتّاب اليمين المسيحي ومنظروه وقادته.
إن مفهوم “الإبادة الجماعية هي التدبير المنهجي لمجموعة عرقية بإبادة أفرادها” (قاموس لاروس).
“إن الإبادة الجماعية هي، على غرار الوعد الإلهي في التوراة، عنصر تبرير لخلود دولة إسرائيل”. (توسغف المليون السابع، منشورات ليانا ليفي 1993، ص 588).
وهنا نقترب أكثر وأكثر من تثبيت أن «أميركا غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم»؛ في محاولة لتفتيح عيون المندفعين بعمى وراء المشروعات الأميركية الإصلاحية التي تفضح كذبها ودجلها، بما تقوم به في العراق، من تدمير منهجي لشعبه فاق ما قام به صدام حسين، ولحضارته؛ حتى لا يتبقى له ماضٍ يرتكز عليه، ومنه ينطلق إلى المستقبل، ومن هنا نبدأ:
«هناك ثلاثة مصطلحات غالباً ما تستعمل لتعريف المعاملة التي أنزلها النازيون باليهود: الإبادة الجماعية، المحرقة أو الهولوكوست والشواه» ويتسع التعريف ليشمل بصورة أكثر وضوحاً وشفافيةً فيقول: «ولمصطلح الإبادة الجماعية من الناحية الاشتقاقية نفسها معنى دقيق: إبادة عرق، إذا افترضنا أنه قد وجد (عرق) يهودي كما كانت تدعي العرقية الهتلرية وكما لايزال يدعي القادة الإسرائيليون. وهنا يواجهنا منعطف جد خطير وحاسم يتمثل في التساؤل التالي الذي بين يدي من المراجع المختلفة المصادر بما فيها مصادر يهودية كلها تجمع على الإجابة على ذاك التساؤل أو السؤال بـ(لا)، هذا السؤال هو: هل حدثت، أثناء الحرب، (إبادة جماعية) لليهود؟… ويجيب المرجع المعتمد في هذه الدراسة الاستقصائية فيكرر القول: إن لمصطلح (الإبادة الجماعية) في كل القواميس، معنًى دقيقاً. فلاروس يعطي مثلاً التعريف التالي (الإبادة الجماعية هي التهديد المنهجي لمجموعة عرقية بإبادة أفرادها)». وهنا يتأكد المعنى عن الإبادة الجماعية خن خلال الحدث التاريخي الذي لو حاولت «إسرائيل» الالتفاف عليه، وساندتها أميركا في الأمر لذهبت التزويرات الصهيونية التاريخية التي لا أساس لها عن نفسها والتلفيقات اليمينية المسيحية الرجعية المفترية على الله إلى الجحيم ولعن الله الطرفين، تحقيقاً لقوله جل وعلا: «لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (آل عمران: 61)؛ لـ «أن هذا التعريف، حول الإبادة الجماعية، لا يمكن أن ينطبق حرفياً، إلا في حالة غزو يشوع لكنعان حيث قيل لنا، بصدر كل مدينة مفتوحة: (لم يبقَ فيها أحد على قيد الحياة)». (في الإعداد 21، 35 مثلاً). ويستمر الحدث التاريخي الثابت، الذي حاول أول رئيس لـ «إسرائيل» وايزمن الالتفاف عليه، بقوله في مذكراته النكرة التي حشد فيها من الأكاذيب، وأطلق لفكره العنان للتلفيق: «إن اليهود لا يقتلون»، ناكراً بذلك مجزرة دير ياسين (راجع كتاب «الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية لروجيه جارودي، ترجمة حافظ الجماني، وصباح الجحيم، دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، يوليو/ تموز 1996، ص 165-166). ولمتابعة البحث والدراسة سنلتقي في الحلقة التالية للتثبيت – بصورة قاطعة – من هي أميركا، وما هي توجهاتها!

 
صحيفة الوسط
22 فبراير 2008