مع البدايات الأولى للانتفاضة تحركت القوى الوطنية، كل يريد أن يأخذ مكانه في الانتفاضة. تحركت الفصائل القومية وتحركت جبهة التحرير الوطني البحرانية وتحرك البعثيون. منذ بداية الأحداث عملت الفصائل القومية على الالتقاء والتنسيق، وكانت الفصائل المتواجدة آنذاك هي حركة القوميين العرب وتنظيمها الطلابي والناصريين وحركة الثوريين العرب(فصيل منشق عن حركة القوميين العرب). جرت لقاءات تمهيدية وتنسيقية بين ممثلين عن الفصائل القومية منذ البدايات الأولى للانتفاضة قبل أن يتم اعتقال أي من كوادرهم القيادية. دخلوا في حوارات مهدت لعقد الاجتماع التوحيدي للقوى القومية في الفترة التي تلت أول مظاهرة كبرى نظمتها حركة القوميين العرب في المحرق يوم الجمعة 12 مارس 1965. عقد الاجتماع يوم 12 أو 13 مارس وقد حضر عن القوميين العرب أحمد الشملان وعلي الشيراوي مؤسس الاتحاد الطلابي التابع للحركة وممثلا عنه، وربما حضر عيسى الذوادي، وعن الثوريين العرب حضر علي ربيعة ومحمد جابر صباح، وعن الشباب الناصري حضر الشهيد محمد بونفور. وقد تم الاتفاق بين الفصائل على توحيدها تحت مظلة جبهة واحدة باسم جبهة القوى القومية وعلى أن تصدر باسمها كافة البيانات. أما على مستويات العمل النضالي الأخرى فقد ظلت كل مجموعة تعمل شبه مستقلة تحت لواء فصيلها. تتابعت الأحداث بسرعة فبعد مظاهرة المحرق الكبرى يوم الجمعة 12 مارس، سيّرت جبهة التحرير مظاهرة حاشدة في المنامة يوم السبت 13 مارس طافت شوارع العاصمة ابتداء من منطقة السوق. وفي اليوم نفسه تحركت مظاهرة كبيرة في سترة، كما استمرت المظاهرات في المحرق. أمام اتساع المظاهرات صدرت أوامر للشرطة باستخدام الرصاص إضافة لمسيلات الدموع في تفريق المتظاهرين، وسقط في هذا اليوم ثلاثة شهداء من سترة والمحرق. وتداركا لتفاقم الأوضاع ومحاولة لامتصاص النقمة أصدرت الحكومة بيانا في اليوم ذاته 13 مارس أعلنت فيه تشكيل لجنة حكومية للنظر في أوضاع العمال المفصولين. فما كان من القوى الوطنية جميعا إلا أن تنادت لترد على البيان الحكومي ببيان صدر في 15 مارس موقعا بستة أسماء هي حركة القوميين العرب، جبهة التحرير الوطني، حزب البعث(بمسمى آخر) وثلاث فصائل قومية طلابية وعمالية. وقد طرحت الحركة الوطنية في البيان مطالبها التي تضمنت إلى جانب إعادة العمال المفصولين مطالب أخرى أهمها رفع حالة الطوارئ وإطلاق الحريات. تواصل الحوار بين حركة القوميين العرب وجبهة التحرير، وقد كانت علاقتهما قبل انتفاضة مارس مشوبة بالشد والجذب، فقد كان القوميون يحذرون الناس من جبهة التحرير بأنهم شيوعيون ملحدون ويستنكرون علاقتهم مع حزب تودة الإيراني ويتهمون جبهة التحرير بتشجيع الهجرة الإيرانية. ومع بدء الانتفاضة قرر الطرفان وضع الخلافات جانبا وجرى اتفاق على إصدار نشرة مشتركة وعلى العمل المشترك في فعاليات الانتفاضة وفي المواجهات سواء في المحرق أو في المنامة. وقد تمخض عن تلك الحوارات صدور بيان موقع باسم جبهة القوى القومية والتقدمية. ثم اختلف الطرفان على التسمية فأصر القوميون على مسمى جبهة القوى القومية والتحرير على مسمى جبهة القوى التقدمية وعادت البيانات تصدر منفصلة باسم كل جبهة على حدة فصدر أول بيان باسم جبهة القوى القومية بتاريخ 18 مارس وصدر أول بيان باسم جبهة القوى التقدمية بتاريخ 20 مارس. رغم ذلك لم يفسد الاختلاف بين القوميين والتحرير للود قضية حيث فرضت الأحداث تواصل التنسيق والتعاون. وقد لعبت دورا ايجابيا في هذا المجال علاقات الزمالة والصداقة التي ربطت بين بعض الوجوه القيادية من الطرفين. فقد شاءت الصدف العام 1964 أن يعمل في مكان واحد ثلاثة من القوميين وواحد من جبهة التحرير، إذ التحق علي الشيراوي وعيسى الذوادي وأحمد الشملان وثلاثتهم من كوادر القوميين العرب بالعمل في مصنع الكوكاكولا لصاحبه عيسى الجلاهمة والتقوا مع عبدالله البنعلي(عضو لجنة القيادة في جبهة التحرير) الذي كان هو الآخر يعمل في المصنع ذاته وكان هو المخول الوحيد من صوب جبهة التحرير للتنسيق مع القوميين. وقد شكلت زمالة الأربعة في مجال عمل واحد نواة التنسيق أو المطبخ الأول الذي خرجت منه أشكال التعاون بين الطرفين. وأثناء الانتفاضة وقد فرضت الأحداث نفسها بدأ التنسيق بين الطرفين، وقد بدأت لقاءات البنعلي مع علي الشيراوي وعيسى الذوادي باعتبارهما في مرتبة تنظيمية أعلى من مرتبة الشملان. وبعد اعتقالهما تواصل التنسيق بين البنعلي والشملان. أما أوجه التعاون والتنسيق فقد كانت متعددة نذكر منها:
- صدور بيانين بشكل مشترك.
- كان لدى جبهة التحرير منشور تريد توزيعه فطلبت من القوميين توزيعه بين جماهيرهم في منطقة الجسر بين المنامة والمحرق الذي كان محاصرا حينها فقاموا بتوزيعه.
- جرى تنسيق بين كافة القوى الوطنية في المظاهرات والمسيرات من حيث تحريك المظاهرة والشعارات المرفوعة والهتافات والأراجيز. وظهر التنسيق واضحا في التجمعات أمام مسجد الشيخ حمد بالمحرق. حيث كان أربعة ملثمين يتسللون بعد انتهاء الصلاة لداخل المسجد ويغلق الباب دونهم يمثلون القوميين العرب(أحمد الشملان) وجبهة التحرير(محمد السيد) والشباب الناصري(محمد بونفور) والبعثيين(عبدالوهاب بوكمال)، فيتناوبون على إلقاء خطب عبر مكبر الصوت على الجماهير المحتشدة في الساحة أمام المسجد.
- أمدت جبهة التحرير القوميين العرب بالورق وطبعت المنشورات المشتركة، كما أمدتهم ببعض المسدسات والقنابل اليدوية وقامت بتدريب بعض عناصرهم على استخدام السلاح.
- القوميون الذين كانوا يتمتعون بالثقل والانتشار في المحرق ويتوفرون على بعض المخابئ قاموا بتدبير أماكن متعددة للقاءات والنوم لعناصر الطرفين مع بعضهم البعض. كما قاموا باخفاء عناصر التحرير وبتهريبهم خارج البحرين.
- كان لجبهة التحرير دور في نقل بعض جرحى الانتفاضة للعلاج في الخارج حيث تم تسفير بعض المصابين للعلاج في سوريا.
استمر التنسيق بين الطرفين حتى نهاية مارس حيث انقطع الاتصال بينهما حينما نشرت المخابرات أسماء الناشطين وصورهم وتضاعفت الملاحقات في المحرق فقامت جبهة التحرير بسحب عناصرها من الساحة. وواصل من بقي من كوادر القوميين العرب نشاطهم بتنفيذ عملياتهم وإصدار بياناتهم من المخابئ وعادت جبهة التحرير لإصدار نشرتها “الجماهير”. أما بالنسبة لتنسيق القوى القومية مع حزب البعث فكان يغلب عليه طابع المشاركة الفردية من جانب البعثيين. وقد كان لبعض أعضائهم مشاركات كبيرة وتضحيات فقد تعرض عدد من عناصرهم للاعتقال والتعذيب. نسقوا مع القوى الأخرى كأفراد ثم شارك قسم منهم بشكل تنظيمي. في بداية الانتفاضة نزل توقيع حزب البعث على أول بيان مشترك للقوى الوطنية بمسمى آخر ثم اختفى اسمهم في البيانات اللاحقة.
خاص بالتقدمي