المنشور

4 محطات تاريخية مضيئة

منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأ يتعاظم انحسار نفوذ القوى الوطنية والديمقراطية في مقابل تصاعد مد ونفوذ قوى الاسلام السياسي، وعلى الأخص الشيعية منها، والمتلازم مع وصول هذه القوى الى السلطة في طهران.. منذاك لم يشهد تاريخ الحركة السياسية البحرينية محطة سياسية مشرقة تجتمع في ظلها مختلف قوى ألوان الطيف السياسي والمذهبي متوحدة تحت راية سياسية وطنية واحدة للمطالبة بتحقيق القواسم المشتركة التي تشكل غايات آنية ملحة فيما يتعلق بالحقوق الديمقراطية والمدنية والاجتماعية. وكان تشرذم وتفتت قوى الاسلام السياسي بشقيه هو عنوان المرحلة رغم ما يحظى به كلاهما من نفوذ طاغ في شارعه وعلى الرغم مما تميزت به احداث تسعينيات القرن الماضي من حركة مطلبية عامة فإن تداخل شعاراتها مع الشعارات والرموز ذات الطابع المذهبي السياسي وتركزها في القرى وخضوعها شبه الكامل أو الكامل لقيادة قوى الاسلام السياسي الشيعي وتهميش دور القوى الوطنية واليسارية في الحركة وجعلها بمثابة حصان طروادة او غطاء لإضفاء الصفة الوطنية على الحركة.. كل ذلك أدى الى تفريغ حركة التسعينيات من محتواها الوطني المشترك الذي يمثل الشعب بمختلف قواه السياسية وفئاته بغض النظر عن وجاهة وصحة العديد من الشعارات المطلبية المرفوعة حينذاك. وهكذا يمكن القول انه منذ مطلع الربع الأخير من القرن الماضي لم يبزغ على ساحتنا السياسية أي اشعاع بفجر محطة تاريخية كبرى مضيئة لحركتنا السياسية، في حين شهدت هذه الساحة اشعاع 4 محطات تاريخية تركزت خلال الربع الأول من النصف الثاني من القرن العشرين 1950 -1975: المحطة الأولى: هي حركة احداث هيئة الاتحاد الوطني في أواسط خمسينيات القرن الماضي والتي جرت تحديدا في الفترة ما بين 1954 – 1956 وشاركت فيها مختلف اطياف القوى السياسية والدينية والاجتماعية موحدة تحت راية واحدة. المحطة الثانية: الأحداث التي تفجرت في مارس 1965 والمعروفة بـ “انتفاضه مارس 1965” وايضا شاركت فيها مختلف القوى السياسية والدينية والاجتماعية لكن اليسار والطبقة العاملة والطلبة لعبوا فيها دورا رئيسيا محوريا ولاسيما ان الاحداث تفجرت على اثر تسريح شركة بابكو مئات العمال البحرينيين. المحطة الثالثة: أحداث مارس 1972 والتي وقعت احداثها بعد أقل من عام من اعلان الاستقلال الوطني (اغسطس 1971) وقد تفجرت هذه الاحداث المعروفة بانتفاضة مارس 1972 على اثر اندلاع عدد من الاضرابات العمالية في عدد من الشركات الكبرى، وتنامي قوة الحركة المطلبية العمالية وتعمق وعيها النقابي. وقد شارك الطلبة العمال في هذه الاحداث بالمظاهرات من بينهم كاتب هذه السطور، وتحديدا في المظاهرات التي انطلقت من مدرسة الحورة الثانوية للبنين (العمران حاليا) وتوجهت مباشرة الى مدرسة الحورة الثانوية للبنات (الثانوية التجارية للبنات حاليا) القريبة منها لتلتحق بها طالبات هذه المدرسة، وقد اختلطت شعارات المطاليب العمالية بالمطاليب السياسية ومنها المطالبة ببرلمان منتخب وجمعية سياسية منتخبة لصياغة دستور البلاد. المحطة الرابعة: وتتمثل في انتخابات عام 1973 البرلمانية حيث شاركت فيها الغالبية الساحقة من القوى الوطنية والسياسية المعارضة باستثناء الجبهة الشعبية، وتمخضت هذه المشاركة عن فوز مرشحي القوى الوطنية بعدد مهم من الكراسي وتمثل ذلك خصوصا في فوز 8 مرشحين من أصل 12 مرشحا نزلوا على قائمة كتلة الشعب اليسارية والتي كانت تمثل خليطا من القوى اليسارية والقومية ولعبت جبهة التحرير النفوذ الأساسي فيها. ولأن هذه المحطات التاريخية التي بزغ اشعاع كل منها خلال الربع الأول من النصف الثاني للقرن العشرين هي المحطات التي تمثل الصفحات المضيئة من تاريخ الحركة السياسية في تلك الحقبة المجيدة المضيئة فانها فرضت احترامها وقدسيتها تاريخيا على الجميع.. واستعصى حتى على القوى السياسية الدينية المجاهرة بالاساءة إليها لما تمثله هذه المحطات الوطنية من مكانة حميمة كبيرة في قلوب أبناء الشعب جميعا بمختلف فئاته وطوائفه حتى باتت بعض تلك القوى الدينية لا تجد حرجا لإبعاد الصفة أو الوجه المذهبي عن هويتها السياسية من ان تعلن اعتزازها بتلك المحطات ومشاركتها حلفاءها اليساريين والقوميين في الاحتفال بها، بينما خطابها السياسي وممارساتها السياسية اليومية على النقيض تماما من ذلك الاعتزاز المزعوم.

صحيفة اخبار الخليج
11 مارس 2008